مطارات روسيا تعج في الـ 48 ساعة الأخيرة بشباب اختاروا الهرب من فلاديمير بوتين وحربه في أوكرانيا وبعد استدعاء زعيم الكرملين الاحتياط وما يقارب 300 ألف مواطن للذهاب لمعركة قد يعودوا منها جثثا هامدة -إذا عادوا-.
تذاكر السفر باتت مفقودة بعد إعلان بوتين “المحارب” قراره من قصور روسيا وخلف الكاميرا، في تعبير واضح عن الفجوة العميقة بين الكرملين والمواطن العادي. ونشرت وسائل إعلام مشاهد لتكدس المواطنين في مطاري فونكوفو غربي موسكو، وقازان في جمهورية تتارستان الروسية ، فيما ذكرت مواقع روسية أن هناك تواجدا مكثفا للشرطة داخل المطارات.
الشباب يهرب من بوتين باتجاه تركيا، أوروبا، الخليج وأي نقطة يمكنهم الدخول لها من دون تأشيرة، فيما التظاهرات غصت بها شوارع موسكو وسانت بطرسبرغ رفضا للقرار ولغزو أضعف روسيا وأغرقها ميدانيا.
استدعاء الاحتياط ليس ورقة قوة يلعبها بوتين، بل دليل إحباط وتخبط له ولجيشه في أوكرانيا. فبعد سبعة أشهر، تبدو حرب أوكرانيا أقرب إلى تجربة روسيا في أفغانستان إنما مع أضعاف عدد القتلى وبوقت أقصر بقصير من التجربة الأفغانية. ففي عشرة أعوام خسر الاتحاد السوفياتي يومها حوالي 15 ألف جندي فيما يتخطى اليوم عدد القتلى الروس في أوكرانيا الـ 80 ألف، والآتي قد يكون أسوأ بأخذ بعين الاعتبار مستوى السلاح والتدريب الذي يصل كييف.
بوتين لم يحسب خط الرجعة من أوكرانيا وهو ظن أنها ستكون جورجيا أخرى أو تكرار لجزيرة القرم المهددة اليوم، أو في تقدير أسوأ بكثير ظن بأنها سوريا.
أوكرانيا هي في عقر دار أوروبا، وهي فرصة ناجحة حتى الآن للغرب لاستنزاف روسيا من دون خسارة الكثير. فالغاز يعوض، أما 80 ألف روسي، فمن يعوضهم، ومكانة موسكو الدولية من يستردها؟
سيرجي لافروف تسود وجهه الكآبة وهو في نيويورك يحن لاستقبال مهيب وللقاءات رفيعة تليق بقوة دولية سابقا. فوزير الخارجية الروسي وطبقا لمن يعرفه يدرك حجم الخطأ الذي ارتكبه بوتين إنما غير قادر لا على التأثير ولا على إصلاح ما دمر.
أفضل سيناريو لبوتين اليوم سيكون في السيطرة على منطقة حدودية مع أوكرانيا وحماية جزيرة القرم، إنما من دون استعادة خاركيف وإزيوم ومن دون التقدم غربا. أنا أفضل السيناريوهات لأوكرانيا هو في الزحف شرقا وتحرير تلك المناطق واستعادة جزيرة القرم.
هذا يلخص الصورة العسكرية وأزمة بوتين رغم استدعائه الاحتياط. فمعظم هؤلاء أصلا ليسوا محاربين على الأرض وبعضهم لم يتلق تدريبا عسكريا وسيحتاجون أشهر لدخول الميدان. هذه الفترة هي الأهم لأوكرانيا بالانقضاض على الجيش الروسي وهو في أضعف مرحلة له منذ بدء الحرب.
أما الغرب فهذه أيضا فرصته للانقضاض على بوتين من دون جره إلى خسارة كبيرة إنما بما يكفي لجلبه لطاولة المفاوضات. فالسلاح لن يتوقف من أميركا وباقي دول حلف الشمال الأطلسي بمن فيهم تركيا الى كييف، والزخم هو مع أوكرانيا.
هل يراجع بوتين قراراته وهل ينعطف نحو سياسة براغماتية لإنهاء الحرب؟ على الأرجح أن هذا سيتم في المدى المتوسط ولن ينتظر عشر سنوات على النمط الأفغاني. أما في المدى المنظور، فالرئيس الروسي مصر على الاستمرار بحرب تستنزف القوة الروسية وشبابها ظنا منه أنه سيهزم الغرب فيما لم يخسر هذا جنديا واحدا في أوكرانيا.
“الحرة”