كانت الانتخابات النصفية الأمريكية التي جرت يوم الثلاثاء الماضي موضع مراقبة من قبل الأوكرانيين وحلفاء واشنطن وذلك وسط مخاوف من أن يؤدي أي تغيير على مستوى الأغلبية في الكونغرس لصالح الجمهوريين إلى تأثير محتمل على الدعم العسكري والمالي الأمريكي، بل وحتى الغربي بشكل عام، لكييف. فحتى لو اختلفت الآراء داخل الحزب الجمهوري حول القضايا الدولية، فإن تأكد الانتصار المعلن للجمهوريين في مجلس النواب، قد يُقوض السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، لا سيما فيما يتعلق بهذه المساعدات المالية المرسلة إلى أوكرانيا، والتي تُمثل لوحدها ثلثي المساعدات العسكرية العالمية لأوكرانيا.
في مواجهة نصر جمهوري لم يعد موضع شك، يشعر الأوكرانيون، ولكن أيضًا حلفاء الولايات المتحدة، بالقلق من هذا التغيير المحتمل في السياسة الأمريكية الذي قد يهدد نجاح الهجوم الأوكراني المُضاد ضد القوات الروسية، والذي نجح في قلب المعادلة الميدانية العسكرية في الأسابيع الأخيرة. وتمثلت أحدث، حلقات هذا المُسلسل، في إعلان الجانب الروسي الانسحاب من خيرسون بجنوب أوكرانيا، وذلك لإعادة التموضع في «موقع معدّ لها على الضفة اليسرى لنهر دنيبرو، بما يتوافق بشكل صارم مع الخطة المقررة». لكن الجانب الأوكراني، الذي أكد أن قواته استعادت حوالي عشر قرى في هذه المنطقة الاستراتيجية المطلة على البحر الأسود، شكك في الرواية الروسية، التي في حال تأكدها، ستشكل انتكاسة كبيرة لموسكو في المنطقة التي ضمتها إلى أراضيها.
ويحذر العديد من المراقبين من أن أي منعطف في السياسية الأمريكية تجاه كييف، لاسيما فيما يتعلق بالمساعدات، يمكن أن يكون له تأثير كارثي، لأن انخفاض المساعدات الأمريكية بشكل كبير، من شأنه أن يشكل عذراً بالنسبة للعديد من الدول الغربية الأخرى لتقليل مساهمتها الموجهة إلى كييف. في أوروبا، تعتبر كل من ألمانيا، وإيطاليا بقيادة جيورجيا ميلوني، التي كانت حذرة بسبب اعتمادها في مجال الطاقة على روسيا، الحلقتين الضعيفتين. ووفقًا للرئيس السابق للقوات الأمريكية في أوروبا، فإن العواقب ستتجاوز بعد ذلك إطار عمل أوكرانيا، حيث ستستنتج روسيا أن الولايات المتحدة ليست مستعدة لفعل كل شيء لوقف عدوانها في أوروبا. وقد ترى الصين انطلاقاً من ذلك أن واشنطن تفتقر إلى الإرادة – أو القدرة – لتحمل المصاعب الاقتصادية اللازمة للحفاظ على أمة ديمقراطية في مواجهة ديكتاتور يقتل المدنيين الأبرياء وينتهك القانون الدولي، وفق الجنرال الأمريكي. وإذا كان هناك يقين واحد في هذا الصراع، فهو أن فلاديمير بوتين، في السلطة لمدة اثنين وعشرين عامًا، يعرف كيف يتحلى بالصبر.
انقسام داخل الحزب الجمهوري
الحقيقة أن عشرات الجمهوريين في مجلس النواب كانوا قد صوتوا في شهر أيار/مايو الماضي ضد مشروع قانون المساعدات الأوكرانية، كما صوت غالبية الجمهوريين في مجلس النواب ضد حزمة تمويل حكومية تضمنت مليارات الدولارات مخصصة لأوكرانيا. وذهب زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب، كيفن مكارتي، والرئيس المستقبلي المحتمل لهذه الغرفة اعتباراً من الثالث من كانون الثاني/يناير المُقبل، إلى أبعد عندما حذر في منتصف تشرين الأول/اكتوبر المُنصرم من مغبة أن حزبه لن يوقع «شيكًا على بياض» لأوكرانيا إذا فاز الجمهوريون في الانتخابات النصفية، مع ركود محتمل يلوح في الأفق. وذهبت مارجوري تايلور غرين، النائبة البرلمانية عن الحزب الجمهوري الموالية لترامب، في هذا الاتجاه أيضًا، متهمةً الرئيس الديمقراطي جو بايدن بإرسال «دولارات حصل عليها دافعو الضرائب الأمريكيون من عرق جباههم لمساعدة دولة أجنبية في شن حرب ليس لديه فرصة للفوز بها».
