دمشق – «القدس العربي» : شيعت “هيئة تحرير الشام” التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري بقيادة أبو محمد الجولاني، القائد البارز في صفوفها ميسّر علي الجبوري الملقّب بـ “أبي ماريا القحطاني”، بتفجير عبوة ناسفة في مضافة له في ريف إدلب، وذلك بحضور قيادات حكومة الإنقاذ وهي الذراع السياسية للهيئة صاحبة النفوذ في إدلب شمال غربي سوريا.
وأُقيمت صلاة الجنازة على القحطاني، دون حضور قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، الذي ناب عنه رئيس حكومة الإنقاذ محمد البشير، ووزير الأوقاف لديها، حسام حاج حسين.
ونشرت مؤسسة جبهة النصرة الإعلامية “أمجاد” صورتين لقائد الهيئة بجانب جثمان “القحطاني”، وذكرت المؤسسة أن الصورتين التقطتا في وداع أبي ماريا.
وصرح وزير الداخلية في حكومة الإنقاذ، محمد عبد الرحمن، أن شخصًا فجّر نفسه بواسطة حزام ناسف في مضافة أبو ماريا المعدة للاستقبال مساء الخميس.
ولفت إلى أن منفذ التفجير كان من بين ثلاثة أشخاص، تمكن اثنان منهم من الهروب، فيما تبين أن الثلاثة يتبعون “لتنظيم الدولة”، ومتوعداً بتقديم الفارين للقضاء بعد العثور عليهما.
رئيس مجلس الإفتاء الأعلى لدى “هيئة تحرير الشام” عبد الرحيم عطون، قال إن “أبو ماريا القحطاني قتل جراء هجوم باستخدام حزام ناسف، نُفذ على يدي عنصر ينتمي لتنظيم الدولة” بينما لم يعلن تنظيم الدولة” مسؤوليته عن الاستهداف.
لكن مصادر محلية نفت رواية الهيئة، وقالت إن القحطاني لقي مصرعه نتيجة انفجار عبوة ناسفة جرى تفجيرها عن بعد، في مضافته في بلدة سرمدا بريف إدلب، حيث أصيب مرافقه مع 4 عناصر آخرين تابعين للهيئة.
وحول المستفيد من مقتل القحطاني وأسباب الخلاف مع قائد الهيئة أبو محمد الجولاني، وأحواله بعد العزل والسجن، رجح مصدر مطلع لـ “القدس العربي” أن تكون جهات دولية وراء عملية الاغتيال، ولكن التنفيذ غالبًا بيد “تنظيم الدولة الإسلامية”.
وقال المصدر: “إن أبو ماريا أجرى خلال الآونة الأخيرة العديد من اللقاءات دون العودة إلى قيادة الهيئة”، مشيرًا إلى آخر اجتماع للقحطاني قبل أن يعتقل “عقده مع ضباط أمريكان من حلف الناتو في قاعدة انجرليك الجوية جنوب تركيا، وهو ما تسبب بأزمة بين الجولاني وتركيا من جهة، وأزمة بين القحطاني والجولاني من جهة أخرى”.
وأضاف: “بعد خروجه من السجن حاولت بعض القيادات العسكرية في مدينة بنش بريف إدلب تحريض أبو ماريا القحطاني ومحاولة التنسيق والتكاتف معه لإزاحة الجولاني، لكن الأخير رفض، مؤكدًا أنه ترك الأمور إلى القضاء، رافضًا تصعيدها”.
وقال: “أبو ماريا كان شبه معزول، بعدما حجمته الهيئة، وقد سحبت منه الكثير من صلاحياته وملفات القوة منذ أكثر من 7 أشهر بسبب ملف العمالة، حيث اعتقل كل المقربين منه والعاملين معه، وفقد رمزيته لدى قسم كبير، لا سيما في الملفات التي يشغلها في العلاقات الأمنية والاقتصادية، حيث يوجد من هو أرفع مكانة وأهم من القحطاني في تلك الملفات”. وأكد أن “القيادي في الجناح الأمني المعروف باسم أبو أحمد حدود هو من تعمد تحجيم القطاني وتضييق حضوره لا سيما في الكتلة الشرقية”.
وحول سبب الأزمة، قال المصدر: “أبو ماريا القحطاني أعطى ضباطًا من قوات التحالف إحداثيات مباشرة لعدد من قيادات “تنظيم الدولة”، حيث تم تصفيتهم أو اعتقالهم شرق الفرات”، مشيرًا إلى أن القحطاني “يتهم بأنه من خلايا التحالف وعملائه، حيث نسق معهم بهذا الخصوص، وهو ملف بدأ في يوليو/ تموز وانتهى بداية العام الحالي في يناير/ كانون الثاني”. وبين أن للقحطاني حضورًا بارزًا في مسألة مكافحة “تنظيم الدولة” وهو صلة وصل بين الهيئة والتحالف الدولي، وهو ما خلق الكثير من المآخذ عليه لدى قيادة الهيئة.
