بمثل كلام التهدئة الذي أطلقه في أول أيام شهر رمضان عشية سفره الى المملكة العربية السعودية، جاء كلام رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بعد عودته مساء امس الى بيروت استكمالاً للدعوة الى "الحوار الهادئ"، مقترناً بتشديد واضح على الاطار الدستوري لصلاحياته ورئيس الجمهورية في تأليف الحكومة في مواجهة مطالب الأطراف السياسيين.
وإذ عدّ موقف الحريري توطئة لجولة جديدة من المشاورات أملاً في كسر حلقة الجمود والمراوحة التي تتحكم بعملية تأليف الحكومة، تلقى الحريري قبيل عودته إسناداً قوياً من رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط في موقف بدا بمثابة ردّ واضح على شروط رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون. وصدر هذا الموقف في بيان للحزب التقدمي الاشتراكي دعا كل القوى السياسية الى تسهيل مهمة رئيس الوزراء المكلف وفق صيغة 15 – 10 – 5 "التي تؤمّن صحة التمثيل السياسي وتعكس ارادة الناخبين"، معتبراً "انها خطوة بات من الضروري القيام بها فوق الحساسيات والتفاصيل وحسابات الأصهر والأقارب لمواجهة أي عدوان اسرائيلي محتمل باتت تتصاعد مؤشراته يوماً بعد يوم".
وأدرج نواب في قوى الغالبية موقف الحزب الاشتراكي في إطار رغبة واضحة لدى رئيسه في وضع حد للتوظيف المتمادي لمواقفه بعد 2 آب في عملية زيادة تعقيدات تأليف الحكومة والتشبث بمطالب شبه تعجيزية بما من شأنه ان يدفع الموظّفين لهذا الموقف الى مراجعة حساباتهم، أو على الأقل لمنع التذرع بمواقف جنبلاط على سبيل التورية او لتغطية دوافع أخرى. ولم يستبعد هؤلاء ان تكون لبيان الحزب الاشتراكي انعكاسات مباشرة على صعيد استبعاد حصول لقاء جرى الكلام عليه طويلاً بين عون وجنبلاط، الا في حال اختراق حال الجمود والتعجيز التي تواجهها عملية تأليف الحكومة.
في أي حال، حرص الحريري فور عودته على الشروع في استقبال المدعوين الى افطارات رمضان في قريطم. وقال في كلمة: "نحن حرصاء على تشكيل الحكومة في أسرع وقت، وأملي ان يتم ذلك من خلال الحوار الهادئ بين كل الأطراف السياسيين". غير انه لفت الى انه "بحسب الدستور فان الرئيس المكلف هو الذي يتولى تشكيل الحكومة بالتعاون مع رئيس الجمهورية وهذا الأمر لا يشكل انتقاصاً من أحد بل هو حق دستوري". واذ كرر انه يحق لكل فريق ان يتخذ الموقف الذي يريده وان يطرح ما يريده"، أضاف: "لكن تشكيل الحكومة منوط بالرئيس المكلّف بالتعاون مع فخامة الرئيس". واكد "ان ما يجمعنا هو اكثر بكثير مما يفرق بيننا ونحن لسنا مقصرين بالتشاور مع احد ونسعى الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تنهض بالبلد لننفذ الوعود التي قطعناها للمواطنين خلال الانتخابات ونؤمن حاجات الناس الضرورية ولاسيما تثبيت الامن والاستقرار وتوفير سبل العيش الكريم".
في غضون ذلك، صرّح رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد لـ"النهار": "اننا لا نرى معطّلاً داخلياً يستحق الذكر من شأنه ان يؤخّر تشكيل الحكومة ولذا بدأنا نشعر بالقلق ازاء التأخير". وسأل: "هل ثمة امور خارجية تضغط بثقلها على الرئيس المكلف وتدعوه الى التريث؟".
ولاحظ "ان هناك دولاً اقليمية كبرى يهمها ان تفرض الحكومة التي تريد على شعبنا في لبنان وما دامت هناك عوائق تمنع فرض مثل هذه الحكومة فهذا يعني ان ثمة معضلة ما لدى هذه القوى تدفعها الى الضغط لمنع تشكيل الحكومة التي لا تتناسب ورغباتها". واضاف: "نحن لا نتهم احداً، لكننا نرى ان مسؤولية الرئيس المكلّف هي ان يقدر المصلحة الوطنية العليا (…) لينهي موضوع الحكومة ويعلن ولادتها".
وامتنع رعد عن التعليق على موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير المؤيد لحكومة من الاكثرية قائلاً: "نحن في حال صوم اعلامي عن كل ما يتصل بالبطريرك صفير في هذه المرحلة". واكده "اننا لسنا وسطاء مع الجنرال عون بل حلفاء له". وسأل: "ما هو المستند القانوني او الدستوري لمعيار" عدم توزير راسبين في الانتخابات؟ واعتبر ان هناك "ظروفاً تحكم البلد اهم من الاعراف". (راجع الحديث في محليات سياسية).
