مستغلة تبدّل مسارات سياسات القوى الإقليمية تبعاً لتغيّر إستراتيجيات القوى الدولية، وتحديداً بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وتشتّت اهتمامات القوى الفاعلة في المنطقة العربية وانعكاسات ذلك على الوضع السوري، الذي ما انفكّ يتحوّل إلى مزيد من الانحدار لصالح القوى المساندة للنظام في حربه ضد السوريين، بعد فشل محاولات تدويره عربياً وإقليمياً – تداركاً لشروره وحلفائه من تهريب المخدرات والسلاح – وزيادة تحكّم داعميه وارتهان قراراته وتوجّهاته لهم، بالتوازي مع انهيار وضعه الاقتصادي واستفحال معاناة السوريين المعيشية في ظلّ عقوبات دولية بدأت بقانون قيصر ولن تنتهي بقانون كبتاغون الأسد- أصدرت قوة الأمر الواقع ” مَسَد/ قَسَد” في 13/12/ 2023 ما أسمته “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، تأكيداً لاستقرار وجودها وفعاليّتها وقدرتها في السيطرة الموكلة إليها وتجاوز الخطوط الحمر الوطنية، فتغيّر اسم الدولة، وتجعل السوريين شعوباً، والمنطقة أقاليماً، وتختار “الكونفدرالية” نظاماً لسورية مستقبلاً، وتقصي السوريين باختياراتها، فتؤسّس مرتكزات انفصال إدارية ومالية وقانونية. وترسم رغائبها خرائط تعمل لتحقيقها على الرغم من رفض السوريين-عرباً وكرداً- لها، وتثبت شرعيّتها في قطار التسوية المحتملة بتمثيلها مساحة لا تشغلها ديموغرافياً أو اجتماعياً أو سياسياً.
إن المسارعة بإقرار ” العقد الاجتماعي ” على ما فيه من عيوب ونواقص وعلل رسالة لجهات مختلفة، داخلية وخارجية، وتوازي خطوات النظام الذي يصطنع إصلاحات شكلية لا جوهرية، تقرّبه من تنفيذ استحقاقات باتت ملزمة عربياً ودولياً؛ فيقدّم بذلك شهادة حسن سيرة وسلوك ملاقاة للمرحلة التالية التي لانراها بعيدة.
إن ما جاءت به PYd وPKK في العقد المزعوم، يعلن بلا مواربة توجّهاً سافراً، يخلق نمطاً يعتمد أسساً قومية وطائفية، تتحكّم بالمناطق الأخرى، يقوم على الإكراه وإقصاء المكوّنات الأساسية في شمال وشرق سورية وغيرها، ويبتعد أكثر عن أهداف الثورة السورية التي قامت لتكون سورية دولة المواطنة لجميع مكوّنات شعبها، تسودها الديمقراطية والحرّية والكرامة، وتنبذ الاستبداد والعسف.
ولا بدّ من التأكيد أن العقد الاجتماعي/الدستور لا يُفرَض، بل يُتوافَق عليه بين جميع الأطراف، ويتشارك بإقراره الجميع على تنوّعهم وخلافهم واختلافهم، ولا يكون إلا في حالة استقرار، وفي الحالة السورية ضمن محدّدات القرارات الأممية 2118و2254 والقرارات ذات الصلة، ولا يُنجَز لغايات الاستثمار الإعلامي والسياسي والتهديد لمستقبل الوطن ووحدته ومصير أجياله، وتطويع السوريين وترويضهم لقبول الواقع بتغييبهم عن ساحة الفعل.
إن مَن لم يستطع التوافق مع الكُرد المخالفين بل إقصائهم – المجلس الوطني الكردي وغيره من الأحزاب والقوى الكردية -، فلن يتمكّن من التوافق مع المكوّنات المختلفة الأخرى، ولو وضع شيخ عشيرة عربياً رئيساً مشتركاً لمسد. وليس سورياً من يعمل لتحقيق أوهامه القومية أو الأيديولوجية على حساب تحرّر شعب سورية وتقدّمه وتحرير وطنه من كلّ الاحتلالات ووحدة ترابه. وما على السوريين إلا اليقظة والتلاحم تأكيداً للا شرعية ألاعيب قوى الأمر الواقع القهرية، كي لا يكون العقد الاجتماعي القسدي استثماراً يُراد منه انفراط العقد الوطني السوري.
• كاتب سوريّ
الرأي / خاص