لا أحد على الإطلاق سينتصر إذا اندلعت الحرب في الشرق الأوسط. وسوف تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية هائلة عن كارثة قادمة لأنها سمحت لإسرائيل بأن تصبح دولة إبادة جماعية؛ دولة فصل عنصري ومحتلة وحشية؛ ولص أرض بأبعاد أولمبية؛ وعصابة تروع المنطقة بأكملها. إن انتصار إسرائيل -الاستيلاء على دفة السياسة الخارجية الأميركية من خلال جماعات الضغط الإسرائيلية- قد يتبين في النهاية أنه قاتل لمصالحها الخاصة.
* * *
ربما تكون إيران الآن على وشك توجيه ضربة صاروخية مناسبة إلى إسرائيل لأول مرة على الإطلاق -رداً على الهجوم الذي شنته الأخيرة على طهران الشهر الماضي وأسفر عن مقتل إسماعيل هنية. وتقول الاستخبارات الإسرائيلية إن الهجوم سيأتي على الأرجح في غضون أيام.
ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” في 11 آب (أغسطس) عن أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، قوله: “قد تستمر العمليات الجوية الإيرانية ضد إسرائيل من ثلاثة إلى أربعة أيام”. كما تعهد “حزب الله” اللبناني بتوجيه ضربة كبيرة انتقامًا للهجوم الإسرائيلي الأخير على بيروت.
بمجرد سقوط الصواريخ الإيرانية الأولى -ولن تكون هذه المرة تحذيرا مهذبا مثل الهجوم بالطائرات من دون طيار والصواريخ في نيسان (أبريل) ردا على الغارة الإسرائيلية القاتلة على البعثة الدبلوماسية الإيرانية في دمشق- سيمكننا أن نرى بسرعة كبيرة اختناقات من حركة الصواريخ في السماء حيث يشق الجانبان طريقهما إلى الأعلى على سلم التصعيد. ويمتلك “حزب الله” اللبناني أكثر من 100 ألف صاروخ، العديد منها قادر على ضرب أي مكان في إسرائيل، في حين أن إمكانات إيران أكبر بكثير.
إذا ردت إيران، فسوف يشمل ردها صواريخ متطورة تطلقها من دون سابق إنذار، وسيكون من شبه المؤكد وقوع إصابات. ومن المرجح أن يفشل نظام “القبة الحديدية” الذي تتباهى به إسرائيل كثيرًا في صد الهجوم. وفي الواقع، كانت الضربة التاريخية الأولى التي شنتها إيران على إسرائيل في نيسان (أبريل) قد شهدت إرسال الصواريخ والمسيرات في طريق معروف وتصميمها بالتنسيق مع الولايات المتحدة ولاعبين آخرين؛ بنيّة متعمدة لتقليل الخسائر. وكانت المقايضة الواضحة هي أن تقوم الولايات المتحدة بكبح جماح إسرائيل وضمان عدم قيامها بمهاجمة إيران مرة أخرى.
يقول البروفيسور محمد ماراندي، عضو فريق المفاوضات النووية الإيرانية: “بالنظر إلى الوراء الآن، لم يكن هذا الردع كافيًا. ولذلك، سيتعين على الإيرانيين هذه المرة أن يضربوا بقوة أكبر. لقد رفض الأوروبيون والأميركيون منع الإسرائيليين من تنفيذ هجمات، ولا يمكن لإيران الاعتماد على قادة أوروبيين عقلاء أو قادة أميركيين عقلاء”.
لدى ماراندي وجهة نظر معقولة. فقد ذهبت إيران إلى مجلس الأمن الدولي في نيسان (أبريل) بعد أن ضربت إسرائيل سفارتها في دمشق. وضمنت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحلفاء غربيون آخرون أن لا تواجه إسرائيل أي لوم على هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي. وفي الآونة الأخيرة، فشلوا أيضا في إدانة إسرائيل على هجماتها في بيروت وطهران التي أسفرت عن مقتل قائدين.
تقول المحللة الفلسطينية رولا جبريل: “لم تكن هذه مجرد ضربة قطع رأس لقائد. كانت ضربة قطع رأس لعملية السلام”.
ويقول البروفيسور والي نصر من جامعة “جونز هوبكنز”، وهو مستشار كبير سابق في وزارة الخارجية الأميركية، إن إسرائيل تدفع إيران إلى حرب، ونحن نشهد لحظة فاصلة في العالم. ويضيف: “إن النظام الليبرالي الدولي ميت حقا عندما لم يعد المدافع عن قيمه الأساسية منذ الحرب العالمية الثانية يؤمن حقا بهذه القيم، أو يقوم بتطبيقها بشكل انتقائي للغاية”.
