في 30 أبريل الماضي نشرت قناة «روسيا اليوم»، مقتطفات من تصريحات قائد البحرية الإيرانية؛ كما في التالي نصا.. في مقابلة مع وكالة الأنباء «إرنا»، قال قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنكسيري بمناسبة اليوم الوطني للخليج: «المرشد الإيراني علي خامنئي أصدر توجيهات وأوامر خاصة في إعداد وتجهيز «جزر نازعات» الأربع بالبنى التحتية والسكنية وجعلها صالحة للسكن والعيش وتعزيز أمنها واستقراره». وأكد الأدميرال تنكسيري «عزم وتصميم الدولة على تعزيز استقرار أمن الخليج، خاصة في منطقة جزر نازعات»، معلنا عن بدء هذا المشروع عبر بناء المنازل السكنية والبنى التحتية وإنشاء الأرصفة العائمة ومرافق صيد الأسماك، من خلال التعامل مع الصيد بشباك الجر الصناعية في الدول الأجنبية، لخلق فرص عمل جديدة ولتحسين الظروف المعيشية للناس.
حل خلاف حدودي أو أي خلاف آخر؛ بطريقة التفاهم والحوار والتفاوض كفيل بزرع الثقة عند جميع الأطراف في كامل المنطقة العربية وجوارها الإسلامي
كما بين أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية نقلت على الدوام رسالة السلام والصداقة والأخوة إلى الدول الشقيقة الإسلامية المجاورة». وتابع: «تعد الوحدة والاتفاق الشامل بين جميع الدول والأمم الإسلامية أمرا ضروريا وأساسيا، وقد سعينا دائما إلى استمرار السلام والأخوة، وإقامة علاقات تضامنية بين دول المنطقة الجغرافية للخليج، لأنه باعتقادنا من خلال التعاون والتضامن بين دول المنطقة، يمكننا تحقيق الأمن المستقر، وبالتالي تفعيل العلاقات الاقتصادية وتعزيز تنمية التجارة». وقال «الخليج هو منطقة جغرافية مغلقة تبلغ مساحتها حوالي 238 ألف كيلومتر مربع»، متابعا: «إن وجود سفن بعض الدول الأجنبية في الخليج يهاجم نظامه البيئي والحياة البحرية، وإذا حدث شيء لهذه السفن التي يكون وقودها في الغالب نوويا، سوف يدمر النظام البيئي للخليج لعقود». وحذّر من أن «الوجود غير المشروع للغطرسة الأمريكية والكيان الصهيوني في هذه المنطقة يعرض استقرار أمن الخليج للخطر»، مشددا على «أهمية مغادرة الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية لهذه المنطقة في أسرع وقت ممكن حتى تصبح هذه المنطقة الحساسة أكثر أماناً واستقرارا».
