سورية لن تبقى ملفّاً لا يُلتفتُ إليه في الإدارة الأميركية، أيّاً تكن، فلا شيء أدعى للاهتمام أكثر من أنها معركة في حرب إسرائيلية إيرانية تدور رحاها، بدءاً من طوفان غزة، وصولاً إلى العراق، مروراً بالحرب على أذرُع الأخطبوط في لبنان واليمن وسورية، وهي الحدّ الفاصل والواصل في الصراع بين مشروعين يتعايشان سرّاً منذ عقود، بينما تغيُّر مرتكزات اللعبة واستمرارها وتثميرها، يقضي، طوعاً أو كرهاً، بانزياح أحدهما.
فكلّ الأطراف المشاركة في صراعات منطقتنا، ترى في سورية باب فتح صراعات وإقفال أخرى؛ لما لها من تأثير جيوسياسي على مجمل ما يُعَدّ من خرائط ما يُسمى “الشرق الأوسط الجديد”! والإدارة الأمريكية الجديدة تعي ذلك قبل غيرها، من خطّ أوباما الأحمر الذي فتح الساحة السورية لتصفية الحسابات والمقايضات والابتزازات والتعويضات والتخادمات، إلى ترمب الذي أمِن السوريون بوصفه الأسد بالحيوان، وها هو ذا يسرّب نواياه لمشاركة الحيوان ذاته فيما سينفّذ من سياسات في المنطقة مستقبلاً، إذ وجد فيه شريكاً لمحطة جديدة تضمن تنفيذ ما تريده إسرائيل حاضراً ومستقبلاً، وهو مَن أثبت إخلاصه في حماية حدودها!
ترمب2 ومَن سبقه، ومَن سيلحقه، من الرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين، يقوم بتنفيذ إستراتيجية أميركية معتمَدة مسبقاً، بأدوات جديدة، تمنحها نكهة موسومة به، فكيف سيكون الحال مع ترمب المتعطّش لخدمة إسرائيل؟ غالباً سيتناول الملفّ السوري برعاية نتنياهو، العامل على قطع طريق تهريب السلاح لحزب الله، والراجح أن ترمب2 قد يميّع قانون قيصر– الذي وقّعه ترمب1- لصالح انتعاش النظام، وإرضاءً لسياسة التجريب العربية المشروطة في التعامل مع النظام، عبر تحقيق قطع طريق الكبتاغون، والتخفيف أو التخلّص من سيطرة المشروع الإيراني، وأخيراً جرّ الأسدية لحلّ القضية السورية بما “يتماشى” والقرار 2254.
ترمب2 يطمح لإيجاد شريك ضامن لحماية حلفائه” قسد ” بعد سحب القوات الأميركية من سورية، وليس أقدر وآمن من النظام للقيام بذلك، و”قسد” صنيعته قبل انخراطها في خدمة التحالف الدولي ضدّ “داعش” وحسب، وبين قسد والنظام اتصالات ومفاوضات وصفقات بمباركة إيرانية حيناً، ودفع روسي أحياناً، وغضّ نظر أميركي طوراً، وغضب تركي أطواراً.
ترمب2 قد يكون فألَ خير تتوسّمه الأسدية، وهي المتعايشة على بهلوانيات اللعب على تناقضات المتصارعين، وتوازنات ومتغيّرات تحالفات المنطقة، وجني الثمار صورةً جديدة، تنتشر في ” الميديا ” لمجرم حرب، ومتّهم بجرائم ضد الإنسانية، وشهبندر تجارة الكبتاغون، وكبير سفّاحي العصر، وقد حجز لنفسه الصدارة في مقدّمة القتَلة المتوحِّشين والمهجِّرين المتعطِّشين للدماء والدمار والعنف، وفي الوقت ذاته تُفتح بوابات العالم لاستقباله في بلاد العرب والعجم!
ترمب2 العائد للملفّ السوري، قد يقصف الشعيرات، وقد يمنع التطبيع مع النظام، وقد يكرّر تجربة قاسم سليماني، وقد يزيد تعداد قواته في سورية، وقد يدعم بعض المعارضات السورية، وقد يوقّع قانوناً باسم “قيصر” جديد، وهو عينه قد يمنح الضوء الأخضر لأصدقائه يفعلون في الشمال السوري ما يطمئنهم، وقد يهدي نتنياهو منطقة عازلة من الأرض السورية تبدأ بالقصير ولا تنتهي بالسويداء، وقد يمدّ الحبل لمقايضاته مع روسيا وتركيا وإيران وإسرائيل، وهو القادر على كل شيء بعد فوزه الكاسح في الانتخابات الأخيرة.
ترمب2 في سورية، لن يكون إلا ضامناً لأمن ومصالح إسرائيل، كغيره من رؤساء الإدارات الأميركية السابقين واللاحقين، ولكنه الأكثر فعلاً، ولأنه يحبّ المستبدّين، فلا ريب في تقريب أكثرهم وحشيّة، وتلميعه وتقديمه نمطاً وظيفياً لمسوخ في صدارة المشهد العربي اليوم، وما يُستَشَفُّ إبقاؤه على ضعفه، مفيداً ومطاوعاً للسيناريوات المنسجمة مع الرؤية الأميركية الإسرائيلية، بل جزء من خارطة الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده إسرائيل.
ترمب2 لا يختلف عن ترمب1، ولكن السوريّين لن يكونوا نسخة عمّا سبق! لقد تعاظمت معاناتهم، وزادت خبراتهم، وأدركوا سُبل وصولهم أهداف ثورتهم، والمنافحة عن قضيتهم، والمتابعة لتحقيق سورية الحرّة الموحّدة المدنية الديمقراطية، دولة القانون والمواطنة.
- رئيس التحرير