على العكس من ذلك، أعاد منتخبون آخرون من الحزب الجمهوري التأكيد على دعمهم الثابت لتمويل أوكرانيا من قبل إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن. فقد أصدر ميتش مكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بيانًا يعد فيه بأن غالبية الجمهوريين في المجلس، ستستمر في مساعدة كييف في حربها ضد موسكو، فيما يُعد حلقة من أعراض الخلافات داخل الحزب الجمهوري بشأن السياسة الخارجية لواشنطن، بين المدافعين عن «أمريكا أولاً» المؤيدين بقوة للرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، من جهة، والجمهوريين الأكثر تقليدية، وهم أولئك المقاومون لروسيا والذين يزرعون فكرة أن الدول يجب أن تستمر في لعب دور عالمي. وعليه، يعتقد بعض المراقبين أنه ما يزال هناك عدد كافٍ من الديمقراطيين والجمهوريين المؤيدين لأوكرانيا في الكونغرس بعد منتصف المدة لدعم جهد يكلف في النهاية أقل بكثير – ماليًا وسياسيًا – من حرب نشطة مع انتشار القوات الأمريكية على الأرض. كما يرى البعض من الباحثين المختصين في الشؤون الأمريكية، على غرار جيريمي جيز، أستاذ الاقتصاد في HEC بفرنسا، أنه إذا تحول مجلس النواب إلى اللون الأحمر بأغلبية الجمهوريين، فلن يكون هناك بالضرورة تغيير ملحوظ في السياسة الخارجية الأمريكية، مضيفاً أن رسالة كيفن مكارتي هي رسالة سياسية واضحة للغاية، موجهة للاستخدام الداخلي، وهي أيضا جزءٌ من سياسة تشيد بهذه الطبقة الوسطى التي دفعت ثمناً باهظاً في العراق وأفغانستان، وفق الباحث الفرنسي، في مقابلة له مع إذاعة فرنسا الدولية. والمؤكد وفق المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية في تحليل له بتاريخ الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن عمليات التصويت على التمويل المستقبلي لكييف، ستتحول بشكل منهجي إلى معارك سياسية حقيقية في الكونغرس.
دعم شعبي
علاوة على التجاذبات داخل الكونغرس، فإن دعم أوكرانيا ما يزال محلَ إجماع تقريباً بين المواطنين الأمريكيين. وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة إيبسوس بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فإن ثلاثة من كل أربعة أمريكيين، أي حوالي 75 في المئة، يعتقدون أنه يجب على الولايات المتحدة الاستمرار في مساعدة أوكرانيا على الرغم من التهديد الروسي. فبالنسبة للكثير من الأمريكيين، فإن فكرة القدرة على إضعاف روسيا أو الصين أو إيران تمثل مصالح استراتيجية، لكنها ليست حيوية. وبالتالي، حتى الآن، هناك تقارب في مصالح الأمريكيين في الدفاع عن أوكرانيا. وسيظل جو بايدن قادرًا على الاعتماد على مظروف كبير يتعين التصويت عليه بحلول نهاية العام، قبل أن يتولى الكونغرس الجديد مهماته في كانون الثاني/يناير المقبل.
وفي خضم ذلك وفي انتظار تولي الكونغرس الجديد لمهامه، واصلت إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، معلنة نهاية هذا الأسبوع عن شحنة جديدة من المساعدات العسكرية، بقيمة إجمالية تناهز 400 مليون دولار، وتشمل الحزمة أربعة أنظمة مضادة للطائرات قصيرة المدى من طراز «أفينجر» وأنظمة متنقلة مثبتة على مدرعات خفيفة وعدد غير محدد من صواريخ «ستينغر». كما تشمل الحزمة الجديدة من المساعدات صواريخ لأنظمة «هوك» من الجيل القديم التي تعهدت إسبانيا تسليمها إلى كييف، فضلا عن قذائف وصواريخ لأنظمة المدفعية الدقيقة «هيمارس» وذخائر متنوعة. وبذلك، ارتفعت قيمة إجمالي المساعدات التي قدمتها واشنطن لكييف، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثمانية أشهر، إلى أكثر من 18.6 مليار دولار، من أصل 27 مليار دولار، وعدت بها، بالإضافة إلى نفس القدر من المساعدات الاقتصادية والإنسانية، منذ بداية الهجوم الروسي في 24 شباط/فبراير.
“القدس العربي”