اختتم القادة العرب قمتهم الـ 32، اليوم الجمعة، في جدة وذلك باعتماد مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة “إعلان جدة” حول ضرورة التكاتف لحل قضايا الأمة، بحسب ما أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بصفته رئيس القمة.
وأكد القادة في بيانهم “على مركزية القضية الفلسطينية لدولنا باعتبارها أحد العوامل الرئيسة للاستقرار في المنطقة”.
وأضاف الإعلان “ندين بأشد العبارات، الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة، ونؤكد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية”.
ودعا القادة العرب في بيانهم “المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال، ووقف الاعتداءات والانتهاكات المتكررة التي من شأنها عرقلة مسارات الحلول السياسية وتقويض جهود السلام الدولية”.
وجاء في إعلان جدة” نتابع باهتمام تطورات الأوضاع والأحداث الجارية في السودان، ونعرب عن بالغ قلقنا من تداعيات الأزمة على أمن وسلامة واستقرار دولنا وشعوبنا”.
ونؤكد” على ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار وتوحيد الصف، ورفع المعاناة عن الشعب السوداني، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية، ومنع انهيارها، والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشأن السوداني يؤجج الصراع ويهدد السلم والأمن الإقليميين”.
وتابع البيان أن اجتماعات جدة التي بدأت في 6 أيار/ مايو 2023 بين الفرقاء السودانيين تعتبر خطوة مهمة يمكن البناء عليها لإنهاء هذه الأزمة، وعودة الأمن والاستقرار إلى السودان وحماية مقدرات شعبه.
وقال الإعلان “نرحب بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، الذي تضمن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، ونأمل في أن يسهم ذلك في دعم استقرار الجمهورية العربية السورية ويحافظ على وحدة أراضيها”.
وذكر الإعلان” نجدد التأكيد على دعم كل ما يضمن أمن واستقرار اليمن ويحقق تطلعات الشعب اليمني الشقيق، ودعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية”.
وأعرب إعلان جدة “عن التضامن مع لبنان، وحث “كل الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته”.
ورفض البيان التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وقال” نشدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة”.
واكد الإعلان” على أن التنمية المستدامة، والأمن، والاستقرار، والعيش بسلام، حقوق أصيلة للمواطن العربي، ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف الجهود وتكاملها، ومكافحة الجريمة والفساد بحزم وعلى المستويات كافة”.
وكان الأمير محمد بن سلمان قال في كلمته خلال القمة “نؤكد للدول الصديقة في الشرق والغرب أننا ماضون في السلام”، ومشدداً بالقول: “لن نسمح بأن تتحول منطقتنا إلى منطقة صراعات”. وقال إن القضية الفلسطينية كانت وما زالت قضية العرب المحورية.
من جهته، ثمن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، عدم تفويت فرص حل الأزمة السورية سياسيا. ورحب برئيس النظام بشار الأسد في القمة وبعودة سوريا إلى الجامعة العربية، معتبرا أن “ثمة فرصة لا يجب تفويتها لمعالجة الأزمة سياسيا”.
دعوة زيلينسكي
وانطلقت أعمال القمة العربية بحضور رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، ومشاركة الأسد، لأول مرة منذ 2011.
وقد أثارت دعوة زيلينسكي غير المعلنة مسبقا تساؤلات. وفيما لم تصدر مواقف من الدول العربية، كانت مصادر دبلوماسية جزائرية عبّرت، أمس الخميس، عن رفضها الشديد لتوجيه ولي العهد السعودي الدعوة للرئيس الأوكراني لحضور القمة.
كما توجهت الأنظار نحو طائرة حكومية فرنسية أقلت الرئيس الأوكراني إلى جدة، وتنقله لاحقاً إلى قمة قادة مجموعة الدول السبع في مدينة هيروشيما اليابانية.
وفي كلمته بافتتاح القمة، رحّب ولي العهد السعودي بزيلينسكي، وبدا لافتا أنه رحب به، قبل شكر الجزائر، التي استلم منها رئاسة القمة العربية، بعد كلمة رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، وقبل الترحيب برئيس النظام السوري.
واتّهم الرئيس الأوكراني زعماء عرب بـ”غض الطرف” عن تصرفات روسيا في بلده، مطالبا بموقف موحد “لإنقاذ الناس” من السجون الروسية.
وقال: “للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن السجون والضم غير القانوني” للأراضي الاوكرانية، مضيفا: “أنا متأكد من أننا يمكن أن نتّحد جميعا في إنقاذ الناس من أقفاص السجون الروسية”.
