حرّكت عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت، من زيارة خاصة الى المملكة العربية السعودية، الملف الحكومي من جديد، وهو أطلق مجموعة من المواقف تشكل ملامح تعاطيه مع هذه المسألة بعد المراوحة التي طبعت المرحلة الأخيرة.
الرئيس الحريري وفي أول إفطار رمضاني في قريطم لهذا العام، أكد حرصه على إنجاز عملية التأليف "بأسرع وقت ممكن، ولكن بحسب الدستور الذي ينص على أن الرئيس المكلف هو الذي يشكل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية" وهذا الأمر لا يشكل انتقاصاً من أحد"، مذكراً بأن "هذا حق دستوري للرئيس المكلف". لافتاً الى أن "لكل طرف الحق طرح ما يريد من مطالب، لكن الرئيس المكلف هو من يشكل الحكومة"، مؤكداً أنه "آتٍ للتشاور مع الجميع، كما أن رئيس الجمهورية يتشاور مع الجميع، ولسنا مقصّرين في التشاور مع أحد".
وأكد الرئيس الحريري سعيه "لتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهض بالبلد وتعمل على تحقيق مصالح اللبنانيين وتنفيذ الوعود التي قطعت لهم". وشدد على أن "الحكومة لا يجوز إلا أن تكون في خدمة المواطن"، مضيفاً "نريد تكريس الوحدة الوطنية والعيش المشترك". موضحاً أن هذين المكونين "معانيهما كبيرة، فعندما يكون لبنان مهدداً ويواجه تحديات نحن بحاجة الى الوحدة الوطنية، وعندما نكون مختلفين نحن بحاجة الى العيش المشترك، فالتحديات لا تواجه إلا بالوحدة الوطنية(..) وهذا الأمر يشكّل ضمانة كبيرة تمنع أياً من السياسيين من التلطي وراء طائفته أو مذهبه".
كما أكد التزامه ما سبق أن أعلن عنه مطلع شهر رمضان، معرباً عن أمله في "حوار هادئ بين كل الأطراف"، وقال "نريد لبنان الذي يجد فيه كل لبناني الأمل بالمستقبل له ولأولاده، الأمل بالتعليم والطبابة والرعاية والخدمات"، موضحاً أن سفره بداية شهر رمضان إنما كان بهدف "أن يكون مع العائلة في أول يومين من شهر رمضان، الذي هو شهر العائلة أيضاً(..)".
سليمان
وإذ يتوقع أن تستأنف حركة الاتصالات التي يجريها الرئيس الحريري بموازاة جهود رئيس الجمهورية ميشال سليمان لتذليل العقبات أمام إنجاز تأليف الحكومة، نقل زوار الرئيس سليمان عنه خشيته من استمرار المراوحة في الوضع الحكومي ما يسهل معه العبث بالاستقرار الأمني والسياسي بعدما تمكّن منذ وصوله الى سدة الرئاسة من تحقيق الكثير على صعيد هذا الاستقرار، الأمر الذي لمسه الجميع وانعكس انفراجاً على كل الصعد، ودعا الجميع الى أن تتم مواكبة هذا الاستقرار بخطوات سياسية تدعمه، بحسب ما ذكرت "وكالة الأنباء المركزية".
"التقدمي"
في غضون ذلك، دعا "الحزب التقدمي الاشتراكي" أمس "كل القوى السياسية لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف وفق الصيغة السياسية التي كان تم الاتفاق عليها وهي صيغة 15-10-5"، واعتبر أن هذه الصيغة "تؤمّن صحة التمثيل السياسي وتعكس إرادة الناخبين التي تم التعبير عنها في الانتخابات النيابية الأخيرة"، مشدداً على أن ذلك "خطوة بات تتصاعد مؤشراته يوماً بعد يوم"، متسائلاً "ألا يستحق التهديد الإسرائيلي والدين العام وملفات المعيشة تعجيل التأليف؟(..)".
