من الصعب فهم ما تفعله إدارة بايدن في شمال سوريا حيث تعرض حلفاؤها، الأكراد السوريون، للقصف العنيف من قبل القوات التركية، وقد أصر الرئيس رجب طيب أردوغان على أنه يعتزم أيضا شن عملية برية ضد حلفاء أمريكا في المنطقة.
وعلى الرغم من أن تركيا كانت لبعض تمارس القصف والاغتيال لأعضاء قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، إلا أن هذا الهجوم الحالي مختلف، حيث صمم لتوجيه ضربة قاضية للأكراد. وما هو معروف هو أن الهجمات التركية تجري على بعد بضع مئات من الأمتار من مكان تواجد القوات الأمريكية والمسؤولين الآخرين مع الأكراد السوريين.
ولفهم الوضع، نحتاج إلى العودة إلى عام 2014 عندما اجتاح داعش شمال سوريا وشمال العراق وهزمت مجموعة متعددة من القوات، بما في ذلك قوات الجيش العراقي والمنطقة الكردية العراقية المتمتعة بالحكم الذاتي. وطلب الرئيس باراك أوباما من أردوغان المساعدة في الدفاع عن بلدة كوباني الكردية السورية التي تواجه خطر اجتياح داعش، لكن رفض أردوغان ببساطة، مفضلا انتصار داعش على الوجود الكردي في شمال سوريا.
وبدوره، لجأ أوباما إلى قوات سوريا الديمقراطية والتشكيلات الكردية الأخرى لمحاربة داعش، تم إرسال القوات والعتاد الأمريكي، ونجح التحالف الأمريكي الكردي في دحر داعش. واستمر الكفاح ضد التنظيم حيث تم القبض على عشرات الآلاف من المسلحين وعائلاتهم وما زالوا محتجزين في سجن ضخم يدعى الهول. لقد صمد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وإن كان في حالة متهاوية الآن ساعيا للعودة. وبالتالي، بقيت القوات الأمريكية حتى يومنا هذا لمساعدة الأكراد على إبقاء المنطقة تحت السيطرة.
وكانت تلك المخرجات غير مقبولة لأردوغان الذي بذل قصارى جهده لتقويض الجهود الأمريكية هناك، واعتبرت تركيا التحالف المزدهر بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية على أنه تهديد استراتيجي. وهي تخشى أن يتوج ذلك في سوريا فيما بعد الحرب الأهلية بحصول الأكراد على شكل من أشكال الحكم الذاتي. لقد حقق الأكراد بالفعل حكما ذاتيا واعترافا دوليا في شكل حكومة إقليم كردستان، وهي عنصر مستقل في العراق الفيدرالي، وجاء ذلك بسبب جهود الولايات المتحدة في التسعينات لحماية السكان الأكراد في العراق من هجمات صدام حسين القاتلة، ويشعر الأتراك بالخوف من أن ترتيبا مماثلا في سوريا من شأنه أن يشجع الأقلية الكردية غير الراضية على الثورة من أجل الحصول على الاستقلال.
وبرر أردوغان هجماته على سوريا بقولة أن قوات سوريا الديمقراطية هي منظمة إرهابية لأنها فرع من حزب العمال الكردستاني التركي، وهو منظمة تعتبرها تركيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية. وقوات سوريا الديمقراطية قريبة أيديولوجيا من حزب العمال الكردستاني لكنها لم تشارك أبدا في أنشطة إرهابية ضد تركيا وركزت على الحفاظ على مكانتها في شمال سوريا، كما ادعى أردوغان أن قوات سوريا الديمقراطية هي التي نفذت هجوما بالقنابل مؤخرا في اسطنبول والذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص.