وأضاف: “نجدد تأكيد موقف المملكة الداعم لكل ما يسهم في خفض حدة الأزمة في أوكرانيا، وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية، واستعداد المملكة للاستمرار في بذل جهود الوساطة، بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا”.
وحثّ زيلينسكي الدول في القمة على دعم مبادرته للسلام لإنهاء الحرب الروسية في بلاده، وقال إن الوفود ستتلقى نص خطة السلام المكونة من 10 نقاط، وطلب منهم العمل مع أوكرانيا مباشرة دون وسطاء.
ووجه زيلينسكي “نداء نبيلا” للقادة العرب للمساعدة في حماية شعبه بمن فيهم المجتمع المسلم في أوكرانيا.
وسلط زيلينسكي الضوء على محنة مسلمي التتار في شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا إليها عام 2014، “الذين لا يزالون تحت الاحتلال الروسي”.
وقال الرئيس الأوكراني إنه وصل إلى جدة برفقة زعيم تتار القرم، النائب في البرلمان الأوكراني، مصطفى عبد الجميل قرم أوغلو.
وأفاد بأن “مسلمي تتار القرم كانوا أول من عانى من الاحتلال الروسي، إن معظم الذين يعانون من القمع في شبه جزيرة القرم المحتلة هم من المسلمين”.
وفي مناشدة للقادة العرب، قال: “أنا متأكد من أنه لن يشاهد أحد منكم بدون قتال كيف يسرق الأجانب أبناء شعبك”، وأردف: “تم ترحيل مئات الآلاف من أطفالنا من قبل روسيا، وفصلوا عن أقاربهم”.
وشدد الرئيس الأوكراني على أن بلاده “تقوم بكل شيء من أجل تأمين استمرارية اتفاق الحبوب” من الموانئ الأوكرانية عبر البحر الأسود.
وأكد أن “بلاده لم تختر الحرب ولم تهاجم دولة أخرى، إلا أنها لن تخضع لأي مستعمر”.
كما ذكر زيلينسكي احتلال روسيا لمحطة زاباروجيا الأوكرانية، قائلاً إن “موسكو تبتز العالم بكارثة نووية”.
وفي معرض تشبيهه للصراعات في الشرق الأوسط والحرب في بلاده، قال: “انظروا إلى مقدار المعاناة التي تسببت بها الحروب الطويلة الأمد في ليبيا وسوريا واليمن، كم من الأرواح أهدرت بسبب سنوات من القتال في السودان والصومال في العراق وأفغانستان”.
ولفت الرئيس الأوكراني أن “بلاده ترحب بالاستثمارات العربية”، وأعرب عن أمله “أن يعود السياح العرب لرؤية بلادنا خالية من الاحتلال الروسي”.
وأشار إلى أن “كييف قررت منذ عام 2021 الانفتاح على السعودية والإمارات وعمان”.
ترحيب حار ببشار الأسد
ووصف مقربون من المنظمين الحدث بقمة “تصفية آثار الربيع العربي”، على ضوء توجيه الدعوة لرئيس النظام السوري بشار الأسد منذ تعليق عضوية بلاده.
وصافح ولي العهد السعودي رئيسَ النظام السوري في القمة، وعانقه قبل التقاط صورة رسمية لهما قبل بدء الاجتماع.
ورحّب بن سلمان أمام الزعماء العرب في مستهل انعقاد القمة، بعودة بشار الأسد لحضور اجتماعات جامعة الدول العربية.
وقال بن سلمان في كلمته: “يسرنا اليوم حضور الرئيس بشار الأسد لهذه القمة، وصدور قرار جامعة الدول العربية بشأن استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”.
وأضاف: “نأمل أن يسهم ذلك في دعم استقرار سوريا، وعودة الأمور إلى طبيعتها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بما يحقق الخير لشعبها، وبما يدعم تطلعنا جميعاً نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا”.
🚨🚨🚨🇸🇦🇸🇾”
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 🇸🇦يستقبل بشار الاسد بالاحضان 🇸🇾”
pic.twitter.com/wU8rumEOYq— اوبزيرفر | (@B667i) May 19, 2023
الأسد: “فرصة تاريخية”
وقال الأسد إن القمة العربية “فرصة تاريخية” لمعالجة الأزمات الموجودة بالمنطقة، وذلك خلال كلمته بالقمة.
وأضاف “أتمنى أن تشكّل (القمة) بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في ما بيننا للسلام في منطقتنا والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار”.
