أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البرازيل عن تصدر لويس لولا دا سيلفا الرئيس الأسبق ومرشح حزب العمال والتحالف اليساري بنسبة 47,91٪، متقدماً على مرشح الحزب الليبرالي الديمقراطي اليميني المتطرف والرئيس المنتهية ولايته جايير بولسونارو الذي نال 43,65٪، خلافاً لما كانت غالبية مؤسسات استطلاع الرأي قد أشارت إليه من تفوق لولا بفارق أكبر يبلغ 14 نقطة، أو حتى حسم الانتخابات منذ الدورة الأولى.
ذلك يفرض اللجوء إلى دورة ثانية وحاسمة في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري وانخراط البلد في أطوار جديدة من حملة انتخابية عاصفة تنذر بالكثير من أجواء التوتر والتشنج وتصاعد الاتهامات، خاصة وأن بولسونارو كان للتو يشكك في نظام الاقتراع الإلكتروني ويلوح بالاعتراض على النتيجة في حال خسارته، كما ألمح بعض مساعديه إلى البلوغ بالاحتجاج درجة التحرك المباشر ضد الهيئة العليا للانتخابات على غرار ما فعل أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الهجوم على مبنى الكابيتول.
ويزيد في ترجيح هذه الأخطار أن بولسونارو لم يخف تعاطفه الشديد مع ترامب في العديد من المناسبات وعلى أصعدة سياسية واقتصادية وبيئية، والاستعانة بعدد من مساعديه أمثال ستيف بانون، حتى أنه لُقب بـ«ترامب المناطق المدارية». كما أن الرئيس الأمريكي السابق لم يتردد في دعم بولسونارو والدعوة علانية إلى إعادة انتخابه، معتبراً إياه «أحد أعظم الرؤساء في العالم». جانب آخر يثير المخاوف في مستقبل تعامل بولسونارو مع نتائج الانتخابات هو حماسه للنظام الدكتاتوري الذي اندثر في البرازيل منذ عام 1985.
هنالك في المقابل سلسلة مظاهر تسير في صالح الديمقراطية البرازيلية التي تظل فتية وهشة، بينها عودة لولا إلى استرداد مكانته في الأوساط الشعبية، ودخوله مجدداً حلبة المنافسة على الرئاسة بعد أن حسمت المحكمة العليا ملفّه القضائي لصالح الإفراج عنه وإسقاط التهم التي قادته إلى البقاء في السجن 18 شهراً، والتهديد الجدي الذي يمثله اليوم أمام بولسونارو حيث تبدو حظوظه عالية في الفوز بولاية ثالثة بعد رئاستين سابقتين بين 2003 و2010.
وبالإضافة إلى مكانة البرازيل بوصفها البلد الأكبر على صعيد أمريكا اللاتينية، والمخاطر العديدة التي تقترن باحتمال بقاء بولسونارو في السلطة على أصعدة محلية وقارّية، فإن نجاح اليسار في العودة إلى الرئاسة وربما تحقيق أغلبية في انتخابات مجلس النواب وتجديد ثلثي مجلس الشيوخ والمجالس المحلية وحكام الولايات، يمكن أن ينطوي على نتائج إيجابية ذات صفة عالمية وعابرة للقارات. فمن المعروف أن سياسة بولسونارو بخصوص تدمير الغابات المطيرة في حوض الأمازون وصلت إلى ذروة غير مسبوقة تجاوزت 17٪ وأخذت تهدد بتغيير مناخي كارثي بالنظر إلى كميات ثاني أوكسيد الكربون الضخمة التي تمتصها تلك الغابات، التي يقع 60٪ من نطاقها العالمي في البرازيل.
وفارق الدورة الأولى الضئيل بين لولا وبولسونارو يعني أن 165 مليون ناخب برازيلي سوف يتوجهون مجدداً إلى صناديق الاقتراع ضمن انقسام واضح وعريض، الأمر الذي يشدد أيضاً على ما يكتنف الانتخابات من رهانات عابرة للقارات.