ما مواقف الأطراف السورية والخارجية
شنت “هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة، مدعومة من تركيا، هجوما مفاجئا شمال غربي سوريا وصولا إلى مدينة حلب ثاني أكبر مدينة في البلاد، وذلك في أول تغيير لخطوط التماس بين “الدويلات الثلاث” في البلاد منذ نحو خمس سنوات.
ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أراد قبل وصول الرئيس دونالد ترمب، الإفادة من ضعف إيران و”حزب الله” في سوريا وانشغال روسيا في حرب أوكرانيا، لفرض وقائع جديدة كما فعل سابقا في ناغورنو كارباخ وليبيا.
لماذا فتحت أنقرة هذه المعركة؟ ما مواقف الأطراف السورية والقوى الخارجية؟
1- “ثلاث دويلات”: منذ اتفاق الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين لتثبيت هدنة إدلب في مارس/آذار 2020 بعد أشهر على اتفاقات مشابهة بين أميركا وتركيا وروسيا لرسم الخطوط شرق الفرات، أصبحت سوريا (185 ألف كلم مربع) مقسمة عمليا إلى ثلاث مناطق نفوذ: واحدة تشكل حوالي 65 في المئة وتسيطر عليها الحكومة بدعم روسي وإيراني. ثانية، تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركا وتبلغ حوالي 25 في المئة من سوريا. والثالثة، تقع شمالي سوريا وشمالها الغربي، وتسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” وفصائل تدعمها تركيا.
وقد حصلت مناوشات وغارات، لكن خطوط التماس بقيت ثابتة بين “الدويلات الثلاث”.
2- الدور التركي: أنقرة تقدم الدعم لفصائل سورية و”هيئة تحرير الشام” عسكريا واستخباراتيا، كما أن هناك جنودا من تركيا ونقاطا عسكرية وآليات وبنية تحتية تركية موجودة في الجيوب الجغرافية شمالي البلاد. وهذه العملية التي سميت “ردع العدوان”، لا يمكن أن تتم دون موافقة أنقرة.
ويقول مطلعون على موقف أنقرة، إن أردوغان أراد من دعم العملية العسكرية الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد الذي رفض لقاءه قبل إعلان التزام انسحاب الجيش التركي من سوريا، وتطويق “قسد” والإفادة من الضعف الإيراني وتراجع “حزب الله”. ويشيرون إلى أن أردوغان يريد تحسين موقفه التفاوضي قبل وصول ترمب، مشبهين ما يحصل حاليا بدعم حكومة طرابلس في ليبيا وأذربيجان في إقليم ناغورني كارباخ.
وكان أردوغان قد أنجز صفقة مع بوتين في نهاية 2016 سمحت لقوات الحكومة السورية باستعادة أحياء شرق حلب مقابل تقطيع تركيا أوصال كيان كردي شمالي سوريا. ومذاك، أصبحت حلب تحت سيطرة قوات دمشق.
وقالت الخارجية التركية الجمعة إن الاشتباكات “أدت إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوتر في المنطقة”، مشيرة إلى أن أنقرة حذرت من أن الهجمات الأخيرة على إدلب، وهي منطقة تسيطر عليها المعارضة، تقوض روح اتفاقيات خفض التصعيد وتعرقل تنفيذها.
يأتي الهجوم على حلب، وسط قناعة بأن الرئيس الأسد قرر الابتعاد جزئيا عن إيران وكان واضحا أنه اتخذ موقفا محاديا من حرب غزة والحرب بين إسرائيل و”حزب الله”، وبين تل أبيب وطهران
3- روسيا: تأخر الجيش الروسي في شن غارات على مواقع “هيئة تحرير الشام” والفصائل. واعتبر المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الجمعة أن الوضع في حلب “انتهاك لسيادة سوريا”. وأعرب عن دعم بلاده “للحكومة السورية في استعادة النظام بالمنطقة وإعادة النظام الدستوري”.