هذه التصريحات جاءت في الوقت الذي تشهد فيه؛ علاقات دول الخليج العربي، تحسنا وتجري على الأقل في المعلن منها؛ سياسات إجرائية تقود، الى تخفيف، أو إزالة التوترات بين إيران وعموم الدول العربية، وفي المقدمة منها؛ دول الخليج العربي. كما أنها جاءت على وجه التحديد؛ بعد تحسن علاقات الإمارات مع إيران على مختلف الصعد، ومنها العلاقات الاقتصادية والتجارية. كما أن هذه التصريحات أحالها المسؤول الإيراني؛ إلى توجيه من قبل المرشد الأعلى الإيراني، السيد علي خامنئي. يُفهم من التصريحات أعلاه، الاستيلاء الكامل على الجزر الثلاث، بصرف النظر عن رأي وموقف الإمارات منها أو من تبعيتها، رغم أن الإمارات تعتبر الجزر الثلاث، جزرا إماراتية جرى احتلالها من قبل إيران في زمن الشاه الراحل، الذي قال في أحد خطاباته في نوفمبر 1972: إن الخطوط الدفاعية للبحرية الإيرانية تتجاوز نطاق الخليج العربي وخليج عدن، وتمتد إلى المحيط الهندي، وإن البحرية الإيرانية يجب أن تزداد عدة مرات خلال السنوات المقبلة لتحقيق استراتيجية بعيدة المدى. وإذا لم يتم البت في عائديتها قانونيا، أي بمقتضى القانون الدولي، فهي تعتبر جزرا متنازعا عليها، إذا سلمنا جزافا بطروحات إيران الى جهة تبعيتها التي تتناقض تماما مع واقع هذه الجزر تاريخيا وسكانيا وجغرافيا. والأدهى أن هذه التصريحات جاءت بعد أسابيع قليلة جدا من الاتفاق الإيراني السعودي الذي تضمن ما تضمن من حلول للمشاكل التي تعاني منها المنطقة العربية وجوارها الإسلامي. هذه التصريحات أشارت بما لا لبس فيه ولا غموض؛ أن إيران ستبني بنى تحتية في هذه الجزر، من سكن واستثمار في الصيد البحري؛ لجعلها قابلة للعيش. المسؤول الإيراني العسكري؛ أشار إلى أهم استثمار في هذه الجزر في الحقل الاقتصادي والعسكري، فالجزر غنية بالنفط وأوكسيد الحديد، هذا من الجانب الاقتصادي، أما من الجانب العسكري؛ فإنها تشرف على مضيق هرمز، كما أن مياه الخليج فيها عميقة، ما يجعلها صالحة؛ لإقامة قواعد عسكرية بحرية لإيواء الغواصات. هذه ليست تصريحات فقط، بل هي سياسة إجرائية جديدة؛ الهدف منها هو السيطرة الكاملة على مضيق هرمز بموقعه الاستراتيجي في التجارة الدولية وحتى حركة الأساطيل، سواء العربية أو الإيرانية أو غيرهما. الجزر العربية التابعة للإمارات، حسب الإمارات، وهو قول صحيح لجهة تاريخ وواقع هذه الجزر؛ لها أهمية استراتيجية، فهي تشرف على الممر الذي ينفتح على بحر العرب وعلى خليج عمان؛ اللذين بدورهما ينفتحان على المحيط الهندي من جهة الشرق، وعلى البحر الأحمر من جهة الغرب؛ لذا فإن الإعمار والاستثمار فيها من جانب إيران؛ يحمل بالإضافة إلى المغانم الاقتصادية على أهميتها؛ أهدافا جيوستراتيجية. هذه العملية التي سيتم تنفيذها؛ هي إلغاء تام لواقع الجزر التاريخي؛ فهي جزر عربية، أو قل إنها جزر إماراتية. فقد استوطن فيها العرب وأكبر دليل على ذلك، أن شاه إيران عندما احتلها في 30 نوفمبر 1970 قبل استقلال الإمارات برحيل الحماية البريطانية، بيومين ليس أكثر؛ فقد هجر الجيش الإيراني في ذلك الوقت أكثر من 200 عائلة، كما قتل الكثير، إضافة إلى الأدلة التاريخية، أو كتب التاريخ التي تشير إلى أن هذه الجزر هي جزر عربية، كما غيرها؛ وبعد أن اطلعت أو قرأت أغلب، أو ما تمكنت من الوصول إليه وقرأته من مواقع وأبحاث، حرصت على أن لا تكون من بينها مواقع أو أبحاث عربية؛ وجدت أن جميعها تؤكد أن هذه الجزر كما غيرها من