الصحافة السورية
وسط هذه الصورة، وإذ بقيت مواقف فريق 8 آذار على حالها من توزيع الأدوار في العرقلة، برز الدخول السوري على خط الأزمة الحكومية لليوم الثاني. وبعد حملة صحيفة "البعث" على الرئيس المكلف والبطريرك الماروني نصرالله صفير، رأت صحيفة "الوطن" السورية أمس أن "استمرار الأزمة الحكومية وتفاقمها سيحوّلها إلى أزمة حكم ونظام، وستؤثر سلباً على الاستقرار السياسي والأمني"، وأضافت أن "الخروج من الأزمة لن يكون ممكناً إلا بطرق وحلول غير عادية تتراوح بين "دوحة 2" أي تسوية سياسية، أو "طائف 2" أي تعديلات دستورية"، معتبرة أن "الرئيس المكلف يظل المرجع المعني أكثر من غيره بالأزمة الحكومية وطريقة الخروج منها"، مشيرة الى أنه "يواجه مهمة صعبة ودقيقة في ظل أوضاع ومعادلات داخلية وإقليمية تضيّق هامش المناورة والمبادرة أمامه وتضعه أمام خيارات محددة".
ورأت "الوطن" أن "الخيارات المحددة المتاحة أمام الحريري، هي إما تأليف الحكومة على أساس صيغة "15-10 5 أو التحول إلى حكومة غير سياسية (تسمى تكنوقراطاً) نتيجة الوضع الذي تجاوز عملياً صيغة الـ1510 5، ولغة الأرقام وخلط الأوراق"، أو استمرار حكومة تصريف الأعمال، ما دام استمرت الأزمة الحالية التي لا يحكمها سقف زمني ولم يطرأ ما يردّ الاعتبار إلى فريق الأكثرية، وما يؤدي إلى تعويم صيغة الـ "1510 5" واستعادتها لمضمونها الفعلي، أو الاعتذار عن التأليف وانسحاب الحريري من اللعبة التي اختلّت قواعدها وتوازناتها(..)".
توازياً، نقلت الصحيفة عن مصادر في "التيار الوطني الحر"، أن تمسك العماد ميشال عون بوزارة الاتصالات يعود الى ثلاثة أسباب هي "شعور التيار بأن وزارة الاتصالات هي الوزارة الأولى بعد الوزارات السيادية من حيث الأهمية، وتمسك التيار باستمرارية تجربة جبران باسيل الذي يرى أن المكان الأنسب بالنسبة اليه هو وزارة الاتصالات، وإيمان المعارضة، وخصوصاً حزب الله، بأن ثمة حاجة كبيرة الى إبقاء هذه الوزارة في قبضة المعارضة لأسباب وحاجات أمنية، بعدما تبين للحزب أن إسرائيل لا تفوّت فرصة للتنصت على الحزب والتجسس عليه، والخشية، بحسب هؤلاء، من أن تكون وزارة الاتصالات ممراً لشبكات التجسس".
8 آذار
في المقابل، اعتبر رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون أن "الأكثرية المتآكلة ما زالت تتابع معركتها معنا، ولم تكن الانتخابات النيابية سوى مشهد من مشاهد مسرحية التآمر الكبرى على التيار الوطني الحرّ بما تخلّلها من وسائل غير مشروعة وأموال سياسية مسروقة من خزينة الدولة أو هبة من دولة شقيقة أنعم الله عليها ببترودولار وفير"، ورأى أن "مشكلة التوطين هي البعد الخارجي لأزمة تأليف الحكومة، وليست "فزّاعة" كما ادّعى البعض". وأضاف "هذه المشكلة لم تغب يوماً عن ذهننا ولكنها اليوم انتقلت من موضوع مؤجل وأصبحت في محور محادثات القوى الدولية ودخلت حيّز التنفيذ النهائي، وستحاول هذه القوى فرضها بأقنعة مختلفة(..)".
توازياً، اعتبر عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب حسن فضل الله أن "السجالات والإثارات المفتعلة للعقد وللمشكلات في موضوع تشكيل الحكومة لا تعبّر عن الواقع الحقيقي"، ولفت الى أن "البلد لا يمكن أن ينتظر طويلاً بلا حكومة ولا بد من خطوات جريئة وفعّالة، ومن القيام بمبادرات من قبل الجهات التي تشكل الحكومة من أجل تقديم اقتراحات عملية تؤدي الى حلحلة العقد(..)".
"المستقبل"