سوف يشعر الغرب الراضي عن نفسه بخوف هائل عندما يبدأ هذا. إذا ردت إسرائيل بقوة (وهو وضعها الافتراضي) وانضمت الولايات المتحدة إلى هجوم (وهو ما سيكون مرجحًا، نظرًا للسيطرة الإسرائيلية على الكونغرس الأميركي)، فقد تشمل الآثار غير المباشرة إغلاق الخليج الفارسي/ العربي، وهو ما يعني وقف شحنات النفط والغاز من المملكة العربية السعودية وقطر ودول الخليج الأخرى لأشهر أو ربما أكثر.
يقول البروفيسور محمد ماراندي إن إيران لا تريد أن ترى سيناريو أسوأ الحالات وهو يتحقق، لأسباب ليس أقلها تأثير ذلك على الأصدقاء والحلفاء.
ويضيف: “لا تريد البلدان في جميع أنحاء الجنوب العالمي أن ترى انهيارا اقتصاديا عالميا -لأنه إذا كانت هناك حرب إقليمية، فإن هذا هو ما سيحدث. إذا تورط الأميركيون، دعنا نقل، وضربوا إيران، فإن جميع تلك الدول التي تستضيف القواعد الأميركية في منطقة الخليج سوف ينظر إليها على أنها معادية. كل منشآت النفط والغاز هذه سوف تختفي. وفي العراق، سيتم اجتياح الأميركيين. والاقتصاد العالمي سوف ينهار”.
إذا تمكنت ميليشيا مثل الحوثيين من فرض سيطرتها على البحر الأحمر خلال الأشهر القليلة الماضية (وهو ما دفع ميناء إيلات الرئيسي في إسرائيل على البحر الأحمر إلى إعلان إفلاسه مؤخرا)، فلك أن تتخيل ما يمكن أن تفعله قوة كبرى مثل إيران بالخليج الفارسي/ العربي في الرد على هجوم أميركي.
ما الاحتمالات لحدوث كل هذا؟ الجزء الأول شبه مؤكد: يعرف الإيرانيون و”حزب الله” أنهم إذا لم يردوا بقوة على الهجمات التي شنتها إسرائيل على طهران وبيروت، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ستواصلان القيام بهجمات مماثلة على العواصم والأراضي في جميع أنحاء المنطقة. سوف تكون إيران بصدد حساب كم يجب أن تكون الضربة قوية لتحقيق الردع -لوضع حد لشعور إسرائيل بالحصانة والإفلات من العقاب- ولكن ليس قوية جداً بحيث تجعل حربًا كبرى تنشأ بحكم الضرورة. هل ستفهم إسرائيل الرسالة؟ هل ستختار الولايات المتحدة التعقل على الجنون؟
الجزء غير المعروف هو كم سيكون الهجوم الإيراني مستهدفًا، كم سيكون عدد القتلى، وما الأصول التي سيتم ضربها، والأهم من ذلك كله هل سينفذ الإسرائيليون ضربة مضادة؟ يفترض معظم الناس في الغرب أن القوة المشتركة المدمرة للولايات المتحدة وإسرائيل هي التي ستسود. ربما. ومع ذلك، يقول بعض خبراء الدفاع إن لدى إيران الآن تكنولوجيا صواريخ، بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، بكميات كافية للقضاء على كل سفينة وقاعدة عسكرية أميركية في المنطقة. وهذا هو آخر شيء يريده الإيرانيون لأنهم يعرفون جيدا ما الذي يستطيع الجانب الآخر القيام به أيضا. يقول ترامب إنه لو كان رئيسا وقامت إيران بمهاجمة إسرائيل، فإنه سيمحو البلد الذي يبلغ عدد سكانه 80 مليون نسمة من الخريطة.
ولكن إذا انضمت الولايات المتحدة إلى القتال بحماقة، فسوف يضطر الإيرانيون، من واقع الضرورة، إلى توجيه ضربة -وهذا بدوره سيعرض للخطر كل الدول والحكومات في المنطقة التي تساند للولايات المتحدة، والتي لا تتمتع أي منها بدعم واسع النطاق بين شعوبها التي تغضب بشدة مما يحدث في غزة.