قلق اميركي
وسط هذه الاجواء نقل مراسل "النهار" في واشنطن هشام ملحم عن مسؤول اميركي بارز قلق حكومته مما اعتبره محاولات من سوريا واصدقائها في لبنان مثل "حزب الله" والنائب ميشال عون لعرقلة تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، واعتبر ذلك جزءاً من نمط يهدف الى تقويض المؤسسات الديموقراطية اللبنانية. وقال هذا المسؤول في حوار مع "النهار" ان "اصدقاء سوريا في لبنان لا يريدون ان يقبلوا بنتائج الديموقراطية التي يدّعون انهم يثنون عليها". واذ اشار الى ان الرئيس الاميركي باراك اوباما يريد تحسين العلاقات وتطبيعها مع سوريا، اضاف: "السوريون يخطئون اذا اعتقدوا ان علاقاتهم معنا لن تتأثر بسبب ما يفعلونه في لبنان… الرئيس اوباما يريد تحسين العلاقات مع سوريا، لكن ذلك سيكون مستحيلاً، اذا استمرت سوريا واصدقاؤها في لبنان في تعطيل المؤسسات الديموقراطية".
وبدأ المسؤول البارز حديثه بتأكيد التزام الرئيس اوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون دعم سيادة لبنان واستقلاله ومؤسساته الديموقراطية، وتصميم حكومته على مواصلة دعمها للبنان ومساعداتها له، اكان لقواته المسلحة ام اقتصادياً وسياسياً. وتحدث عن تأييد عميق للبنان في الاوساط السياسية في اميركا من الكونغرس ومن الحزبين الديموقراطي والجمهوري الى البيت الابيض، وقال ان "علاقاتنا بلبنان محورية في الشرق الاوسط". وذكر ان واشنطن تأمل مستقبلاً في المساهمة في التوصل الى سلام بين لبنان واسرائيل "في اطار سلام شامل يشمل لبنان"، ويفيده، وان كنا ندرك ان هذه مسألة متروكة للمستقبل".
وشدد على ان حكومته تحترم دستور لبنان وتفهم نظامه وتقاليده السياسية "واميركا لم ولن تتدخل في تأليف الحكومة اللبنانية، فهذه مسألة متروكة للبنانيين، ونحن نؤمن بقوة بهذا المبدأ… ولكن نأمل ان يعتمد الآخرون الموقف ذاته". واشار الى ان حكومته توقعت تأليف حكومة لبنانية بعيد الانتخابات النيابية.
وتطرق الى مخاوف بعض الاوساط اللبنانية من الاتصالات الاميركية – السورية قائلاً: "اعلم ان هناك انطباعاً في بعض الاوساط اللبنانية ان التزام الرئيس اوباما الصادق تحسين العلاقات مع سوريا سيأتي على حساب لبنان… الواقع هو اننا نريد تحسين العلاقات مع دمشق بطريقة تخدم ايضاً مصلحة لبنان". وافاد ان المسؤولين اللبنانيين "يقولون لنا انهم يريدون علاقات ايجابية مع سوريا تكون مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونأمل في ان تؤدي اي علاقة ايجابية بين اميركا وسوريا الى التعجيل في تطور علاقات جيدة بين لبنان وسوريا. ولكن آمل في ان يدرك السوريون ان ثمة حدوداً لتحسّن العلاقات مع اميركا، اذا ظلّت المؤشرات موجودة عن تدخّل سوري في لبنان، والعودة الى ممارسة الاعمال كالمعتاد وكأن الانسحاب العسكري لم يتم وكأن تبادل السفراء لم يحصل".
ولدى سؤاله عن تحديد التدخل السوري واشكاله، اجاب: "كلنا نعلم من هو وئام وهاب. هذا رجل لا يستقبل او ينشط في لبنان لانه زعيم مهم، بل بسبب ارتباطه بسوريا". ولاحظ ان "وئام وهاب في كل مكان، ولكن يبدو ان السفير السوري في لبنان مختف"، مع العلم ان السوريين "قالوا لنا ان مثل هذه الممارسات اصبحت من الماضي". واعتبر ان "هناك تناقضاً بين املنا في تحسين العلاقات مع سوريا، وما يقوم به وئام وهاب، نيابة عن سوريا".
وشرح المسؤول الاميركي البارز تعطيل المؤسسات اللبنانية بشكل منظّم بدأ في تشرين الثاني 2006 عندما تم "تعطيل البرلمان اللبناني، وفي تشرين الثاني 2007 اصبح منصب الرئاسة شاغراً، وابقي شاغراً عن قصد. ولاحقاً تم احياء هاتين المؤسستين بعد اتفاق الدوحة". والآن نرى ان عملية تأليف الحكومة تعطّل، اضافة الى ان البرلمان معطّل عملياً على رغم الانتخابات الاخيرة".
