كما في الكثير من دول العالم، في الأول من الشهر الجاري فتحت المدارس الروسية أبوابها. وبموجب التعديل الجديد في منهاج التدريس، أدخلت وزارة التعليم الروسي مادة جديدة في المنهاج لتدريسها في الصفوف 5ـــــ9 من أصل 11 صفاً تعليمياً، تلتزم المدارس بموجبها تدريسها لمدة ساعة مطلع كل أسبوع بعنوان “أحاديث عن المهم”. المادة عينها تحمل إسم “أسس الثقافة الروحية ـــــ الأخلاقية لشعوب روسيا”، وهي تستكمل المادة السابقة “أسس الثقافة الدينية والأخلاق العلمانية” التي تدرس الثقافات الأرثوذوكسية، الإسلامية، البوذية، اليهودية والعلمانية.
الخدمة الروسية في BBC قالت في تعليق على ساعة التدريس الجديدة بأن المناهضين لإدخالها وصفوها بأنها “دروس في البروباغندا”. وأضافت بأنه، بعد إنطلاق غزو أوكرانيا، أخذت الدولة الروسية تلح في إرسال إشارات إلى المجتمع كيف عليه أن يفكر، وماذا عليه أن يحب. وطاول الضغط الإيديولوجي الأطفال، فبدأت المدارس دروساً تشرح لماذا “العملية العسكرية الخاصة”، وكيف تزيد العقوبات الغربية الاقتصاد الروسي قوة. واستبقت بعض المدارس في الربيع المنصرم إدخال الطقس الأسبوعي في رفع العلم الروسي، مع العلم أن وزارة التربية تفرضه مع بداية العام الدراسي الحالي. وتضم مجموعة رفع العلم التلامذة الذي أحرزوا “نجاحات تعليمية، رياضية، فنية وإجتماعية”. وفي أيام الصقيع سمح وزير التربية بإقامة الطقس داخل المبنى، وليس في باحة المدرسة.
وزعت الوزارة المواضيع الأسبوعية لكل درس وصف. تلامذة الصفوف الأولى سوف يبدأون بأغنية “من أين يبدأ الوطن”، ويتلقنون بأن الوطن هو رندحة الأم عند مهد الطفل، اللعب مع الأصدقاء، السباحة في النهر والكتاب الأول. أما صفوف 5 ــــ 7 فسيحدثونهم عن أبطال “العملية الخاصة”، وكيف حاصر ضابط روسي المتعصبين القوميين الآوكران في حقل ألغام، استسلموا على إثره. أما صفا 8 ـــ 9 فسوف يكتبون فرضاً “بما كان يشتهر الروس الأوائل؟”، ويهدف الفرض في كتيب ارشادات الوزارة إلى “فهم التلامذة لأهداف العملية الخاصة، وبأن سكان “جمهوريتي دانتسك ولوغانسك هم روس، ولذا من المهم عودتهم إلى روسيا”.
يقول الموقع أن أصواتاً وسط المدرسين والناشطين بدأت ترتفع بالدعوة إلى تجاهل ساعات التدريس الجديدة. ودعت حركة “القوة الناعمة” و”التحالف المستقل للمدرسين” إلى حظر الأطفال من حضور “دروس البروباغندا”، وذكرت بأن قانون التعليم يحظر الدعاية السياسية في المدارس. وفي رسالة مفتوحة قال الطرفان “نحن واثقون أن الوطنية الحقيقية لا تنشأ في جو الكراهية والخوف والفرض”، بل هي ، بالدرجة الأولى، قضية الأهل، وليس الموظفين. ونقل عن رئيس “التحالف المستقل” بأنهم تلقوا في آخر الشهر المنصرم آلاف الإتصالات يسأل فيها الأهل عن إمكانية عدم إرسال أطفالهم إلى دروس”أحاديث عن المهم”، ويسأل المدرسون كيف يمكن التخلص من ساعات هذه الدروس.
ينقل الموقع عن مدير “المدرسة الجديدة” ومؤسس “الكوليج الجديدة” قوله بأن واضعي برنامج “أحاديث مهمة” يضخمون من هيبة المدرسة في نظر الطفل الحديث. ويضيف بأن البروباغندا لن تؤثر على التلامذة، فهم أكثر ذكاءاً من واضعي إرشادات الوزارة. فالأطفال لا يشاهدون التلفزيون، بل لديهم قنوات متعددة للمعلومات، ويتواصلون مع العالم أجمع. وتشير مختلف الإستطلاعات إلى أن من هم في عمر بين 18 و25 سنة لا يؤيدون “العملية الخاصة”.
لكن الرجل يرى أن التعديلات الجديدة سوف تكون مؤذية على المدى الطويل. وينقل عنه الموقع قوله بأن التعديلات الجديدة تفترض أن يكون الجميع متشابهين، يعملون ما يعمله الآخرون، وإلا سوف يعاقبون، ويصف هذا بأنه إحدى سمات الفاشية.