على الجبهة اللبنانية، سيكون الخطر الحقيقي، كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في حزيران (يونيو)، هو أن تحاول إسرائيل والولايات المتحدة أن تفعلا بلبنان ما تفعلانه بغزة. وهنا تأتي تركيا: قد يستلزم هجوم يُشن على لبنان دخول تركيا إلى الحرب.
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال مؤخرًا: “تركيا تقف إلى جانب شعب ودولة لبنان الشقيق. وأنا أدعو البلدان الأخرى في المنطقة إلى الوقوف في تضامن مع لبنان”. وأضاف: “إن خطط نتنياهو لنشر الحرب في المنطقة سوف تؤدي إلى كارثة كبيرة”، مضيفًا أن الدعم الغربي لإسرائيل “مثير للشفقة”.
يعتقد البعض أن أردوغان يتبجح فحسب، وهو افتراض محفوف بالمخاطر. والتهديد وحده كفيل بأن يثير الذعر ويجعل الرؤوس تدور. لا يقتصر الأمر على أن تركيا تمتلك أكبر جيش في المنطقة فحسب؛ إنها عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وإذا هاجمت الولايات المتحدة لبنان بالتنسيق مع الإسرائيليين، فقد نشهد ما لا يمكن تصوره: دولتين عضوين في حلف شمال الأطلسي على جانبي حرب كبرى! وسوف تتحول عقود من السياسة الخارجية الأميركية إلى أشلاء.
يقول تشارلز فريمان، السفير الأميركي السابق لدى المملكة العربية السعودية، وهو يهز رأسه في رعب:
“ليس لدى السيد نتنياهو أي طريق للخروج من الهاوية التي قاد بلاده إليها. لا تستطيع إسرائيل أن تفعل الكثير من دون دعمنا، ومع ذلك أعطيناها شيكاً مفتوحاً على بياض. وما تزال إسرائيل تقاوم بحزم إيلاء أي اهتمام للمصالح الأميركية مقارنة بمصالحها الخاصة. إسرائيل في الأساس هي عبء ثقيل يحيط برقبتنا”.
ويثير البروفيسور جون ميرشايمر خطراً آخر يهدد ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية الأميركية.
يقول ميرشايمر: “يجب أن تتذكر أنك إذا هاجمت إيران حقاً، فإن من شأن ذلك أن يعطي طهران حافزاً قوياً جداً لحيازة أسلحة نووية”. كما يشير أيضًا إلى المزيد من ردود الفعل السلبية من جانب الولايات المتحدة التي تفشل في إدارة علاقات مهمة. فقد تدفقت الطائرات العسكرية الروسية والخبراء الروس إلى إيران لتقديم الدعم بأشكال لا نستطيع سوى أن نتكهن بها فحسب. وسوف تنظر روسيا إلى أي هجوم أميركي على إيران باعتباره تهديداً استراتيجياً لها هي نفسها.
يقول ميرشايمر: “إننا ندفع الصينيين والروس والإيرانيين والكوريين الشماليين إلى التقارب أكثر فأكثر. إنه ’محور مقاومة‘ على نطاق عالمي، ولا يوجد أي دليل على أن هذا سيتغير في أي وقت قريب. هذا بالتأكيد ليس في مصلحتنا”.
لا أحد، لا أحد على الإطلاق سينتصر إذا اندلعت الحرب. وسوف تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية هائلة عن كارثة قادمة لأنها سمحت لإسرائيل بأن تصبح دولة إبادة جماعية، ودولة فصل عنصري، ومحتلة وحشية، ولص أرض بأبعاد أولمبية، وعصابة تروع المنطقة بأكملها. إن انتصار إسرائيل -الاستيلاء على دفة السياسة الخارجية الأميركية عبر جماعات الضغط الإسرائيلية- قد يثبت في نهاية المطاف أنه قاتل لمصالحها الخاصة.
لا بد أن تتخلى الحكومات في الغرب، مثل تلك في أستراليا ونيوزيلندا، عن موقفها الحالي الخاضع لولايات متحدة عسكريتارية عاجزة، وأن تصر على تفعيل خيار الدبلوماسية، وإنهاء الإبادة الجماعية الجارية في غزة واحتلال الدولة الإسرائيلية غير الشرعي لفلسطين، وأخيراً، الاحترام الحقيقي للقانون الدولي.
*يوجين دويل Eugene Doyle: كاتب مقيم في العاصمة النيوزيلندية ويلينغتون. كتب على نطاق واسع عن الشرق الأوسط، فضلاً عن قضايا السلام والأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهو يستضيف منصة السياسة العامة solid.co.nz.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Will Iran Strike Israel?
- الغد