«أبجدية النصر» عنوان احتفالية لـ «حزب الله» احتفالاً بمرور أربعين عاماً على انطلاقة المقاومة في لبنان، وذكرى التحرير، والذكرى السنوية لانتصار تموز 2006.
ترد الكلمات الآنفة المفعمة بالنصر في خضم فيديوهات وتصريحات متتالية غاضبة لعائلة المغني اللبناني جورج الراسي بخصوص وفاته جراء حادث سير رهيب إثر عودته من دمشق. الغضب كلّه انصبّ على وزير الأشغال اللبناني (الحادث وقع في المسافة الفاصلة بين نقطتي الحدود، بعد نقطة الأمن السوري وقبيل نقطة الأمن اللبنانية)، ذلك أن الفيديوهات المتداولة تشرح بوضوح أن المشكلة كانت في الطريق، بسبب وجود كتلة بيتونية في منتصف الطريق، من دون أي إشارة تحذيرية.
حادث السير ليس قدراً محتوماً، فهل هناك سبب أقوى من وجود تلك الكتلة في الطريق كي تقع المصيبة! والعائلة لديها كل الحق في تحميل الدولة المسؤولية المباشرة، لكن يبدو أن الحزينة كانت من الحكمة بأنها لم تتجاوز في غضبها وزير الأشغال (اقرأ: محافظ حمص أو درعا).
ما النصر الذي يتحدث عنه الناس في تلك البلاد؟ ما النصر إن لم يكن مفردات حياة كريمة، وبالطبع لن نفترض حياة مترفة، فإصلاح الطرقات لا يتعلق حتماً بقانون قيصر وبالعقوبات .
شقيقة جورج، الفنانة نادين الراسي، انهالت بالدعاء على الوزير: «الله يحرق قلبك على ابنك، متل ما حرقت قلبنا على جورج. هيدا جورج الراسي». وهددت: «إذا لم (تنصب) تمثالاً لجورج الراسي سيحترق قلبك على ابنك»!
الأهم في تصريحات نادين قولها: «رضيانين بالبلد بكل مشاكله ومصائبه، السرقة والنهب والقتل، ما عم نعرف مين عم يقتل مين.. بس جورج الراسي ما بيروح رخيص». كلام هو تقريباً منطق كل ممانع، يرى بأم العين كل مصائب النظام القائم، ولا يكترث إلا إذا مسّه الأذى بشكل شخصي، هذا إذا لم يغن ويدبك لارتكابات النظام، الذي سيقتله يوماً من دون اكتراث. وهذا ما نشهده في سوريا مثلاً، حيث يقدم النظام هناك كل يوم مثالاً على جاهزيته ليبتلع أقرب الناس إليه، وبالمناسبة، الطرقات على الجانب السوري من الحدود ليست أحسن حالاً، وكان من الممكن أن تحدث المصيبة هناك.
ما النصر الذي يتحدث عنه الناس في تلك البلاد؟ ما النصر إن لم يكن مفردات حياة كريمة، وبالطبع لن نفترض حياة مترفة، فإصلاح الطرقات لا يتعلق حتماً بقانون قيصر وبالعقوبات المفروضة على البلد.
في بلاد النصر تلك، هل هناك من يجرؤ على أن يسافر على متن طائرة إيرانية؟ هل هناك من لا يدق قلبه على الحدود أمام الموظف الذي «سيفيّش» اسمه؟ هل تستطيع نجوى كرم أن تنبس بكلمة بحق حكام البلد؟ هل يستطيع جورج الراسي أن لا يؤيد قرارات محسن غازي، نقيب الفنانين السوريين (استُعيد في أحد الفيديوهات مبخّراً بقوة لمحسن في إذاعة سورية)؟ من منهم سيأمن بعد اليوم لطريق ذاهب أو قادم من دمشق؟
تلك هي أولى أبجديات نصر النظام الممانع، إن لم تستطع أن تحوّل نصراً واحداً من انتصاراتك، التي لا تحصى إلى طريق مضاء، وماء نظيف، وخبز سهل المنال، فأنت وانتصاراتك إلى الجحيم.
الحجوم العظيمة
هاني شاكر، المغني المصري (مواليد العام 1952)، قادم ليغني في دار الأوبرا السورية منتصف أيلول/سبتمبر المقبل. نقيب الفنانين السوريين محسن غازي هو من وجه الدعوة إليه، وقد قال، في مقابلة: «نميل نحن في نقابة الفنانين باتجاه دعوة من يتمتعون بهذه الحجوم العظيمة جداً في وجدان المجتمعات».
يذكر أنه لم يعرف عن هاني شاكر في العشرين عاماً الأخيرة سوى معاركه كنقيب للمهن الموسيقية، وهو تقريباً كان يلعب الدور نفسه الذي لعبه نظراؤه السوريون، صباح عبيد وزهير رمضان ومحسن غازي. المنع، والرقابة، والتحقيق، والسماح حسب الرضا.
إذا كانت المقارنة بين المغنية سارية السواس، التي تشغل الدنيا السورية هذه الأيام، فلا شك أن سارية تليق أكثر باسم «دار الأسد».
مكتوب على دار الأوبرا السورية (الاسم الآخر لدار الأسد للثقافة والفنون) أن تصبح متحفاً للآفلين (مغن بعمر السبعين وطالع)، الذين لم يعد أحد في العالم يريد أن يستمع إليهم، ولا حتى في بلدانهم.
صدّقْ، سيادة النقيب السوري، أن لديك من المواهب السورية من يفوق هاني شاكر موهبة، وهم يتحرّقون شوقاً وانتظاراً لفرصة كهذه، لكنكم تحبون «الحجوم» البعيدة.
على أي حال، إذا كانت المقارنة بين المغنية سارية السواس، التي تشغل الدنيا السورية هذه الأيام، فلا شك أن سارية تليق أكثر باسم «دار الأسد».
مدينة بلا قلب
من المشاهد التي لا تنسى في فيلم «نجوم النهار»، للمخرج السوري أسامة محمد، صور المغني فؤاد غازي، أو فؤاد فقرو، تغزو أبنية وشوارع وساحات دمشق، كان مشهداً جريئاً يكشف رغبة لم يخفها «البعث» في ترييف المدينة. كانت دمشق، ككل مدينة أخرى، في معتقدهم (في معتقد أعداء المدينة) «مدينة بلا قلب»، لا بدّ من اقتحامها، عند الفجر، ولاحقاً في عز الظهر، وبعد العصر، بكل فجور.
غازي ترفّع اليوم إلى رتبة نقيب (دائما كان هناك خلط بين الاسمين، محسن وفؤاد غازي)، ولم يعد يكتفي باحتلال جدران المدينة وساحاتها، بل بات هو من يقرر الذائقة، الممنوع منها والمسموح، يصدح هاني شاكر، ونجوى كرم، وغازي نفسه، في قلعة دمشق، أو في دار الأوبرا. تصمت نجاة، ولبانة، وديمة، وليندا، ورشا، وشادي، وإبراهيم، ويصدح علي الديك، وحسين الديك، وسارية (لن يقدر أحد على منعها، ثق..) سارية وأخواتها.
«القدس العربي»