يتأرجح تفسير التأخر الروسي، بين رغبة بوتين ربما في الضغط على الأسد لقبول لقاء أردوغان، أو أن روسيا مشغولة في حرب أوكرانيا وأنها سحبت كثيرا من قوات “فاغنر” إلى حربها الأساسية في خاصرتها المجاورة. وهناك توقعات في دمشق، بأن يبدأ الطيران الروسي، السبت، بشن غارات مكثفة.
عناصر من فصائل مسلحة على تخوم حلب في 29 نوفمبر
4- إيران: هجوم “هيئة تحرير الشام” والفصائل اقتحم مقرات لميليشيات وتنظيمات إيرانية في ريف حلب الغربي، وقتل ضابط كبير من “الحرس الثوري”، علما أن إسرائيل قصفت مواقع إيران و”حزب الله” في ريف إدلب يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني، في أول قصف من نوعه منذ بدء النزاع في سوريا.
يأتي الهجوم على حلب، وسط قناعة بأن الرئيس الأسد قرر الابتعاد جزئيا عن إيران وكان واضحا أنه اتخذ موقفا محايدا من حرب غزة والحرب بين إسرائيل و”حزب الله”، وبين تل أبيب وطهران. وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيان له “على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب”، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ. وكان عراقجي قد اعتبر أن التطورات الميدانية في سوريا “مخطط أميركي صهيوني لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم (إسرائيل) أمام المقاومة”.
وقد تحدثت أنباء عن نية تنظيمات عراقية وإيرانية بالإعداد للتوجه إلى ريف حلب لصد هجوم الفصائل و”هيئة تحرير الشام”. وقد تأخذ طهران من “معركة حلب”، مدخلا لتأكيد أهمية وجودها العسكري في سوريا.
أعرب مسؤولون في “قوات سوريا الديمقراطية” عن قلقهم من عودة ترمب الذي كان قد سحب بعض قواته من مناطقهم نهاية 2019، ما أدى إلى توغل قوات موالية لتركيا
5- دمشق: وصلت تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب. وتحدث البعض عن حوالى 50 الف عنصر. ويقول موالون لدمشق إن الجيش سيتخذ من الهجوم على حلب مبررا كي يشن هجوما واسعا بدعم جوي لاستعادة المدينة والتقدم في عمق مناطق معارضة شمال غربي سوريا. ويرى مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن، أن الجيش السوري لم يكن مستعدا أبدا لهذا الهجوم. وأعرب عن استغرابه للضربات الكبيرة التي يتلقاها الجيش السوري على الرغم من الغطاء الجوي الروسي. وتساءل: “هل كانوا يعتمدون على (حزب الله) المنهمك حاليا في لبنان؟”.
رجل قرب عربة مدمرة تابعة للجيش السوري في خان العسل في ريف حلب في 29 نوفمبر
6- “قسد”: أعرب مسؤولون في “قوات سوريا الديمقراطية” عن قلقهم من عودة ترمب الذي كان قد سحب بعض قواته من مناطقهم نهاية 2019، ما أدى إلى توغل قوات موالية لتركيا. ويتخوفون من تكرار السيناريو ذاته بين ترمب وأردوغان.
لم تصدر مواقف واضحة من قيادة “قسد” التي تدين بالعداء لـ”هيئة تحرير الشام” وتركيا، علما أن الفصائل طوقت مناطق تحت سيطرة “قسد” في ريف حلب وسط قلق الأخيرة من عمليات تركية عسكرية في شرق الفرات.
لاشك ان هجوم الفصائل كان مباغتا في توقيته وسرعة وصولها الى حلب وتراجع قوات الحكومة السورية، ولاشك ان دمشق ستسعى مع موسكو وطهران لاستعادة ثاني أكبر مدينة سورية وان الكلفة البشرية ستكون هائلة.
هل تعود “خطوط التماس” الى ما كانت عليه قبل 28 نوفمبر عبر تثبت هدنة بوتين-أردوغان؟ أم سوريا اما واقع عسكري جديد بحكم التطورات الأقليمية والدولية؟
- المجلة