الجزر المطلة على الخليج العربي؛ هي جزر عربية؛ استوطنها وحكمها العرب، قبل الفتح الإسلامي وبعده، ولم أجد أي نص يشير إلى تبعيتها إلى إيران. ومن المهم هنا الاشارة الى الاتفاقية التي تخص جزيرة أبو موسى، التي تم عقدها، أو الاتفاق والتوافق عليها، والتي حضرها شاه إيران، في ذلك الوقت، وحاكم الشارقة صقر بن محمد بن صقر القاسمي، وممثل بريطاني. هذه الاتفاقية نصت على أن إيران تقوم بالاستثمار أو الوجود سواء العسكري أو غيره في الجزء الشمالي منها، وإمارة الشارقة في الجزء الجنوبي منها. استمر الحال على هذا الوضع إلى عام 1992 وفيه قامت إيران بالاستيلاء الكامل على الجزيرة؛ وفرضت على سكانها عدم الدخول إليها إلا بتأشيرة إيرانية. ما قاله قائد القوة البحرية الإيرانية، في ما يخص وجود الكيان الصهيوني والهيمنة الامريكية؛ وأنهما السبب في عدم الاستقرار في المنطقة العربية وفي الخليج العربي؛ هذا الموقف صحيح وسليم، وهو الذي من المفترض أن يكون عليه؛ واقع المنطقة العربية وجوارها الإسلامي، وليس منطقة الخليج العربي فقط، إنما المهم هنا أن السبيل الصحيح والطريق السليم الذي يقود إلى ما افترضه الأدميرال الإيراني من سلام وأمن واستقرار وتنمية لجميع دول المنطقة المطلة على الخليج العربي.. هو الحوار والتفاوض وحلحلة جميع ما يعترض دول المنطقة من خلافات ونزاعات، ومن بينها نزاعات الحدود. أما البدء بمشاريع بناء فيها، سواء مدنية أو عسكرية، بصرف النظر عن موقف الإمارات التي إلى الآن تقول وتؤكد أن الجزر إماراتية وقد احتلتها أو سيطرت عليها إيران بالقوة المسلحة؛ حتى تصبح واقع حال؛ يؤكد هذا الواقع الذي تريد به إيران؛ ان تؤسس وتبني عليه؛ سيطرتها التامة والمطلقة بصورة نهائية؛ فهو مخالف لما ورد في التصريح؛ من السعي والتعاون بين دول الخليج العربي من أجل الأمن والسلام والاستقرار والتنمية، والعمل على طرد الوجود العسكري للكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية. الجزر الثلاث، متنازع عليها، مع أن هذا الرأي او الموقف فيه؛ الكثير من مجانبة حقائق الواقع الجغرافي والديموغرافي قبل سيطرة إيران عليها، إضافة إلى وقائع وشواهد التاريخ البعيد والقريب؛ وعلى أساس أنها جزر متنازع عليها، في الإمكان حلها أو وضع نهاية لها ولعاديتها بالركون إلى التحكيم الدولي، أو إلى لجنة تحكيم يشكلها المؤتمر الإسلامي باتفاق طرفي النزاع إيران والإمارات. حل خلاف حدودي أو أي خلاف آخر؛ بطريقة التفاهم والحوار والتفاوض كفيل بزرع الثقة عند جميع الأطراف في منطقة الخليج العربي، وحتى في كامل المنطقة العربية وجوارها الإسلامي، الذهاب إلى الحوار والتفاهم والتفاوض في حلحلة الخلافات والمنازعات؛ كفيل بزرع الثقة التي تقود حكما إلى السلام والاستقرار والتنمية، والأهم أن هذا سوف يقود إلى أن لا يكون هناك وجود عسكري للدول الدخيلة على منطقة الخليج العربي، الكيان الصهيوني والهيمنة الأمريكية، وحتى إن وجدا فليس هناك من يفتح سواحل دولته لهما؛ أما ما فعلته إيران في السابق من احتلالها للجزر العربية، ومن ثم بعد عقود من هذا الاحتلال تريد، وسوف تفعل؛ إن تحول الاحتلال إلى واقع معيش، أو واقع حي على الأرض؛ لجهة الوجود الثابت للنواحي الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية، ما يجعل هذا الوجود متجذرا وراسخا، ويصبح حديث الإمارات عن عائدية الجزر الثلاث لها، شيء من الماضي.
كاتب عراقي
“القدس العربي”