عمت الفرحة قلوب معظم السوريين، فرحة أشبه بالشفاء من مرض خطير أو سرطان، تحقق أمل طال انتظاره لعقود بسقوط نظام الأسد، وعادت سوريا مُعافاة مُنتعشة الكرامة تحطمت تماثيل المُستبيدين (حافظ وبشار) وأي فرحة والفضائيات تنقل صور تمزيق صور بشار الأسد، وأقدام تدوس رأس التمثال (الذي كان يرزح على صدور السوريين كجبل ـ تمثال حافظ الأسد ـ أن نرى مدينة اللاذقية واغلبيتها من الطائفة العلوية الكريمة تشارك في الاحتفالات وترقص فوق أشلاء التمثال. فرح نقي كماء الزهر كما لو أن الربيع أتى في كانون الأول/ ديسمبر، أجل عاد الربيع العربي بأجمل صوره وبسهولة غير متوقعة، الغصة التي بقيت في قلوب السوريين، والمرارة والغضب أن المجرم هرب بالمليارات التي حصلها من دم الشعب السوري ومن تجارة الكابتاغون، هو فعلاً (ملك ملوك إسرائيل) كما وصفته الصحف الإسرائيلية الكثيرة. لا ننكر أن بعض السوريين الذين دخل الخوف في جيناتهم الوراثية (طوال أكثر من خمسين عاماً من حكم الأسدين) قد ارتبكوا وقلقوا من هذا التغيير السريع وبدؤوا يتساءلون، أي مرحلة مقبلة لسوريا تنتظرهم؟ وهل ستُطبق الشريعة الإسلامية ؟ هل سيتم منع الكحول، هل سيتم فرض الحجاب على كل النساء؟ تساؤلات ومخاوف يُمكن أن نجد لها ما يبررها، لكن حتى اللحظة الشعب السوري سعيد، والمنتصرون الجدد يتعاملون بلطف واحترام مع الناس وهم ضد سفك الدماء، ويؤكدون للناس أن حياتهم وأملاكهم في الحفظ والصون، في كل الأحوال يجب على السوريين أن ينتظروا، أن يعطوا هؤلاء القادة الجدد فرصة، فمن المستحيل أن تشفى سوريا من آلامها، ولا تزال تربتها ندية بدماء أبنائها بين ليلة وضحاها، الطريق طويل، والأهم استئصال الخوف والتوجس من نفوس الناس، لأن قاتل الحرية هو الخوف، البعض مستعجل على حصول انتخابات حرة وتشكيل الحكومة، أيضاً (خاصة الأخوة المسيحيين) طار صوابهم من فكرة منع الكحول (على أساس كأس بيرة أو نبيذ جوهر الدين المسيحي) وكل الانتهاكات المُروعة التي تعرضوا لها في حكم الأسدين ما عادت موضوعاً للنقاش، بل المهم الآن الكحول (قليل من الخمر ينعش قلب الإنسان) يا لها من قضية جوهرية تجاه قضايا تنوعات القهر والاستبداد والابتزار وموت الآلاف تحت التعذيب معظمهم من الشباب والنساء والأطفال، أي فرح أن تعود سوريا حرة كريمة وليست سوريا الأسد.
وكل السوريين يتمنون محاكمة المجرم بشار الأسد صاحب الخطابات الأشبه بالهلوسة (ما يُخيب الأمل فعلاً أن هناك بعض السوريين موالين للسفاح بشار الأسد، إحداهن وهي مثقفة (يجب إعادة تعريف المثقف) قالت عن المنتصرين الجدد بقيادة الجولاني (أحمد الشرع) إنهم (انتداب جديد) (في رأيها انتداب الجولاني)، إحدى السوريات تصرخ في فيديو صوّرته أن بشار الأسد سيبقى أسداً وسيعود إلى سوريا منتصراً ليقضي على كل الخونة وأنه (في رأيها تم تخديره ونقله رهينة إلى روسيا) وطلبت من الشعب السوري أن يحرر القائد الفذ ويدفع الرهينة لاستعادة قائده المخطوف، أي على كل مواطن سوري أن يتخلى عن البطاقة الذكية للحصول على خبز لا يؤكل، ويجمع المال لتحرير قائده المخطوف مع ملياراته في روسيا.