وتابع “سوريا ماضيها وحاضرها ومستقبلها هي العروبة لكنها عروبة الانتماء لا الأحضان، فالأحضان عابرة لكن الانتماء دائم”.
وهذه هي المرة الأولى التي يلقي الأسد فيها كلمة أمام الجامعة منذ تعليق عضوية النظام السوري بها في 2011 عقب الحملة التي قامت بها القوات الأمنية السورية بعد الاحتجاجات على حكمه.
عباس يطالب بمحاسبة إسرائيل
وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال القمة، المجتمع الدولي بـ”محاسبة إسرائيل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني”، رافضا “استباحة الاحتلال لأرضهم ومقدساتهم”.
وقال: “نؤكد رفضنا لاستمرار استباحة الاحتلال لأرضنا ومقدساتنا”.
وطالب عباس المجتمع الدولي بـ”العمل على توفير الحماية للشعب الفلسطيني ومحاسبة إسرائيل على جرائمها بحقه”.
وأضاف أن “إسرائيل ارتكبت 51 مجزرة منذ النكبة عام 1948، ودمرت 530 قرية فلسطينية”.
ودعا الرئيس الفلسطيني لدعم تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير، وتقديم المرافعة المكتوبة من الدول العربية أمام محكمة العدل الدولية، لإصدار رأيها الاستشاري، وفتواها، حول قانونية وشكل وأهلية النظام الذي أقامته إسرائيل على أرض فلسطين.
واتهم إسرائيل بـ”التنكر للاتفاقات الموقعة والقرارات الأممية والتمسك بمشروع صهيوني استعماري بديل يقوم على استمرار الاحتلال والتطهير العرقي والفصل العنصري”.
السيسي يشدد على أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية
أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كلمته، أن المنطقة مرت خلال السنوات الأخيرة بظروف استثنائية قاسية “هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية”، مشددا على أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها.
وأكد تمسك مصر بالخيار الاستراتيجي بتحقيق السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط من خلال مبادرة السلام العربية.
وطالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وحذر الرئيس السيسي من أن الأزمة في السودان تنذر بصراع طويل وتبعات كارثية على السودان والمنطقة.
وفي ظل الأزمات في ليبيا واليمن، طالب بتفعيل التحرك العربي المشترك لتسوية تلك القضايا.
واعتبر السيسي عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بأنها بمثابة التفعيل العملي للدور العربي وبدء مسيرة عربية لتسوية الأزمة السورية، مشيرا إلى أن مصر تدعم جميع الجهود لتفعيل هذا الدور “لمراعاة مصالحنا وتوفير الحماية الجماعية لشعوبنا”
ودعا إلى “الاعتماد على جهودنا المشتركة وقدراتنا الذاتية والتكامل فيما بيننا لصياغة حلول حاسمة لقضايانا”.
قضيتا السودان واليمن
وتتصدر أعمال القمة العربية العادية في دورتها الثانية والثلاثين، أزمتان رئيسيتان: النزاع المستمر منذ شهر في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمّد حمدان دقلو، والنزاع المتواصل في اليمن منذ أكثر من ثماني سنوات.
وتنعقد القمة العربية وسط جهود حثيثة من السعودية لتعزيز موقعها الدبلوماسي في الشرق الأوسط وخارجه، وبعد تطبيع علاقاتها مع إيران بوساطة صينية في آذار/مارس، إثر قطيعة. وتوافد منذ الخميس زعماء عرب على جدة، إذ وصل جل القادة المفترض مشاركتهم بالقمة، أو المسؤولين الذين ينوبون عنهم.
وترأس أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وفد بلاده، ورافقه الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، ووفد رسمي. وتعد قطر من الدول العربية التي أعلنت صراحة عدم تغيير موقفها من النظام السوري حتى تحقيق تطلعات الشعب الذي ثار ضد القمع الذي تعرض له.
وقال الديوان الأميري اليوم الجمعة إن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني غادر فجأة بعد أن ترأس وفد بلاده في قمة جامعة الدول العربية بمدينة جدة.
ولم يلق أمير قطر كلمة فيما يبدو في القمة التي تتم تغطيتها على الهواء مباشرة.
ويتغيب عدد من الزعماء العرب عن القمة، من ضمنهم رئيس الإمارات محمد بن زايد، وأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، وسلطان عُمان، هيثم بن طارق. وعلى مستوى المغرب العربي، يغيب العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. كما يغيب أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان.
(وكالات)