في 26 تموز (يوليو)، عقد معهد واشنطن منتدى سياسيًا افتراضياً مع كل من ياسر زيدان، وريم عباس وأليكس روندوس. وفي المنتدى، قام الخبراء الثلاثة بتقييم آثار الصراع في السودان على القضايا الإنسانية والأمنية في المنطقة، مع تحديد متطلبات الوقف الدائم لإطلاق النار.
ياسر زيدان
بعد مضي شهرين على اندلاع الحرب -وهي أساساً محاولة قامت بها “قوات الدعم السريع” شبه العسكرية للاستيلاء على السلطة- ردت “القوات المسلحة السودانية” بشن هجمات متعددة في الخرطوم. وازداد الوضع تأزماً مع لجوء “قوات الدعم السريع” إلى الطائرات من دون طيار لمهاجمة المدنيين واستمرار تدهور الوضع الإنساني. وتلوح المجاعة في أفق البلد بسبب تعطيل الحصاد والوصول المحدود إلى الأسمدة والبذور، في حين لا يعمل حالياً في الخرطوم سوى عدد قليل من وكالات الإغاثة الدولية.
وقد فشلت جهود الوساطة في حل الأزمة حتى الآن. على سبيل المثال، لم تتمكن محادثات جدة التي ترعاها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من وقف القتال إلا مؤقتاً، وتم خرق وقف إطلاق النار في النهاية وعُلّقت المفاوضات لأسابيع. وإضافة إلى ذلك، أتاحت فترات الهدوء في القتال العسكري فرصاً لـ”قوات الدعم السريع” للاستيلاء على الممتلكات واستهداف المدنيين.
تركز سياسة الولايات المتحدة على وقف الأعمال العدائية والعودة إلى خطة الاتفاق الإطاري لإعادة بدء الانتقال إلى الحكم المدني، الذي كان يحرز تقدماً قبل اندلاع النزاع في نيسان (أبريل). وللأسف، لا يمكن تحقيق هذه الخطة في الوقت الحالي بسبب التشرذم الاجتماعي السياسي والاشتباكات المسلحة المستمرة.
وفي غضون ذلك، يهدد خطر انتقال النزاع إلى خارج السودان الاستقرار الإقليمي، وتشكل التقارير عن الانقلاب في النيجر خير مثال على ذلك. وتتفاقم هذه المخاطر مع تورط دول وجهات فاعلة متعددة، يهدد بعضها المصالح الأمنية المحلية للولايات المتحدة ويسهم في تزايد الأعمال الإرهابية والاتجار بالبشر.
في المستقبل، ينبغي على واشنطن دعم إدارة الدولة في السودان وإعادة إحياء الخطة لتسهيل الانتقال الديمقراطي. ولم تنجح العقوبات الأميركية ضد “قوات الدعم السريع” و”القوات المسلحة السودانية”، لأنه يجب إقرانها بدبلوماسية فعالة ومشاركة متزايدة من قبل الشركاء الإقليميين المسؤولين، الذين يُعد انخراطهم أساسياً لمنع تدهور النزاع إلى حرب بالوكالة بين الجهات الفاعلة الخارجية.
من جهة أخرى، ينشط المجتمع المدني و”لجان المقاومة” على الأرض، بينما يلعب زعماء القبائل دوراً مهماً في منع تدهور الوضع على خلفية قبلية. وعند التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يمكن أن يسهموا إلى حد كبير في استقرار البلاد وإعادة توحيدها.
بالنسبة لقائد “قوات الدعم السريع”، محمد حمدان “حميدتي” دقلو، ستكون تجارة الذهب في السودان أساسية لفهم دوافعه وشبكاته. فالذهب المستخرج في السودان يُباع في دبي ثم يُنقل إلى روسيا عبر شبكة تضم مرتزقة من “مجموعة فاغنر” وأمير الحرب الليبي خليفة حفتر وعناصر في موسكو. ولم يحظَ هذا الجانب الأساسي من الوضع بالاهتمام الكافي، لا سيما من جانب صانعي السياسات الأميركيين.
* * *
ريم عباس
ينطوي النزاع الحالي في السودان على تدمير كامل للبنية التحتية وحرب متعمدة ضد المدنيين، فيُقتل سكان الأحياء، وتُنهب المنازل، ويُمحى تاريخ الخرطوم بثبات في إطار إحدى أكبر عمليات النزوح الديموغرافي في التاريخ المعاصر. وبعد أسابيع من هذه الحملات، أحكمت “قوات الدعم السريع” سيطرتها على أجزاء مختلفة من البلاد والعاصمة.
وفي ظل وجود جيشين ودولتين، أصبح من الصعب على الشعب دعم “القوات المسلحة السودانية”، لا سيما بالنظر إلى سيطرتها منذ وقت طويل على السلطة وضلوعها في جرائم متعددة. ويخشى الكثيرون من المواطنين من أن تخضع البلاد لحكم دكتاتوري إذا انتصر الجيش. والصدع عميق لدرجة أن السودان قد يتفكك. ويحاول الجيش الآن منع السيطرة الكاملة لـ”قوات الدعم السريع” التي تتمتع بقاعدة اجتماعية وعرقية كبيرة وأصبحت أكبر مصدر لفرص العمل في البلاد.