وتلك التهم لا معنى لها، فلماذا تنخرط قوات سوريا الديمقراطية في مثل ذلك العمل القذر الذي لا يحقق شيئا على الإطلاق، والأسوأ من ذلك، تخاطر بضياع تحالفها القائم مع الولايات المتحدة؟ وفي غضون ساعة من الحدث، لم تكتف تركيا بتلفيق قصة تلقي باللوم على قوات سوريا الديمقراطية، بل ادعت أنها عثرت على الجناة، وذهب وزير الداخلية التركي سليمان صويلو إلى أبعد من ذلك واتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراء التفجير.
وفي حين أنه من غير الواضح من نفذ الهجوم، إلا أن أردوغان يستخدمه لحساباته الانتخابية الخاصة، فيجب على تركيا إجراء انتخابات بحلول شهر مايو 2023، ومع ضعف الاقتصاد، والتضخم الواقف عند 85 في المائة والشعور العام بالضجر من حكم أردوغان المستمر منذ 20 عاما، فإن التدخل في سوريا هو وسيلة لوضع المعارضة غير المتماسكة في موقف دفاعي وتغيير السرد المحلي.
وكانت الولايات المتحدة صامتة في الغالب، باستثناء إصدار بعض التصريحات الهادئة، وكان لدى البيت الأبيض القدرة على منع ذلك من خلال مواجهة أردوغان. وسعت سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا وخاصة أردوغان إلى استرضاء زعيم استبدادي بدلا من الوقوف في وجهه بصرامة وذلك مع استثناءات نادرة، وكان العذر دائما هو أن تركيا كعضو في الناتو مهمة للغاية وأن الولايات المتحدة لديها الكثير من المصالح الأخرى هناك.
وأخيرا، وبعد أن سمحت الإدارة باستمرار الغارات الجوية لعدة أيام، طلبت الإدارة من وزير الدفاع لويد أوستن الاتصال بنظيره التركي لإقناعهم بعدم القيام بالعملية البرية، ثم قامت القوات الأمريكية بدوريات مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية لإرسال رسالة للجانب التركي، وقد وصل الرد الخافت في وقت متأخر ولن يُثني أردوغان من القيام بعملية برية في المستقبل.
ويعد النهج الأمريكي سياسة مفلسة على صعيدين. أولا، لم تنجح سياسة الاسترضاء لأنها سمحت لأردوغان بالتنمر على الولايات المتحدة، إن الخطاب اليومي من مصادر الحكومة التركية معاد بشدة لأمريكا، والتزمت واشنطن الصمت إزاء الانتهاكات العلنية المستمرة التي تتلقاها. وهاجم أردوغان شخصيا أحد كبار مساعدي بايدن في العام الماضي، متهما بريت ماكغورك بدعم الإرهاب. وأظهر استطلاع للرأي أجري عام 2020 أن 70 في المائة من المستجيبين وصفوا الولايات المتحدة بأنها أكبر تهديد منفرد لتركيا، ولا تلوم واشنطن إلا نفسها على ذلك لأنها لم تطور أبدا رواية معاكسة خاصة بها.
ثانيا، تعرف الولايات المتحدة على وجه اليقين أن القوات سوريا الديمقراطية لا علاقة لها بتفجير اسطنبول. إن السماح لحلفاء أمريكا الذين سفكوا دمائهم في محاربة المتطرفين، بالتعرض للهجوم العشوائي هو خطأ أخلاقي. ولولا قوات سوريا الديمقراطية، لربما كانت قوات داعش لا تزال تسرح تمرح. وعلاوة على ذلك، تماما مثل الروس في أوكرانيا، يستهدف الأتراك البنية الأساسية الأساسية، التي تم بناء بعضها بأموال دافعي الضرائب الأميركيين.
يجب على واشنطن توخي الحذر حول الرسائل التي ترسلها إلى الحلفاء والأعداء في المنطقة وخارجها بشأن مصداقيتها وخاصة بعد كارثة أفغانستان. إن الصورة التي تعكسها هذه الأزمة هي صورة الأفراد العسكريين والمدنيين والذي يعمون مع قوة عظمى (أمريكا) وهم في حالة خوف وذعر ويبحثون عن مأوى من قصف حليفتها تركيا.