تمثل القمة فرصة للمساعدة في خلق بيئة مواتية لإقامة دولة فلسطينية
جاءت المبادرة التي أعلنت عنها المملكة العربية السعودية في 28 سبتمبر/أيلول لإنشاء تحالف عالمي لتنفيذ حل الدولتين في توقيت مثالي. فقد مضى نحو عام على المأساة المروعة التي تشهدها غزة، وخلال هذا العام تراجع الدعم الشعبي لحل الدولتين بين الفلسطينيين، سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في الشتات. وبالمثل، قل عدد الإسرائيليين الذين يؤمنون بهذا الحل.
البديل الذي اكتسب دعما متزايدا هو حل الدولة الواحدة، والذي قد يكون السبيل الوحيد لتحقيق السلام والطمأنينة لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك، تكمن المشكلة في غياب رؤية مشتركة لهذا الحل، حيث توجد في الواقع رؤيتان متناقضتان تماما.
الرؤية الأولى هي الرؤية الإسرائيلية، والتي تعني بشكل أساسي دولة لليهود الإسرائيليين تمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وتشمل الضفة الغربية وربما أجزاء من غزة. وسيتمكن الفلسطينيون الذين يختارون البقاء هناك من العيش فيها، ولكن كمواطنين من الدرجة الثانية بحقوق محدودة جدا، أو كمقيمين يتمتعون بدرجة أدنى من الحقوق، ما يعني في جوهره إقامة دولة بنظام فصل عنصري.
أما الرؤية الثانية، فهي الرؤية الفلسطينية التي تتصور دولة ديمقراطية يعيش فيها العرب واليهود كمواطنين متساوين في الحقوق. غير أن هذا بالنسبة للإسرائيليين يعني نهاية إسرائيل كدولة يهودية.
لا ينبغي السماح للرؤية الإسرائيلية بالنجاح، إذ سيكون من غير المقبول أن يسمح المجتمع الدولي بدولة تقوم على نظام الفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين، بعد أن رفضه بشدة في جنوب أفريقيا في القرن العشرين. أما الرؤية الفلسطينية، فهي غير قابلة للتنفيذ في الأجلين القصير والمتوسط.
وفد القمة العربية – الاسلامية في موسكو في 21 نوفمبر 2023
الخيار العملي الوحيد اليوم الذي يضمن للشعب الفلسطيني ممارسة حقه الثابت في تقرير المصير وإنشاء دولته الخاصة بجانب إسرائيل هو حل الدولتين. وستحدد العلاقات بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل وطبيعة التفاعل بين شعبيهما مدى إمكانية تحقيق حل الدولة الواحدة على المدى البعيد.
سيكون من غير المقبول أن يسمح المجتمع الدولي بدولة تقوم على نظام الفصل العنصري في القرن الحادي والعشرين
وهنا تبرز أهمية التحالف العالمي، حيث يُعد الوسيلة الأكثر فعالية لحشد الدعم الدولي من أجل إقامة دولة فلسطينية. وتكتسب هذه المبادرة أهمية خاصة في ضوء إعلان نتنياهو عن نيته إعادة تشكيل المنطقة.
فلسطينيون وسط الانقاض بعد غارة اسرائيلية على جباليا في شمال قطاع غزة في 10 نوفمبر
وعلى الرغم من أن نتنياهو كان غامضا بشأن خططه، فإنه يمكن استنتاجها من الإجراءات التي اتخذها خلال العام الماضي. وإليكم هذا الشرح:
أولا، يعتزم نتنياهو جعل غزة منطقة غير صالحة للسكن لفترة طويلة، مما يدفع معظم فلسطينيي القطاع للبحث عن الحياة في مكان آخر، وأيضا لضمان إخلاء المنطقة الواقعة شمال ممر نتساريم تماما من سكانها. وهذا يعني ترك الثلث الشمالي من غزة، القريب من المناطق المكتظة بالسكان في إسرائيل، مفتوحا للاستيطان أو للسيطرة العسكرية.
ثانيا، يسعى نتنياهو للقضاء على القدرات العسكرية لـ”حزب الله” من خلال فرض السيطرة العسكرية، سواء المباشرة أو غير المباشرة، على جنوب لبنان على الأقل حتى نهر الليطاني.
ثالثا، يتطلب تحقيق هذين الهدفين القضاء على أي تهديدات متصورة من كل من سوريا والعراق. إلا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تحييد إيران بطريقة أو بأخرى، ما يستلزم إثارة صراع مباشر أملا في أن يؤدي ذلك إلى ديناميكية لتغيير النظام في طهران.
يدرك نتنياهو أن مثل هذه النتيجة غير ممكنة دون جر الولايات المتحدة نحو هذا الصراع، وهي سياسة يسعى إليها بلا كلل منذ عام 2003 دون نجاح.
ومع اقتراب تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة، يُتوقع أن تتخذ الإدارة الجمهورية الجديدة موقفا صارما تجاه طهران. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان سيشرك الولايات المتحدة مباشرة في أي صراع، بما في ذلك مع إيران.
السمة الثابتة في سياسة ترمب الخارجية هي الإعراض عن توريط الجنود الأميركيين في صراعات مسلحة. ومن الممكن أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات عسكرية عن بُعد، كما شهدنا في الهجمات الصاروخية على سوريا في 2017 و2018، وكما حدث في عمليات اغتيال القادة مثل مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، في 2020.