وأضاف المصدر: “يمكن أن يكون التحالف وراء مقتله، أو أمريكا بالذات هي التي سهلت ونسقت لعملية الاغتيال، أو أن تركيا هي وراء استهدافه بسبب بعض المسائل التي تتعلق بتسهيل القحطاني لبعض الجهات من طرفه باستهداف القوات التركية سابقًا”.
من هو أبو ماريا القحطاني؟
تؤكد المعلومات الاستخباراتية العراقية، حسب موقع “تلفزيون سوريا” المعارض، أن القحطاني هو أحد ضباط جيش العراقي السابق، وأحد أبرز ضباط فدائيي صدام حسين، وله ألقاب كثيرة، منها أبو ماريا “الهراري” نسبة إلى مكان مولده، و”البقال” وغيرها.
وعُرف عن القحطاني أنه كان شخصية “مكروهة” من قبل قيادة “تنظيم الدولة” في العراق، واتهم في أكثر من مناسبة بتأليب أبو محمد الجولاني على أبو بكر البغدادي، وبأنه “هندس” العلاقة بين الجولاني والظواهري، وأخرج الجولاني من عباءة التبيعة المباشر لـ “تنظيم دولة العراق الإسلامية” وربطه بشكل مستقل بقيادة تنظيم “القاعدة”.
بعد الغزو الأمريكي للعراق، وحل الجيش العراقي، انضم أبو ماريا إلى تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” في عام 2004، تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، وكان يشارك في العمليات العسكرية في محافظة نينوى، وعين بعد إعلان دولة العراق الإسلامية في العام 2006، في منصب “شرعي” الموصل.
وتشير هذه الرواية، وفق موقع “تلفزيون سوريا” المعارض، إلى أن القحطاني تقلد مناصب عدة في “تنظيم دولة العراق الإسلامية”، فأصبح مهندس العلاقات مع العشائر التي بايعت التنظيم سرًا، ثم أصبح يدير الأمور المالية، أو ما يسمى بـ”الحسبة” ضمن محافظة الموصل إلى حين اعتقاله أواخر عام 2008، حيث مكث في السجن زهاء عامين، ليطلق سراحه في أواسط عام 2010.
وفي رده على هذه الروايّة، ينفي مرصد الجهاد العالمي بعض حيثياتها، ويؤكد معظمها، فالمرصد ينفي أن يكون القحطاني ضابطًا في الجيش العراقي، ويؤكد أنه ووالده “أبو ميسر” كانا يكفّران البعث وأعضاءه.
ورغم تناقض تلك الروايات، إلا أنها تميط اللثام عن شخصية القحطاني، بل إن وزارة المالية الأمريكية أكدتها، وفرضت في عام 2012 عقوبات مالية عليه، وأدرجته ضمن لوائح شخصيات الإرهاب كونه “يعمل نيابة عن القاعدة في سوريا”.
وبدأت الخلافات بين القحطاني و”تنظيم الدولة” بعد خروجه من السجن، حيث رفض الالتحاق بالتنظيم مجددًا، وانتقل إلى سوريا واعتزل ظاهريًا النشاط الجهادي وفتح محل بقالة في دير الزور، لكن ما أغضب قيادة التنظيم أنه بقي على اتصال مع قيادات الجهاد في العراق والجزيرة العربية وأفغانستان، وحاول إقناع شيوخ ودعاة في “تنظيم الدولة” بالانشقاق عن التنظيم أو خلع أميره الجديد آنذاك أبو بكر البغدادي، بذريعة سياساته الخاطئة وانتهاكاته الواسعة، وتأسيس “بديل جهادي جديد”، الأمر الذي دفع قيادات في “تنظيم الدولة” إلى اتهامه بالخيانة، وأطلقوا عليه لقب “البقال الخائن”.
تعتقد قيادة “تنظيم الدولة” أنه بعد انطلاق الثورة السوريّة، ودخول الجولاني إليها لتأسيس تنظيم جهادي بتوصية وتوجيه من البغدادي، تواصل القحطاني مع الجولاني، وعرض عليه المساعدة، متسلحًا بشبكة المعارف الواسعة داخل سوريا والعراق ومع قيادات الجهاد العالمي.
وسرعان ما قرّبه الجولاني إليه، وعينه “شرعيًا عامًا” لـ “جبهة لنصرة” دون الرجوع إلى قيادة “تنظيم الدولة”، وخلال فترة قصيرة، استطاع القحطاني أن يؤمّن للجولاني اتصالًا مباشرًا مع الظواهري ليحرره من ضغوطات البغدادي، وقيود رجاله الذي عينهم في مجلس شورى “جبهة النصرة”.