استلم المواطن الكردي التركي علي رضا أرسلان كيساً أبيض من العدليّة التركيّة، أتعرفُ ماذا كان يحتوي ذلك الكيس، يا سيادة الرئيس إردوغان؟ كان يضمّ رفاتَ ابنه هاكان أرسلان الذي قتله جُندُكَ. قتلوهُ لأنّه لم يمتثل لأوامر حظر التّجوال في مدينة دياربكر، دفنوهُ خفيةً، ثمّ سلّموه إلى والدهِ في كيس، بعد مضي سبع سنوات على قتله.
فخامة الرئيس، يحيطُ بكَ جيشٌ من المستشارين الذين يتقنون اللّغة العربيّة، كتابةً وقراءةً ونطقاً. لن يطلعوك على هذه الأسطر. أتفهّم أسبابهم، خبثهم، مَرضهم ووساوسهم. يخشون تعكير صفو مزاجك، وأنت السلطان، الخليفة العُثماني الحادي والأربعين، وولي نعمتهم. لكن، آمل أن تطلب منهم ترجمتها إلى التركيّة، تماماً، من دون تصرّف أو تحوير أو تزوير. كثيراً ما يضلل المستشارون قادتهم، ما يعطي القادة التفويض في تضليل الشعوب وتدمير المجتمعات والأوطان.
ربّما تسأل نفسك: ما الذي دفعَ كاتباً كرديّاً إلى الكتابة لك باللغة العربيّة، لا الكرديّة؟ حتّى لو كُنتُ أتقنُ التركيّة، فلن أكتبَ لك بها. أتعرف لماذا؟ ليس لأنني أكرهها، كما تكرهُ اللغة الكرديّة. بل لكي يقرأ العرب كلامي هذا، لربّما أساهمُ في إزالة قسط من الصورة المخادعة عنك لديهم. بإمكاني أن أكتب لك باللغة الكرديّة أيضاً، وربّما أفعل ذلك لاحقاً. تلك اللغة الذي ما زلت ترفض الاعتراف بها في الدستور التّركي!
عندما كنتُ طفلاً، ومع بداياتِ أيلول/ سبتمبر من كلّ عام، وهبوبِ نسائمِ الخريف، والسماءُ تكتنفها السحبُ البيضاء، كنتُ أعلّقُ كيساً فارغاً أبيضَ بخيطٍ، وأركضُ في شوارع البلدة، بعكس اتجاه الرّيح، مع بقيّة الأطفال الممسكين برؤوس خيوطهم. هكذا كنّا نحتفل بحلول الخريف. هل كُنتَ تحتفلُ مثلنا بمجيء الخريف، عندما كنتَ طفلاً، سيادة الرّئيس؟ هل سألتَ نفسكَ، ولو لمرّةٍ واحدةٍ في حياتك؛ لماذا لا يودُّ الخريف مغادرة الأناضول منذ 1925، حينَ علّق أجدادكَ؛ جدّي الشيخ سعيد بيران على أعواد المشانق؟!
نعم، هكذا كان يتمنّى الشّهيد الرّاحل تورغوت أوزال، أن يكون اسم البلاد؛ الأناضول، وليس تركيا. قالها: “يا ليت اسمها كانت الأناضول، وليس تركيا”. تورغوت أوزال الذي تجلس على كرسيه منذ 2014، قتلتهُ الدولة العميقة التي ترأسها الآن، يا فخامة الرّئيس.