وعن هوية اصدقاء سوريا الذين يتهمهم بالعمل نيابة عنها في لبنان قال: "لا اعلم ما اذا كان الجنرال عون يعمل عن قصد او غير قصد لخدمة مصالح سوريا، لكن مواقفه تؤدي بالتأكيد الى الاضرار بمؤسسات لبنان الديموقراطية" وتساءل: "من يملأ الفراغ؟ افراد مثل وئام وهاب وقوى مثل حزب الله". كما تساءل "عما جرى لميشال عون الذي كان قائداً للجيش اللبناني ورئيساً للوزراء وكان قائداً للقوى التي عارضت الهيمنة السورية على لبنان وكانت له في السابق فرصة لان يُنتخب رئيساً للبنان، وابقى شعلة الاستقلال اللبناني متوهجة من موقعه في المنفى… هل هذا هو الجنرال عون ذاته الذي اصبح هاجسه الوحيد الآن تعيين صهره جبران باسيل وزيراً؟… من الصعب تصوّر شخص بنى حياته السياسية على انه مختلف واصلاحي ان يصل الى هذا المستوى".
ثم قال: "نحن ندرك ان لحزب الله نفوذاً في لبنان، وله قاعدته ونوابه وتحالفاته وله قواته العسكرية على الارض. ولكن يبدو ان السماح بأي مؤشر للسيادة اللبنانية او الحكم الديموقراطي غير مقبول لدى بعض الاوساط". واضاف ان "ترسانة حزب الله هي اداة في يد قوة اجنبية، وحزب الله مستعد لاستخدام قواته العسكرية لحماية هذه القوة الاجنبية"، في اشارة الى ايران، "بقطع النظر عن سلامة لبنان". وخلص الى ان "اطالة أمد تأليف الحكومة الى هذا الزمن على رغم النتائج الحاسمة للانتخابات تعني ان بعض القوى تصر على انصياع لبنان الكامل لارادتها".
ولدى سؤاله عما يسمعه المسؤولون الاميركيون من السوريين حين يشكون من تدخلهم في لبنان، أجاب: "السوريون يقولون، انتم تعرفون من هم اللبنانيون، وكيف يتصرفون".
واعرب المسؤول الاميركي عن انزعاجه لان سوريا لم تطبّق بعض التعهدات التي اعطتها لاميركا في شأن لبنان، ومنها ترسيم الحدود. وأوضخ ان السوريين "قالوا لنا انهم يعتزمون ترسيم الحدود مع لبنان، واعتقدنا ان ذلك سيكون معلما مهماً، لان الخطوة الأولى في السيطرة على الحدود هو ترسيمها. السوريون قالوا لنا في آذار انهم سيكونون قادرين على البدء بترسيم الحدود في ايار، وحتى الآن لم يحصل أي شيء"، مشيرا الى ان الفريق اللبناني المعني بالامر جاهز. وتساءل: "هل كان ذلك التزاما جديا؟"
وعن الرئيس ميشال سليمان، قال انه "يضطلع بدور حذر، فهو يريد ان يكون رئيسا لجميع اللبنانيين، ونحن نحترمه ونحترم منصبه كليا". وشدد على ان هناك تحديات جدية تواجه لبنان وتتطلب مؤسسات فعالة، وتحديداً مؤتمر باريس 3، وقروض لبنان المستحقة، والوضع المتردي لخدمات الكهرباء وغيرها.
وعن الاتصالات الاميركية – الاسرائيلية الاخيرة في شأن قرية الغجر، قال: "موقف الولايات المتحدة الواضح هو ان على اسرائيل ان تنسحب من شمال قرية الغجر الى الخط الازرق في أسرع وقت، وعدم الانسحاب يشكل انتهاكا واضحا للقرار 1701". لكن استخدام "حزب الله" او غيره الغجر ذريعة لعمليات مسلحة أمر مرفوض، لان هناك نزاعات حدودية عدة في العالم يجري السعي الى حلها بالوسائل السلمية”.
وعن موعد ارسال سفير اميركي الى دمشق قال ان المسألة تتطلب بعض الوقت لان عملية اختيار السفير واعلام الحكومة السورية بالقرار ثم الحصول على مصادقة الكونغرس عليه عملية تستغرق بعض الوقت، مشيرا الى انه لم يتخذ قرار نهائي في شأن هوية السفير الجديد.
وابدى المسؤول الاميركي انزعاجه من زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لايران، قائلاً ان اعلان الزيارة تزامن مع وجود الوفد الاميركي العسكري في دمشق.
وسئل هل من مسؤولية سورية عن التفجيرات الاخيرة في بغداد، فأجاب انه لا يعرف حقيقة ذلك، لكنه اكد "ان سوريا لا تزال تسمح لافراد داخل اراضيها بتهريب الاسلحة والاموال والافراد عبر الحدود مع العراق للقيام باعمال العنف والتخريب، بيد ان حجم هذه العمليات انحسر عنه قبل سنة.
"النهار"