دمشق- “القدس العربي”: في إطار التحرك الدبلوماسي للإدارة الجديدة في دمشق تجاه المحيط العربي، أنهى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني جولة إقليمية بدأت بزيارة السعودية ومن ثم قطر والإمارات العربية المتحدة، وصولا إلى الأردن، حيث تتطلع وزارة الخارجية في الإدارة السورية بحسب تصريحات رسمية إلى مساهمة هذه الزيارات بنسج سياسات مشتركة تدعم الأمن والاستقرار والانتعاش الاقتصادي وبناء شراكات متميزة مع جيرانها ودول المنطقة.
وتأتي هذه الجولة التي ضمت وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني ووزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة أنس خطاب، بينما تتواتر زيارات الوفود الدبلوماسية الغربية إلى دمشق، وسط دعوات لإرساء الاستقرار وإشراك كل مكونات الشعب السوري في العملية السياسية المقبلة.
وأكد وزير الخارجية السوري، خلال زيارته إلى الأردن، أن الإدارة السورية الجديدة تحاول الإيفاء بالتزاماتها، وبناء علاقات إيجابية مع المملكة، مبينا حرص الإدارة على استعادة سوريا دورها الفاعل.
وصرّح الشيباني من السعودية أن المملكة أبدت استعدادها للمشاركة بنهضة سوريا ودعم وحدتها وسلامة أراضيها. كما كشف من قطر عن عقد اتفاقات استراتيجية من شأنها إحداث تعاف سريع في سوريا، لا سيما على مستوى تقديم الخدمات الأساسية، وذلك في أعقاب محادثات في الدوحة، مع وزير الدولة القطري محمد بن عبد العزيز الخليفي. وطالب الشيباني من هناك الولايات المتحدة برفع عقوبات فرضتها على دمشق في عهد الأسد.
وخلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة، أكد الشيباني تطلع الإدارة الجديدة لتعزيز التعاون والتنسيق بين البلدين في مختلف المجالات، وذلك في وقت أعربت فيه أبوظبي عن قلقها حيال القيادة الجديدة في سوريا التي وصلت إلى السلطة بعد هروب الأسد.
واعتبر مراقبون رصدوا نتائج هذه الجولة أنها مهدت الطريق لـ”انفتاح عربي ومقدمة لشراكة استراتيجية” مع الإدارة السورية الجديدة.
فقد اعتبر السفير السوري السابق بسام العمادي في حديث مع “القدس العربي” أن هدف الزيارة التي أجراها الشيباني فتح علاقات جديدة وتقويتها مع الدول العربية.
ومن أهم بنود تلك الزيارة، بحسب السفير السابق، “إرسال التطمينات لتلك الدول بأن سوريا لن تكون مصدر قلق أو إساءة لأي من تلك الدول أو غيرها، كما كان النظام البائد يشكل خطراً عليها من خلال علاقته الوثيقة بإيران، وتنفيذ مخططاتها الهادفة للتسلل إلى الدول والمجتمعات العربية من خلال التشيع وإرسال الأسلحة والمخدرات إليها كخطوة أولى للسيطرة عليها، كما سيطرت إيران على لبنان والعراق من قبل”.
كذلك، تضمنت التطمينات، وفق العمادي، بنداً هاماً وهو أن “القيادة السورية لن تسعى لتصدير الثورة إلى الدول المجاورة، وأنها غير معنية بنشر إيديولوجية ما خارج سوريا، بل أن ما تنوي فعله هو الاهتمام بإعادة بناء سوريا، ورفع مستوى الحياة فيها وتزويد شعبها بالحاجات الأساسية التي حرمه منها النظام البائد، وفي هذا الإطار أتت مناشدات الوفد لتلك الدول لتقديم المساعدة الممكنة لسوريا لإنجاز تلك المهمة الصعبة التي تواجهها القيادة الجديدة. كذلك بين الوفد للدول الشقيقة بأن سوريا دولة محورية وهامة في المنطقة، وأن عودتها القوية إلى الصف العربي هي من مصلحة الدول العربية جمعاء، وأنها لن تدخل في أي محور في المنطقة وليس لها نية في معاداة أي طرف فيها ضد أي طرف آخر”.
كما ركز الوفد “على أهمية الدعم الذي يمكن أن تقدمه تلك الدول من خلال علاقاتها الدولية لرفع العقوبات عن سوريا لتتمكن من اللحاق بركب دول المجتمع الدولي، ذلك ان العقوبات تقف مانعا في طريق تقدم سوريا وإخراجها من الوضع الصعب الذي أوصلها إليه النظام البائد”.
واعتبر أن تجاوب الدول كان جيداً مع تلك الزيارة، مستدركا القول: “لا يخفى أن بعض الدول كان لديها خشية من التوجهات المحتملة للقيادة الجديدة في سوريا نظراً لوضع بعض رموزها على لائحة الإرهاب الأمريكية، وأيديولوجيتها الإسلامية، في الوقت الذي تحارب فيه بعض تلك الدول الحركات الإسلامية داخل وخارج دولها”.
وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، قال الثلاثاء، بعد لقاء مع الشيباني، إن الأردن وسوريا اتفقا على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين حدودهما ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات.
وقال الصفدي “الإرث الذي تحمله الإدارة السورية الجديدة ليس سهلا، وعلى الجميع التحلي بالصبر”.
كما ذكر أنه سيتم تشكيل لجان مشتركة بين البلدين “في مجالات الطاقة والصحة والتجارة والمياه”، مشيرا إلى استعداد بلاده لتزويد سوريا بالكهرباء والغاز، مشددا على أن “استقرار سوريا هو عامل استقرار للأردن”.
وعلى ضوء ما تقدم، اعتبر الباحث لدى مركز مشارق ومغارب عباس شريفة، في حديث مع “القدس العربي” أن مجرد الزيارة والتصريحات الإيجابية التي تلت الزيارة لكل من السعودية والأردن وقطر والإمارات، تؤكد أن هناك دعما سياسيا وإنسانيا، وهي مقدمة لشراكة استراتيجية.
ورأى أن “هذه الدول تبدو مقتنعة فعلا بالإدارة الجديدة وأنها قادرة على توحيد سوريا وإدارة عملية انتقالية سياسية تؤدي إلى استقرار سياسي في سوريا وبناء شراكات في المستقبل”.
وعبّر الباحث السياسي أن الزيارة واضح في دلالتها السياسية إلى انتقال سوريا بشكل استراتيجي من المحور الإيراني إلى المحور العربي، هذا بشكل أساسي، ولكن ضمن المحور العربي هناك أيضا تفاصيل، يعني الملفات التي بحثت في قطر تختلف عن تلك التي طرحت على طاولة النقاش في الإمارات أو الأردن، مضيفا أن “هناك أيضا ملفات مشتركة، مثل الأمن والاقتصاد والتطمينات حول سير العملية الانتقالية ربما تكون على رأس الملفات التي تم بحثها، فضلا عن أهمية الملف الأمني وقضية نشاط الجماعات المتشددة في سوريا، وتأمين الحدود، وهي ملفات تم تناولها بشكل أساسي، إلى جانب والمساعدات الإنسانية الذي يعتبر من الملفات الهامة”.
وهنا يشغل الأردن خصوصية، وبحسب رؤية المتحدث، بقضية معبر النصيب الذي يعتبر شريان حياة الأردن وأكبر معبر للتبادل التجاري، فإنه كان على رأس القائمة أيضا حركة الطيران بين دمشق وعمان وتأمين الحدود الأردنية، وقضية ربط الكهرباء كلها ملفات كانت حاضرة.
وبرأيه فإن الزيارة تشير إلى اعتراف في الإدارة الجديدة في سوريا، من قبل هذه الدول، كما أنه هدفها بناء الثقة ثم الانتقال إلى بناء جسور التعاون.
وبينما تتخذ الإمارات موقفا “حذرا” بشأن الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة، سيبقى بحسب الباحث والمستشار السياسي د.باسل الحاج جاسم موقفها “رهينة الأفعال والأقوال”.
وفي هذا الإطار، قال الحاج جاسم لـ “القدس العربي”: اليوم معظم الدول تراقب التحركات والأقوال والأفعال الصادرة عن قيادة سوريا الجديدة، و قد نكون أمام مرحلة جس نبض من كل الأطراف لبعضها البعض، لكن يحسب لكل الدول العربية التي زارها الوفد السوري انها أيضا تريد بدء صفحة جديدة مع سوريا، بعيدا عن ماضي الميليشيات والدمار و الكبتاغون.
وحول قراءته لنتائج جولة وزير الخارجية والوفد المرافق، اعتبر الباحث السياسي أن اختيار دول الخليج العربي كأول زيارة خارجية هو اختيار موفق وناجح، لأن “السعودية والإمارات وقطر دول لها وزن في المنطقة والعالم و يمكنها دعم القيادة السورية السياسية الجديدة في المحافل الدولية والمساهمة في رفع العقوبات عن سوريا ولو جزئيا أو تدريجيا، والأردن كذلك دولة مهمة لسورية فهي دولة جارة و بوابة سوريا نحو الخليج.
وبرأيه فإن هناك إدراكا لدى كل مواطن سوري بأهمية العمق العربي، بسبب المصالح المتبادلة، و”دول الخليج ذات اقتصادات كبيرة و غنية بموارد الطاقة ويمكن أن تدعم سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، و كذلك سوريا سوق واعدة للاستثمارات الخليجية في البنية التحتية وقطاع الطاقة و الزراعة، كما يمكن أن يكون هناك تعاون أمني و بإمكان دول الخليج أن تساهم في تدريب الكوادر الأمنية السورية الجديدة لمواجهة التحديات والمخاطر المشتركة”.
ومن جهة التطمينات التي قدمها الوفد السوري، قال المتحدث: لا شك أنه قدم تطمينات للأشقاء في الخليج أن سوريا الجديدة لن تكون في أي تحالف معادي لأي دولة عربية، و أراضيها لن تكون ساحة لأي اعمال تضر بالدول العربية.