تشهد أروقة الاتحاد الأوروبي تحولات ملحوظة بصدد حرب الإبادة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزة، فلا تقتصر المواقف المتغيرة على قوى اليسار والوسط داخل البرلمان الأوروبي، بل باتت تشمل التيارات ذاتها التي ساندت دولة الاحتلال منذ البدء وأخذت تراجع خياراتها الأولى على مختلف مستويات الأفراد وقيادات الكتل، وحتى ضمن الهرم الأعلى للمسؤوليات في الاتحاد.
ورغم أن جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كان سباقاً إلى اعتماد نبرة متميزة في انتقاد إفراط القوة الذي تتسم به عمليات الجيش الإسرائيلي، وإلى التعاطف مع مآسي الحصار والتجويع والعقاب الجماعي وجرائم الحرب التي يعاني منها الفلسطينيون أبناء القطاع، فإنه في الآونة الأخيرة ذهب أبعد في مخالفة رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين شخصياً وبالاسم. وإلى جانب اتهامها بـ«الانحياز التام» لدولة الاحتلال، صرح بوريل بأن فون دير لاين باتخاذها موقف التأييد المطلق للعدوان الإسرائيلي «لا تمثل إلا نفسها من حيث السياسة الدولية» ومواقفها «تركت تكلفة جيو ـ سياسية باهظة على عاتق أوروبا».
وعلى غرار اضطرار الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس إلى تخفيف لغة الانحياز المطلق لدولة الاحتلال والحض على هذه الصيغة أو تلك من الهدنة أو حتى وقف إطلاق النار، وجدت فون دير لاين نفسها مضطرة إلى خيار مماثل مؤخراً فأعربت في تغريدة على منصة X عن «شعورها بالاضطراب الشديد» إزاء مشاهد مجزرة الطحين، وطالبت بـ«بذل كل الجهود للتحقيق في ما حدث وضمان الشفافية». وهي بذلك لا تصل متأخرة فقط بل تعرب عن قليل قاصر أيضا، بالقياس إلى موازينها المختلة الفاضحة بين تصريحات سابقة اعتبرت خلالها أن قطع موسكو الماء والغذاء عن أوكرانيا بمثابة جريمة حرب، مقابل التزامها الصمت المطبق إزاء جرائم إسرائيلية ضد قطاع غزة تظل أشد همجية وفظاعة وانتهاكاً للقانون الدولي.
ولأن دول الاتحاد الأوروبي تستعد لإجراء انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر حزيران/ يونيو المقبل، فإن من الطبيعي ازدياد الحراك في مختلف دوائر الاتحاد الأوروبي، على أصعدة البرامج والخطط السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتعددة، وأن تتصدر حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع جداول أعمال الكتل الكبرى داخل البرلمان، وأن تدخل في صلب السجالات. وفي هذا السياق عقدت كتلة الحزب الاشتراكي الأوروبي مؤتمرها في العاصمة الإيطالية روما، ووقع اختيارها على نيكولا شميت المفوض الحالي لشؤون العمل مرشحاً وحيداً للكتلة في وجه فون دير لاين، التي أعلنت العزم على إعادة ترشيح نفسها لولاية ثانية. ولم يكن غريباً بالتالي أن يبدأ شميت خطبة قبول الترشيح بالدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإدانة حكومة بنيامين نتنياهو «اليمينية المتطرفة» واتهامها بقتل سيرورة السلام.
وليس من دون أسباب وجيهة أن بعض أعضاء البرلمان الأوروبي اختاروا لرئيسة المفوضية لقب «السيدة إبادة» (Frau Genocide) والأغلب أنها أسباب مماثلة تلك التي تضع فون دير لاين اليوم على محك الحساب، وتدفع إلى متغيرات شتى في أروقة بروكسل بصدد حرب الإبادة الإسرائيلية.