كشفت وكالة “أسوشيتد برس” وشبكة “فرونتلاين” في تحقيق، أن سفينة “لاوديسيا”، التي رست في لبنان خلال الصيف الماضي، وذكر دبلوماسيون أوكرانيون بأنها كانت تحمل حبوباً سرقتها روسيا، وسفناً أخرى تعود ملكيتها للنظام السوري، هي جزء من عملية تهريب معقدة أدارتها روسيا واستخدمت معها بيانات وحمولات مزورة لسرقة كميات من الحبوب الأوكرانية، تعادل قيمتها 530 مليون دولار أميركي، ساعدت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دعم ورفد آلة الحرب لديه.
واستعانت “أسوشيتد برس” بصور الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الإرسال اللاسلكية البحرية في تعقب أكثر من ثلاثين سفينة قامت بأكثر من 50 رحلة بحرية وهي تحمل حبوباً من المناطق الأوكرانية المحتلة من قبل روسيا إلى موانئ في تركيا وسوريا ولبنان وغيرها من الدول.
شراكة روسية-سورية
وقال التحقيق إن رجال أعمال أثرياء وشركات تمتلكها الدولة في روسيا وسوريا يقومون بتنفيذ عملية السرقة المستمرة هذه، والتي يعتبرها خبراء في مجال القانون بأنها جريمة حرب، وبعض من رجال الأعمال والشركات التي تنفذ تلك العمليات خاضع لعقوبات مالية فرضتها عليهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويرجح بأن سفينة “لاوديسيا”، البالغ طولها 138 متراً والتي حملت الحبوب والطحين، قد بدأت رحلتها من مدينة ميليتوبول الواقعة جنوبي أوكرانيا، بعدما سيطرت عليها روسيا خلال الأيام الأولى للحرب.
ويُظهر مقطعٌ مصور نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قطاراً وقد توقف عند مقر كبير لتخزين الحبوب في تلك المدينة، يعرف باسم “Melitopol Elevator”، ورافقته سيارات خضراء صغيرة كتب عليها بأحرف صفراء كبيرة اسم شركة “Agro-Fregat” محدودة المسؤولية وهي شركة روسية.
ثم عقد المسؤول الروسي في المدينة آندري سيغوتا مؤتمراً صحافياً عند ذلك المستودع خلال الأسبوع الذي تلا ذلك، ذكر فيه بأن الحبوب “تؤمن الأمن الغذائي” للمناطق الأوكرانية الخاضعة للسيطرة الروسية، وبأن إدارته “ستقدر كميات الحصاد، وستحدد سعرها عند البيع”.
وفي أثناء حديثه، وقف مسلح مقنع يحمل بندقية لحراسة شاحنات أخذت تفرغ حمولتها من القمح الذي سيتم طحنه في ذلك المقر، كما قام عمال بإفراغ حمولة الطحين في أكياس بيضاء كبيرة مثل تلك التي أنزلتها سفينة “لاوديسيا” في لبنان بعد ثلاثة أسابيع.
ميناء غير صالح
كما أظهرت صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 11 تموز/يوليو، سفينة “لاوديسيا” أمام رصيف ميناء فيودوزيا، أن جهاز نقل الإشارات اللاسلكية فيها قد أوقف عن العمل، كما كان القسم المخصص للشحن فيها مفتوحاً، حتى يتم ملؤه بمادة بيضاء نقلتها شاحنات كانت تنتظر هناك. وبعد مرور أسبوعين على ذلك، وعند وصولها إلى ميناء طرابلس اللبناني، زعم المسؤولون بأنها كانت تحمل حبوباً من ميناء روسي صغير يقع على الجانب الآخر من البحر الأسود.
إلا أن نسخة من بيانات السفينة حصلت عليها “أسوشيتد برس” تذكر بأن ميناء الشحن الأصلي هو كافكاز، في روسيا، أما كمية الشحنة التي وردت في البيان فتعادل تقريباً 10 آلاف طن متري من الشعير والطحين الروسي المعبأ بأكياس، واسم شركة الشحن “Agro-Fregat ” والمشتري كان شركة “Loyal Agro”، وهي شركة بقالة تشتري بالجملة ومقرها تركيا.
ولم ترد شركة “Agro-Fregat” على الأسئلة التي أرسلت إليها عبر البريد الإلكتروني، وبعد فترة قصيرة من إجراء “أسوشيتد برس” للتحقيق، تمت إزالة الموقع الإلكتروني لتلك الشركة، كما بقي رقم الهاتف الذي أدرج في ذلك الموقع خارج الخدمة حتى الأسبوع الماضي.
ولم تحمل السفينة “لاوديسيا” شحنتها من كافكاز، أي من ذلك الميناء الروسي الذي ورد ذكره في البيان، كما أن بدن السفينة الذي يصل عمقه إلى ثمانية أمتار تحت سطح البحر، لا بد أن يجنح ضمن المياه الضحلة نسبياً في ذلك الميناء الذي يستوعب سفناً يصل أقصى عمق لها إلى 5.3 أمتار، بحسب جهاز تنظيم النقل الروسي، إلا أن ميناء فيودوزيا أعمق بمرتين، ما يعني إمكانية استيعابه بسهولة لأي سفينة كبيرة.
