نفَّذت القوات الأميركية ، الثلاثاء ، غارات جوية في سوريا، استهدفت مجموعات تابعة للحرس الثوري الإيراني، ونُفِّذت الضربات في وادي نهر الفرات، في منطقة دير الزور.
وتأتي أهمية الغارة الجوية؛ كون الولايات المتحدة، نادراً ما تقوم بالردّ على عشرات الهجمات التي يُنفِّذها الحرس الثوري الإيراني ووكلائه، ضد قواتها على مدى السنوات العديدة الماضية، وازدادت هذه الهجمات في عام 2019، وألحقت الأذى بأفراد القوات الأميركية في العراق، في ظل إدارة ترامب، و أدت التوترات المتصاعدة إلى قيام أميركا، بقتل قائد فيلق القدس، في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وزعيم الميليشيات العراقية، أبو مهدي المهندس.
عندما وصلت إدارة بايدن إلى السلطة، كان من المتوقع وعلى نطاق واسع أن تتراجع عن موقف الإدارة السابقة، على سبيل المثال، في عهد ترامب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، والحوثيين، في اليمن. قامت إدارة بايدن بالتراجع عن العقوبات المفروضة على الحوثيين، لكنها أبقتهم على الحرس الثوري الإيراني، حتى هذه اللحظة.
وطالبت إيران برفع هذه العقوبات في إطار العودة للاتفاق النووي الإيراني، باختصار، لطالما طالبت طهران بالإفلات من العقاب وحرية العمل للحرس الثوري الإيراني، وكذلك الجماعات الإرهابية الموالية العاملة في المنطقة.
تريد إيران أموالاً من الغرب من قبيل الابتزاز لمنعها من تطوير أسلحة نووية مع الاحتفاظ بـ “الحق” في السيطرة على لبنان والعراق وسوريا واليمن، ثم استخدام تلك الدول لمهاجمة دول المجاورة كإسرائيل، على سبيل المثال.
هذا ليس سرّاً أو مسألة رأي: إيران تُجاهر أن هذا ما يدور في خُلدها، وتعتقد أن وحداتها في تلك الدول هي جزء من “المقاومة”، وتقول صراحة؛ إنها تريد استخدامها ضد الولايات المتحدة، وإسرائيل، ودول أخرى كالعديد من دول الخليج. استخدمت إيران طائرات مسيّرة وصواريخ لمهاجمة القوات الأميركية في العراق وسوريا، واستهدفت الإمارات والسعودية وهاجمت سفناً في خليج عمان.
وقد أدى ذلك، إلى نشوء وضع اعتقدت فيه إيران أنها تستطيع الإفلات من العقاب، ووفقاً للتقارير؛ فقد وقعت عشرات الهجمات منذ أكتوبر الماضي، العديد منها لم يتمّ الإبلاغ عنها أو بقيت طي الكتمان.
لقد وصل الأمر إلى الحدّ الذي تشنّ فيه القوات الموالية لإيران هجمات وإن لم تُسبب أية إصابات ولكن كان هناك تجاهل، لأن الجميع يعلم أن لا أحد سينتقم، إنه كمثل “إذا سقطت شجرة في غابة ولم يسمعها أحد، فهل حدث ذلك؟”، في هذه الحالة، “إذا استهدف صاروخ إيراني قاعدة أميركية ولم يكن هناك أحد للإبلاغ عن ذلك ، فهل حدث ذلك؟”.
في حالات نادرة، سمعنا المزيد عن هذه الهجمات، على سبيل المثال: استخدمت إيران طائرة بدون طيّار العام الماضي؛ لضرب ما وصفته وسائل الإعلام الأميركية بـ “حظيرة وكالة المخابرات المركزية”، في مطار أربيل الدولي، كما استهدفت ثكنة التَّنف في سوريا، قرب الحدود الأردنية.
إيران تحاول إبقاء عينها على القوات الأميركية
بشكل عام ، تحاول إيران مراقبة القوات الأميركية، وممارسة الضغط في وادي نهر الفرات الأوسط، وتمّ تطهير المنطقة من داعش، بين عامي 2017 و 2020، وربط بلدة القائم الحدودية العراقية بدير الزور، في سوريا.
كانت القبائل في سوريا, فيما مضى, على طول الوادي، تُعلِّق صوراً لصدام حسين في منازلها، وكان ذلك بسبب ارتباطها بالعراق وليس بسوريا، لاحقاً، بعد عام 2003، أصبحت هذه المنطقة معبراً للجهاديين المُتّجِهين عبر سوريا، لمحاربة الولايات المتحدة في العراق.