مع استمرار هذا التشرذم، قد تتخلى بعض المناطق (على سبيل المثال، الولايات الشرقية في السودان) أكثر فأكثر عن فكرة الدولة الواحدة الموحدة، وتختار الحكم الذاتي أو الفيدرالية لحماية نفسها من الحرب الزاحفة. وفي غرب السودان، حملت مجموعات الأقليات البدوية السلاح لحماية نفسها، ويُعزى السبب جزئياً إلى حرمانها من إمكانية الوصول إلى نهر النيل أو غيره من مصادر المياه المستقرة بسبب تغير المناخ وعوامل أخرى. ويُعد ذلك من الأسباب المهمة التي تدفع “قوات الدعم السريع” بقيادة حميدتي إلى القتال في الخرطوم وإنشاء وظائف إدارية رسمية في ولايات مثل غرب دارفور (على غرار حالة “الحكومة المزدوجة” التي شوهدت في ليبيا). والنزاع هو في الأساس حرب موارد، تسعى خلالها مجموعات مختلفة جاهدة إلى تأمين نمط حياة قابل للاستمرار، وتوفير إمدادات منتظمة من المياه، وإيجاد وسيلة لتجنب المجاعة.
* * *
أليكس روندوس
تشير الأنباء عن محاولة الانقلاب في النيجر إلى ظاهرة أوسع بكثير. أولاً، جرّت “قوات الدعم السريع” السودان إلى مستنقع الصراعات الذي تورطت فيه أيضاً أجزاء أخرى من منطقة الساحل. والآن، تطرح الأزمة الإقليمية مخاطر على ممرين مائيين حيويين هما النيل والبحر الأحمر. ويخرج الجزء السفلي من الصحراء عن السيطرة وقد يزعزع استقرار القارة أكثر فأكثر.
يتحدث بعض المراقبين عن “مساحات غير خاضعة للحكم” في مناطق مثل السودان، لكن واقع الحال هو أن الجزء الأكبر من هذه الأراضي لا تحكمه الدولة، وإنما تحكمه الميليشيات وأمراء الحرب والجهات الفاعلة الأخرى غير الحكومية. ويشكل التطرف والإجرام المتزايدين القوة المحركة وراء هذه المشكلة المتصاعدة. والآن، قد يؤثر تنامي الاضطرابات في الساحل على مصر (بما أن نهر النيل يمر عبر السودان)، والمملكة العربية السعودية، والتجارة العالمية (بالنظر إلى المخاطر المحتملة على أمن البحر الأحمر).
في غضون ذلك، تستعد الجهات الفاعلة داخل السودان لليوم الذي يمكن فيه استئناف المحادثات الجوهرية بشأن مستقبل البلاد. ولكي تنجح هذه العملية، يجب ألا تقتصر على الطرفَين المتحاربَين الرئيسيين فحسب. يجب فرض إطار للحوار، وكلما كان ذلك أسرع، كان ذلك أفضل. وكلما طالت فترة القتال، كان حله أكثر تعقيداً.
خلّف انسحاب واشنطن الظاهر من هذه الأزمة أثراً عميقاً. فالمنطقة تفتقر إلى استجابة واضحة وفعالة، وفي الواقع جاءت الاستجابة ضعيفة. ولم تؤثر الأمم المتحدة تأثيراً كبيراً، وكان “الاتحاد الأفريقي” و”الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية” (إيغاد) خجولين نسبياً في نهجهما، ولا يوجد مُحفّز لإحضار الجميع إلى طاولة المفاوضات. وبدلاً من ذلك، أدى غياب الولايات المتحدة إلى تضاؤل ثقة الشركاء وشجع الجهات الفاعلة الأخرى على التدخل، وخلق ظروفاً للانتهازية والتهور.
من الأهمية بمكان التفكير في الجهة التي تتحدث باسم سكان السودان على نطاق أوسع. يجب الاعتراف بالأحزاب السياسية والنقابات ولجان المقاومة، ويمكن لدول الجوار التوسط، ولكن لا بد لجهة معينة من تسهيل هذه العملية. وإضافة إلى ذلك، من الضروري بذل جهود إضافية في النقاشات الأمنية لتضمين اعتبارات المساعدة الإنسانية.
وتعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية الدولتين الأكثر نفوذاً في هذا الصدد، لذلك يجب أن تتوليا زمام المبادرة لعقد الاجتماعات مع دول الجوار والحد من التداعيات. ويجب أن تركز إعادة إحياء عملية جدة أيضاً على الجانب الإنساني، بما في ذلك التحديات اللوجستية، والوقاية من المجاعة، وحماية الجهات الدولية التي تقدم خدمات إغاثة أساسية داخل السودان.
*ياسر زيدان: محاضر في الشؤون الدولية في جامعة السودان الوطنية وطالب دكتوراه في جامعة واشنطن. ريم عباس: زميلة غير مقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط (TIMEP)، تركز في كتاباتها على الأرض والصراع والموارد في السودان. أليكس روندوس: مستشار أقدم في “مركز إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام”. وشغل سابقاً منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في منطقة “القرن الأفريقي”.
أعد هذا الملخص أحمد شعراوي وإريك يافورسكي.
“الغد”