أول درس في إطار برنامج “أحاديث عن المهم” ألقاه بوتين في لقاء مع تلامذة جيب كاليننغراد في أقصى شمال غرب روسيا. والجيب هو منطقة كينسبيرغ الألمانية سابقاً التي ضمتها روسيا بعد الحرب العالمية الثانية. إلتقى بوتين مع نخبة من تلامذة كاليننغراد المتفوقين في مجالات عديدة من النشاطات المدرسية، وألزموا بالبقاء في الحجر الصحي قبل اللقاء. أحد التلامذة اشتكى لبوتين أنه، وبسبب الحجر، لم يتمكن من شراء هدية عيد ميلاد لوالده، وطلب مصافحة بوتين لإهداء المصافحة لوالده، كتعويض عن هدية عيد الميلاد.
موقع severreal نشر نصاً عن لقاء بوتين استوحى عنوانه من سياق كلام الرئيس عن أن الموهبة ليست “مؤخرة مطاطية”، وجاء عنوانه “مستر المؤخرة المطاطية”. أول “حديث عن المهم” لفلاديمير بوتين”. قال الموقع بأن بوتين حدّث الأطفال عن الحرب في أوكرانيا، عن الغرب المتعفن، وقرأ محاضرة للأطفال عن التاريخ. في بداية الحديث عبر بوتين عن أمله بأن يكون “الحديث عن الأهم” مفيداً، وطلب من التلامذة أن يطرحوا أسئلتهم. سأله الأطفال كيف يمكن تجنب الخطأ في إختيار طريق الحياة والمرشد فيها، وكيف يمكن أن ننمي الصفات الحميدة فينا. كما سألوه كيف تخطط روسيا لتطوير التكنولوجيا الحيوية في ظل العقوبات.
لم يسأل أحد عن الحرب، لكن بوتين تحدث عنها بغض النظر عن ذلك، وقال بأن الحرب ليست موضوع أطفال، لكنها “موضوع مفهوم بما يكفي”.
يقول الموقع بأن بوتين كرر على مسامع الأطفال المحاضرة التي ألقاها عند إعلان ما يسمى “العملية العسكرية الخاصة”، وأعلن بوتين عن هدف جديد للجيش الروسي ــــ “إنهاء الحرب”. الكل يعتبر أن ما يجري الآن هو عدوان روسي، لكن لا أحد يعرف أن سكان دانتسك ولوغانسك، أو غالبيتهم على الأقل، لم يريدوا أن يعترفوا بنتائج إنقلاب الدولة العام 2014 في أوكرانيا. “إن مهمتنا، مهمة الجنود والمقاتلين في الدونباس إنهاء هذه الحرب، الدفاع عن الناس، وبالطبع الدفاع عن روسيا”.
ينقل الموقع عن تعليقات القراء على قول بوتين بأن الموهبة ليست مؤخرة مطاطية. إحدى صحافيات الخدمة الروسية في “الحرة” قالت “عفوك يا الله! يقول هذا للأطفال في كاليننغراد في حصة “لنتحدث عن المهم”. ما الذي يدور في رأسه، فليعالج أحد هذا الرئيس!”
أحد الكتاب اكتفى بالقول “مستر المؤخرة المطاطية”.
موقع Kasparov نشر مدونة أحد الكتاب السياسيين الروس المعروفين بعنوان “ثلاثة “إكتشافات، فلاديمير بوتين”. قال المدون بأن أحد أهم الموضوعات بالنسبة لبوتين هو التاريخ. ويقتطف أحد تعابير حديث بوتين للأطفال الذي يقول فيه أنه “من دون أن نفهم من نحن، يستحيل التقدم إلى الأمام. ولا يمكن فهم هذا إلا من التاريخ”.
الإكتشاف الأول الذي يشير إليه المدون بسخرية لاذعة لما يسرده بوتين من أساطير عن الأوكران، حيث يقول بانه حتى البالغين بينهم لا يعرفون أنه لم تكن لأوكرانيا دولة قبل تشكل الإتحاد السوفياتي. يذكر المدون بوتين بإعلان الأوكران إستقلالهم العام 1917، وجاء الإتحاد السوفياتي العام 1922 ليقضي عليه.
الإكتشاف الثاني لبوتين يستخلصه المدون من قوله بأنه ينشأ في أوكرانيا جيب يهدد روسيا عينها، وهدف “العملية الخاصة” الروسية تصفية هذا الجيب. يذكر المدون بوتين بالمعنى الجغرافي للجيب، ويقول بأن اوكرانيا ليست جيباً enclave.
أما الإكتشاف الثالث لبوتين فيستنتجه المدون من قوله بأن الإجتهاد في العمل هو موهبة خاصة، وليس مؤخرة مطاطية، بل موهبة إلزام نفسك بالعمل. تعبير بوتين هذا هو أكثر ما استفظعه المعلقون، سيما وأنه أتى في سياق حديثه للأطفال.
“المدن”