نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعدته راية جلبي، سجلت فيه مشاعر أهل منطقة الحجر الأسود قرب العاصمة دمشق، من فيلم صيني تنتجه شركة يملكها نجم أفلام الكاراتيه جاكي شان، وكيف تم استخدام منطقتهم التي كانت معقلا لمعارضة النظام السوري كخلفية لفيلم، مع أن المشردين واللاجئين من المنطقة لا يستطيعون العودة إليها.
ويحاول الفيلم تصوير عملية قامت بها القوات الصينية في اليمن، وساعدت خلالها على إجلاء المواطنين الصينيين وغيرهم من البلد الذي انزلق إلى حرب أهلية طاحنة. وفي مشهد من الفيلم، ظهر موكب من العربات التي تحمل العلم الصيني وهي تشق طريقها في شوارع بلدة سورية تنتشر فيها الأنقاض. وتربّص رجال يرتدون الزي العسكري الصيني وبالكوفيات خلف متاريس الرمل، وكان صوت القصف واضحا في الخلفية، فالبلدة تعرضت للقصف الحقيقي لكن المشاهد هذه المرة مزيفة.
وكانت العملية أول مرة تقوم فيها الصين بمساعدة دول أخرى على إجلاء مواطنيها أثناء أزمة. ويقف خلف مشروع “عملية وطن” الممثل جاكي شان إلى جانب آخرين يريدون إظهار شجاعة الدبلوماسيين الصينيين. ونقلت الصحيفة عن عبد الله (25 عاما) من أبناء الحجر الأسود قوله: “من المؤلم مشاهدتهم يتجولون بحرية في بلدتي مع أنني لا أريد أي شيء غير العودة”، وتساءل هو وغيره من أبناء الحجر الأسود عن أخلاقية استخدام بلدتهم المدمرة كخلفية في فيلم شباك تذاكر.
ولعل العلاقات الصينية- السورية هي سبب اختيار المخرج سونغ ينجي سوريا لتصوير مشاهد فيلمه، فلم تقطع بكين علاقاتها مع النظام السوري، رغم عزلته الدولية. وافتتحت شركة “ينجي” مكتبا لها في الإمارات قبل فترة، حيث تقوم أبو ظبي بمحاولات لإعادة تأهيل بشار الأسد، رغم الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب السوري أثناء الحرب الأهلية المستمرة منذ 11 عاما.
واعتُبر الفيلم أول مغامرة سينمائية مشتركة صينية- إماراتية، وأعلن عنه السفير الإماراتي في بكين خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وقال إنه بمشاركة القطاع السينمائي الصيني والإماراتي. وحذر ناشطون في مجال حقوق الإنسان، من أن الفيلم يقوم بتحسين صورة نظام حوّل الحجر الأسود والمدن السورية الأخرى لأنقاض. وعلقت هبة زيادين، مسؤولة سوريا في منظمة هيومان رايتس ووتش، أن الفيلم “يسهم في تبييض انتهاكات نظام الأسد، ومحو السجل التاريخي عمّا حدث في الحجر الأسود”، وجزء من هذا، الرواية التي يقوم النظام بالترويج لها، وهي أن سوريا تعتبر آمنة لعودة اللاجئين، وهو ما يرفضونه ومنظمات حقوق الإنسان. وهرب الملايين خلال السنوات الماضية من بيوتهم، وتحولوا إلى نازحين في بلدهم أو لاجئين في دول الجوار، ويواجه الكثيرون منهم خطر التعذيب والتغييب القسري والقتل لو عادوا إلى سوريا.
وقال صناع الفيلم إن التصوير في سوريا أكثر أمانا من التصوير في اليمن الذي مزقته الحرب. ورأت زيادين أن الترويج لسوريا كبلد آمن أكثر من اليمن، هو أمر خطير. مضيفة أن سوريا لم تتعاف بعد من الدمار الذي حل بها، بل لا زالت تشهد نزاعا. وتقع بلدة الحجر الأسود جنوب دمشق، وظلت منطقة مهمشة، وسكنها السوريون الذي فروا من مرتفعات الجولان بعد احتلال إسرائيل لها عام 1967.
وقال عبدالله: “نحن فقراء ومشردون منذ أجيال”. وتحولت البلدة إلى مركز مقاومة لنظام الأسد منذ الأيام الأولى للثورة، ثم سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الذي ظل فيها حتى عام 2018، قبل أن يستعيدها النظام ويحولها إلى أنقاض، ولعل الدمار هو ما جذب صناع الفيلم إليها.
ونقلت وكالة أسوشيتدبرس عن رواد شاهين، المديرة التنفيذية للفيلم في سوريا، أن الحرب التي دمرت مناطق حولتها إلى استوديو أفلام، مضيفة أن بناء استديوهات جديدة أمر مكلف، و”لهذا اعتُبرت هذه المناطق استوديوهات قليلة الكلفة”. وتظهر الصور واللقطات مراكز تصوير وسط الأنقاض، وطاقم التمثيل المبتسم وهم يتدربون على المشاهد ويلتقطون “سيلفي” تحت شمس تموز/ يوليو القائظة.
وحضر السفير الصيني في يوم افتتاح مركز التصوير، حيث علقت يافطة كتب عليها “سلام وحب”. وهذه المشاهد المتنافرة ذكّرت بتلك الصور التي التقطت للأسد وهو يتجول مع عائلته وسط أنقاض مدينة حلب التي دكتها قواته بالقصف والغارات الجوية بدون رحمة. ورغم سيطرة النظام عليها مثل الحجر الأسود، إلا أن أجزاء من حلب لا تزال مدمرة بشكل يشير لسياسة النظام بعدم إعمار المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
وفيلم “عملية وطن” ليس الفيلم الدولي الأول الذي يتخذ من أنقاض سوريا ودمارها خلفية، ففي عام 2019، منح مهرجان البندقية جائزة لفيلم لبناني اتخذ من أنقاض مدينة الزبداني صورة له. واتهم سينمائيون سوريورن المخرجين وصناع الأفلام الذي يصورون أفلامهم وسط الدمار والأنقاض بـ”النهب السينمائي”. وكتبوا رسالة اتهموا فيها المخرجين الذي يحولون الأحياء المدمرة إلى مراكز تصوير ويتدفقون عليها بكاميراتهم وطواقم التمثيل، متجاهلين الذكريات الطازجة وقداسة البيوت والقصص والحيوات وذكرت السكان.
وفي هذه الأماكن، لم ترتكب جرائم جديدة، بل هي مكان لجرائم مستمرة ضد الإنسانية. وقال مخرج الأفلام، زاهر عمرين والموقّع على الرسالة، إن نفس الأمر ينسحب على الإنتاج الصيني الجديد “جاكي شان هو اسم دولي كبير” و”هل فكر بالسوريين، خاصة الذين شُردوا ولا يستطيعون العودة إلى بيوتهم والذين سيشاهدون الفيلم؟”.
“القدس العربي”