في عام 2014، أصبحت هذه المنطقة منطقة رئيسية لداعش، خلال غزو العراق وما تلاه من إبادة جماعية للأقلّيات في البلاد. في عام 2018، بدأت إيران تهتم بشكل أكبر بالاستثمار في هذه المنطقة لتحويلها إلى “ممر إلى البحر”، حتى تتمكَّن من نقل الأسلحة عبر البوكمال، إلى قاعدة T-4 ثم إلى لبنان ودمشق والجولان.
حتى أنّ طهران، قامت ببناء قاعدة تُسمى “الإمام علي” لتسهيل نقل الأسلحة، وتم استهداف هذه القاعدة عدة مرات بغارات جوية، وألقت وسائل إعلام إيرانية وسوريّة باللوم على إسرائيل في الغارات الجوية؛ إسرائيل تشن حملة “حرب بين الحروب” لمنع ترسيخ إيران في سوريا.
هذا هو السياق الذي قامت فيه الوحدات الموالية لإيران، بتأسيس نفسها في سلسلة من المعاقل من البوكمال إلى دير الزور، على طول النهر، و من هناك، يمكنهم النظر إلى شرق سوريا، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من الولايات المتحدة.
في بعض المناطق، مثل حقل العمر النفطي، تمتلك الولايات المتحدة وحدات أكثر أهمية، وبحسب تقارير إعلامية سورية، استهدفت الصواريخ ” قاعدة الاحتلال الأميركي في حقل العمر النفطي”، في 15 آب/ أغسطس، وكانت واشنطن حريصة على الرّد، لكن محادثات صفقة إيران جارية، بالإضافة لاعتبارات أخرى، واستُهدفت القاعدة أيضاً في أيار/ مايو، بحسب وسائل إعلام تركية، وذكرت تقارير أُخرى، أنه تم استهدافها في كانون الثاني / يناير.
يمكن لإدارة بايدن، تحمُّل استهداف وكلاء إيران في سوريا، لأن هذه القوات تتكوّن عموماً من السكان المحليين، أو الأشخاص الذين تُجنِّدهم إيران في العراق، أو أفغانستان. سوريا هي أيضاً نوع من المنطقة “الحرة للجميع”، حيث يبدو أن روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا وغيرها تعمل بحصانة ودون عقاب.
ستكون الولايات المتحدة أكثر قلقاً بشأن استهداف أعضاء الحرس الثوري الإيراني في العراق، أو في إيران نفسها. السؤال هو ما إذا كانت الضربات الجوية “الدقيقة”؛ التي تقول الولايات المتحدة أنها نفَّذتها، قد أسفرت فعلاً عن أي ضرر حقيقي أو ما إذا كانت مجرد ضربات رمزية.
لدى واشنطن عادة إلقاء الصواريخ على التهديدات، ولكنها لا تُنفِّذ أي سياسة حقيقية، تعود “دبلوماسية الصواريخ” هذه إلى سنوات عديدة، على سبيل المثال: ثبت أن الضربات الجوية الأميركية على القاعدة في التسعينيات؛ لا قيمة لها ولم تفعل شيئاً لعرقلة رغبة الجماعة الإرهابية في تنفيذ هجمات الحادي عشر، من أيلول/ سبتمبر. لا تُخطط إيران لأي حدث مشابه لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، لكن وكلاءها يُشكّلون خطراً كبيراً، وتعتقد طهران أن لديها الحصانة لمهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
يظهر انتقام أميركا, وسط محادثات صفقة إيران وتوجيه أصابع الاتهام علناً للحرس الثوري الإيراني, إن القيادة المركزية مستعدة لتحديد من الذي يُسبب المشاكل، لكن الولايات المتحدة والبنتاغون ما زالا مترددين في مواجهة الجمهورية الإسلامية.
بشكلٍ عام، فضّل البيت الأبيض، التقليل من أهمية الهجمات والتهديدات، هذا على الرغم من حقيقة أن إيران تستخدم بشكل متزايد الطائرات المُسيّرة، بل وتُهدد أصدقاء الولايات المتحدة في إقليم كردستان، فضلاً عن تهديد إسرائيل من خلال تحليق طائرات بدون طيّار من العراق وإيران لاستهداف الدولة اليهودية.
أسقطت الولايات المتحدة، العديد من تلك الطائرات المُسيّرة في وقتٍ سابق من هذا العام، ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه مجرد حوادث قليلة أو جزءً من سياسة أميركية أوسع.
المقال كتبه الصحفي سيث فرانتزمان في صحيفة جيروزالم بوست وترجمتها نورث برس