مع اقتراب تولي دونالد ترمب الرئاسة في الولايات المتحدة، يُتوقع أن تتخذ الإدارة الجمهورية الجديدة موقفا صارما تجاه طهران
باختصار، لا يمكن استبعاد احتمال أن تتخذ الولايات المتحدة تحت إدارة ترمب إجراءات عدائية عملية- تتجاوز ما فعلته إدارة بايدن- لدعم الهجمات الإسرائيلية ضد إيران.
ومع تولي ترمب الرئاسة، من غير المرجح أن تضع واشنطن قيودا على إسرائيل. بل من المتوقع أن نشهد مزيدا من التحركات الأميركية لدعم سياسات نتنياهو.
لقد اتخذ ترمب، أكثر من أي رئيس أميركي آخر، خطوات لدعم السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى فرض الرؤية الإسرائيلية لحل الدولة الواحدة كأمر واقع. فقد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية، وأعلن عن “عقيدة بومبيو” التي تفيد بأن إسرائيل ليست قوة احتلال في يهودا والسامرة، وأوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ووقع قانون “تايلور فورس” الذي أوقف المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، وأغلق بعثة فلسطين في واشنطن العاصمة، ووقّع أمرا تنفيذيا لمكافحة معاداة السامية. وأخيرا، انسحب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” (الاتفاق النووي الإيراني)، وهو ما كان نتنياهو يطالب به منذ عام 2015.
ومن المؤكد أن المزيد من الخطوات في هذا الاتجاه واردة. فقد صرح ترمب بأن مساحة إسرائيل الحالية صغيرة جدا لاستيعاب سكانها، وأعرب عن رغبته في أن تنهي إسرائيل مهمتها في غزة، كما أنه يريد أن تنتهي الصراعات في كل من غزة ولبنان قبل توليه منصبه، مما يعطي الانطباع بأنه لا يمانع في دعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
ويبقى أن نرى كيف ستترجم هذه التصريحات إلى سياسات، ولكن من المؤكد أن نتنياهو سيضع ترمب تحت الاختبار.
ومن هنا تأتي أهمية دور التحالف العالمي. وعلى الرغم من أن التحالف يضم الاتحاد الأوروبي والنرويج، إلا أن جوهره يتمثل في الدول العربية والإسلامية. وهنا تكمن أهمية قمة الدول العربية والإسلامية المزمع عقدها في الرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
جانب من مشاركة الأمير فيصل بن فرحان في جلسة لمجلس الأمن بنيويورك
وبينما يعد إنشاء دولة فلسطينية الهدف الأسمى للقمة، فإن تحقيقه يتطلب تحديد أهداف ملموسة للاجتماع القادم. الهدف الأول هو إيجاد بيئة دولية داعمة لدولة فلسطينية يصعب على الإدارة القادمة برئاسة ترمب تجاهلها. أما الثاني فهو الحاجة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطوات عملية محددة يمكن للدول الأوروبية الأعضاء في التحالف العالمي المشاركة فيها، مع تشجيع بلدان من مختلف أنحاء العالم على الانضمام أيضا. قد لا يكون انضمام جميع الدول ممكنا، ولكن يكفي انضمام بعضها على الأقل.
هناك الكثير من التدابير الممكنة لتحقيق هذا الهدف. وأترك للجهات الأكثر تخصصا تقييم مدى عمليتها وفعاليتها في السياق الدولي الحالي. سأكتفي بتقديم بعض المقترحات كعينة، آملا أن تساهم في تحقيق هذا الغرض.
من بين هذه التدابير: تشجيع الدول على الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وتعليق عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة (راجعوا مقالتي المنشورة في “المجلة” بتاريخ 3 نوفمبر)، واتخاذ خطوات إضافية نحو منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعم “الأونروا” (خاصة وأن الإدارة الجديدة قد تعود إلى ممارسة سياسة وقف تمويل المنظمة)، واستخدام نفوذهم لتسريع عملية إصدار المحكمة الجنائية الدولية لأوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وبما أن الولايات المتحدة سترد على بعض هذه التدابير بوقف مساهماتها في ميزانيتي الأمم المتحدة و”الأونروا”، ستحتاج الدول الأعضاء إلى التفكير في كيفية تعويض النقص في التمويل.
وهذا الأمر ضروري وعاجل بشكل خاص في ضوء التطورات الأخيرة في المحكمة الجنائية الدولية، حيث لا يزال الفريق القضائي المعني بدراسة طلب المدعي العام الدولي لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين يماطل لأكثر من خمسة أشهر، بينما صدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي في غضون 22 يوما فقط. الانسحاب المفاجئ وغير المبرر للقاضية الرومانية واستبدالها بأخرى من سلوفينيا، سبق أن دافعت علنا عن إسرائيل، يزيد من الغموض.
علاوة على ذلك، يجب اتخاذ خطوات استباقية لمواجهة العقوبات المحتملة التي قد تفرضها إدارة ترمب الجديدة على المدعي العام كريم خان، كما حدث سابقا مع المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا. فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بنسودا بسبب تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بجرائم حرب ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان، وكذلك في نظر المحكمة بأفعال القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
باختصار، تمثل القمة المقبلة فرصة لا ينبغي تفويتها للمساعدة في خلق بيئة مبرمة مواتية لإقامة دولة فلسطينية.
- المجلة