كل ما ذُكر لا يساوي قشة تجاه العار والخزي من موقف اتحاد الكتاب العرب الذين فتحوا مركز عزاء لرحيل الأسد! خبر صادم كطعنة خنجر في القلب، خبر يُمكن أن يتسبب في سكته قلبية أو دماغية، الكتابة الصادقة كما قال كامو: الكتابة شرف، أي الانحياز إلى الحقيقة والدفاع عن المظلومين ومن ماتوا تحت التعذيب، وعن هجرة ثلث الشعب السوري بسبب الدمار الهائل الذي سببه ملك البراميل المتفجرة بمساعدة إيران وروسيا، من ينتبه إلى المحاضرات التي كان يلقيها ثلة من عديمي الضمير الانتهازيين من أعضاء اتحاد الكتاب العرب، لن يجد أي محاضرة تحكي عن معاناة الشعب السوري، ولا محاضرة تحكي عن نسبة الفقر التي تجاوزت تسعين في المئة، ولا عن أزمة الكهرباء والماء والمواصلات والدواء، وانعدام الحرية، حتى لا توجد محاضرة عن البطاقة الذكية ملك سيدة الياسمين، والشركة القابضة وغيرها، التي كانت تشتري حذاء بعشرة آلاف يورو ثم تجمع مئات من الشبان المُعوقين وتشكرهم على حبهم للوطن والأخ القائد، ولا تعطيهم أي تعويض مادي، تكفيهم رائحة عطرها الفخم. أكثر من نصف قرن يا كتاب السفاح وانتم تدافعون عنه وتلقون محاضرات في فكره المعتوه، وتقيمون نشاطات أدبية تافهة بعناوين عجيبة غريبة لا تمت بصلة لواقع الإنسان السوري، الذي لم يعد يقوى على تحمل المزيد من القهر، أثبت الطب أن القهر المديد يسبب توقف القلب.
السؤال الآن (معظم أعضاء اتحاد الكتاب العرب) بعد سقوط نظام الأسد، ولم يبق صغير ولا كبير ولا مقمط في السرير إلا وفرح، اللاذقية تحولت إلى عرس كبير حقيقي من الفرح، أيها الكتاب بأي عقلية ولا إنسانية وكل الاحتقار للشعب السوري المُبتهج بخلاصه من حكم الأسدين، اللذين دمرا الأمل في النفوس وشوهوا سوريا ذلك أنهم يكرهون البشر والحجر، بأي منطق يثير الغثيان تفتحون مراكز اتحاد الكتاب العرب مراكز عزاء حزناً على رحيل بشار الأسد! كم كنا أغبياء حين تخيلنا أن هؤلاء الكتاب سيجدون فرصة انهيار نظام الأسد ليغيروا مواقفهم ويعتذروا للشعب السوري، ويقبلون أقدام السوريين عسى أن يسامحوهم على تخاذلهم وخياناتهم، فإذا بهم أمعنوا في الخيانة الوضيعة وبقي ولاؤهم للمجرم قاتل شعبه! معظم ثورات العالم ضد الاستبداد حركها مثقفون شجعان بكتاباتهم وشجاعتهم، بثوا روح الكرامة والأمل والشجاعة في نفوس الناس، فانتفضوا في ثورات أوصلتهم للحرية، المثقف إن لم يحرك البحيرة الآسنة الراكدة في حياة الناس، ويُنير لهم طريق مستقبل مشرق بالكرامة والحرية والديمقراطية، يجب أن تنزع عنه صفة مثقف، لأن الثقافة موقف حق وشجاع ومحارب للظلم. أحد أعضاء اتحاد الكتاب العرب وهو يحتل وظيفة مهمة كتب حين صافح بشار الأسد حين استلم حكم سوريا أنه (أي الكاتب) شعر بالقداسة وهو يصافح بشار الأسد!
القداسة لا نشعر بها إلا مع الله عز وجل ومع الأنبياء، أي نفوس وضيعة عديمة الكرامة
لدى هؤلاء من يسمون أنفسهم كتاباً، ومن حين لآخر يُطلقون مسابقات أدباء الشباب يحصرون المسابقة في أدب المقاومة، يا للسخرية، كم ساهمت سوريا في دعم فلسطين خاصة غزة، كان ممنوعاً في الإعلام السوري النطق بكلمة (حماس) لأن النظام السوري يختلف معها، يجب استعمال (الفصائل الإسلامية).
لا شك أن معظم الشعب السوري يتمنى محاسبة هؤلاء الذين يسمون أنفسهم كتاباً.
عاشت سوريا حرة كريمة ديمقراطية.
كاتبة سورية
- القدس العربي