وتعتبر سفينة “لاوديسيا” واحدة من بين ثلاث سفن شحن ضخمة تعمل لدى شركة “سيريامار” للشحن، التابعة لحكومة النظام السوري وتخضع للعقوبات الأميركية منذ العام 2015 لارتباطها بنظام بشار الأسد. وتعقبت “أسوشيتد برس” عشر رحلات قامت بها تلك السفينة وشقيقتيها وهما “سوريا” و”فينيقيا”، من سواحل أوكرانيا إلى موانئ تركيا وسوريا ولبنان.
17 رحلة
وتثبت التحقيقات أن شركة “United Shipbuilding Corp” متورطة بعمليات تهريب الحبوب، وهي شركة تعهدات دفاعية تابعة للدولة الروسية تقوم ببناء السفن الحربية والغواصات لصالح البحرية الروسية. إذ في نيسان/أبريل، فرضت على تلك الشركة وعلى مديريها التنفيذيين عقوبات من قبل الولايات المتحدة وذلك لقيامها بتزويد السلاح للمجهود الحربي الروسي.
وتثبت التحقيقات أن شركة “United Shipbuilding Corp” متورطة بعمليات تهريب الحبوب، وهي شركة تعهدات دفاعية تابعة للدولة الروسية تقوم ببناء السفن الحربية والغواصات لصالح البحرية الروسية. إذ في نيسان/أبريل، فرضت على تلك الشركة وعلى مديريها التنفيذيين عقوبات من قبل الولايات المتحدة وذلك لقيامها بتزويد السلاح للمجهود الحربي الروسي.
وقامت تلك الشركة، من خلال شركة “Crane Marine Contractor” الفرعية التابعة لها، بشراء ثلاث سفن شحن قبل أسابيع من غزو بوتين لأوكرانيا، لتبتعد بذلك عن مجال وجوهر عملها المتمثل بتقديم منصات رفع ثقيلة لصناعة النفط والغاز، في حين قامت السفن السورية الثلاث بما لا يقل عن 17 رحلة بين القرم وموانئ موجودة في تركيا وسوريا.
ويكشف التحقيق عن سفينة طولها 170 متراً واسمها “ميخائيل نيناشيف” تم تحميلها بشحنة من محطة آفليتا للحبوب، التي تسيطر عليها روسيا في سيفاستوبول بالقرم، وتم إيقاف جهاز الإرسال اللاسلكي فيها في أواسط حزيران/يونيو، ثم قام طاقمها بإعادة تشغيل إشارتها بعد يومين عندما كانت في طريقها إلى وجهتها وسط البحر الأسود.
دور تركيا
وانحرفت السفينة جنوباً نحو البحر المتوسط لتصل في 25 حزيران إلى دورتيول بتركيا، حيث ظهرت في مقطع مصور بعد مرور يومين على ذلك عند رصيف الميناء وكان بالإمكان مشاهدة الرافعات الموجودة على الرصيف وهي تحمل كميات كبيرة من الحبوب وترميها في الشاحنات التي كانت تنتظر لتنقلها إلى مكان آخر.
وفي رسالة إلكترونية، ذكرت الشركة أن الحبوب قدمت من روسيا، موضحة أن المكان الذي ذكروا بأن الشحنة تم تحميلها منه هو ميناء كافكاز، وذلك بحسب تصريح الجمارك والتصريح الخطي الذي قدمته وكالة الشحن للشركة، وكما هي حال سفينة “لاوديسيا”، فإن سفينة “نيناشيف” أعمق من أن ترسو بميناء كافكاز.
وساهمت تركيا في التوسط لعقد اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا في تموز، تسمح لكلا البلدين بتصدير الحبوب والأسمدة عبر ممرات آمنة في البحر الأسود، بيد أن تلك الصفقة لم تتطرق إلى الحبوب التي استولت عليها روسيا في المناطق التي احتلها، إذ خلال الشهرين الماضيين، ذكر مسؤولون أوكرانيون بأن أكثر من 150 سفينة محملة بالحبوب غادرت من موانئ ما تزال تحت سيطرتهم.
ولكن هنالك مؤشرات حول احتمال تلقي الحكومة التركية نفسها لحبوب متنازع عليها وذلك من قبل أوكرانيا، حيث تعقبت “أسوشيتد برس” و”فرونتلاين” الرحلات التي قامت بها سفن التهريب “ميخائيل نيناشيف” و”لاوديسيا” من القرم إلى تركيا، والتي رست بالقرب من صوامع حبوب قريبة من السواحل يديرها مجلس الحبوب التركي، وهي هيئة تابعة للحكومة تقوم بتصدير واستيراد الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى.
“المدن”