دمشق – «القدس العربي»: تواصل الإدارة العسكرية، جمع السلاح في سوريا، بينما قالت مصادر رسمية سورية، أمس الإثنين، إن وزير الدفاع ورئيس الأركان توافقا مع معظم الفصائل السورية على هيكل وزارة الدفاع الجديدة، كما توصلت القيادة العسكرية لاتفاق مع فصائل الجيش الوطني شمال سوريا بشأن خطة للانضمام.
ورفضت وزارة الدفاع السورية، حسب الوكالة الرسمية «سانا»، أي طرح يعطي خصوصية طائفية أو دينية أو مناطقية لأي فصيل مسلح، مشيرة إلى أن «الضباط في الجيش السوري الحر سيكون لهم وضع خاص في هيكلية وزارة الدفاع للاستفادة من خبرتهم».
وتعمل الوزارة السورية، حسب المصدر، على تكوين جيش محترف قائم على المتطوعين بدلا من الخدمة الإجبارية.
ومع انهيار جيش نظام الأسد، وفرض الإدارة السورية الجديدة نفسها كسلطة بديلة، طفت على السطح قضية إعادة بناء المؤسسة العسكرية في سوريا كخطوة أساسية لاستعادة الأمن وضبط السلاح، في ظل وجود عشرات الفصائل العسكرية المنتشرة على الرقعة السورية، الأمر الذي يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول الفرص لولادة جيش موحد، والتحديات التي تحول دون تحقيق هذا الاندماج.
وبينما أعلنت فصائل محلية استعدادها لتسليم السلاح للسلطة الحالية لبناء جيش سوريا الجديد، رفضت فصائل مسلحة في درعا ومجموعات في السويداء تسليم السلاح، حيث تواصلت «القدس العربي» مع نائب القيادي الفيلق الخامس المدعوم من روسيا، أحمد العودة، الذي اعتذر عن الكشف عن موقفه من الاندماج في جيش سوري موحد، كما رفض صهره رجل الأعمال السوري في الإمارات المتحدة الدكتور خالد المحاميد الحديث بالأمر، وهو عضو منصة موسكو في هيئة التفاوض سابقا.
ويعرف العودة بقربه من الجانب الروسي وقد أشرف بنفسه على اتفاق التسوية عام 2018، مع موسكو، التي باتت آنذاك اليد الضاربة في تلك المحافظة.
كما أن الأمر لم يصل إلى المنطقة الأغنى بالثروات في شمال شرقي البلاد حيث تفرض «قوات سوريا الديموقراطية» سيطرتها على المنطقة هناك، وترفض تسليمها حتى الانتهاء من المحاصصة على النفط وتسمية ألوية محددة خاصة لها في الجيش.
عوامل إيجابية
وحول التحديات التي تقف أمام عملية دمج الفصائل في جيش سوري موحد، ومصير ومواقف الفصائل من فكرة الاندماج.
يقول الباحث في الشؤون العسكرية النقيب رشيد الحوراني لـ «القدس العربي» إن كبرى فصائل السويداء (حركة رجال الكرامة، ولواء الجبل، وتجمع أحرار الجبل) أعلنت استعدادها للاندماج في الجيش السوري، لكن هناك فصائل أخرى في السويداء تفضل العمل وحدها.
لكنه اعتبر أن هذه المجموعات، سوف تتقلص وينتهي دورها مع مرور الأيام لأسباب عديدة حسب المتحدث، وهي: أنها تقوم على التطوع من أبناء المجتمع المحلي لظروف استثنائية، لم تعد قائمة اليوم، إضافة إلى توقف دعمها الذي كان يصلها من تبرعات المجتمع المحلي في السويداء أو من الخارج، وأخذ الفصائل المندمجة مع الجيش الجديد دورها في حفظ الأمن، ووجود غطاء إقليمي ودولي للإدارة الجديدة في دمشق بهدف ضبط المشهد الفصائلي والتحول إلى جيش مركزي منضبط له دوره في ضبط الأمن داخليا وخارجيا.
أحمد العودة المقرب من روسيا يرفض كشف موقفه… و«قسد» تطالب بألوية خاصة
وينطبق الأمر نفسه، حسب النقيب المنشق عن جيش النظام، على عدة جهات عسكرية في درعا، لافتا إلى أن وزارة الدفاع التي انتهت من وضع اللجان التي ستعمل على إعداد هيكلة الجيش ترفض من أي خصوصية مناطقية أو دينية أو عرقية ضمن الجيش، كما أنها «سوف تتعامل مع الجهات التي ترفض الانضواء تحت مظلة وزارة الدفاع بسن قانون يضع محددات استخدام السلاح، وإضعافها بالتدريج من خلال تنامي دور الوحدات التي تتبع للوزارة».
التحديات القائمة
ورغم العوامل التي يمكن أن تساعد في تسريع عملية الدمج، إلا أن دمج تشكيل جيش موحد ينضوي تحت وزارة الدفاع، سيواجه الكثير من التحديات اختصرها الباحث في الشؤون العسكرية عمار فرهود لـ «القدس العربي» بثلاثة تحديات رئيسية.
الأول وفق رأيه، في درعا، بسبب وجود بعض التشكيلات التي كانت مرتبطة بروسيا وغير مرتبطة بإيران لكن عناصرها من عناصر الثورة وشاركت في دخول مدينة دمشق. الثاني هو أن تشكيلات درعا احتربت داخليا بعد مصالحة عام 2018 وضمان عدم تكرار هذا الاحتراب غير مضمون.
الثالث «استمرار حالة العشائرية داخل المحافظة ما زال موجودا وخاصة مع عدم نزوح ثوار درعا إلى الشمال السوري ومعايشتهم لوقائع فصائل متنوعة المشارب الفكرية والجغرافية اندمجت في مكون عسكري واحد كهيئة تحرير الشام أو الجيش الوطني السوري ولذلك هناك حالة من الانغلاق الداخلي يجعل من الصعب عليهم هضم مسألة الاندماج بسهولة خاصة مع بعض الغموض الذي يلتف حول طرح الوزارة الجديد».
وفي ما يخص السويداء يقول فرهود: «التشكيلات العسكرية هناك هي امتداد لمشروع سياسي قائم على تحصيل حقوق للسويداء من العاصمة دمشق لمنع تهميشها مرة أخرى اضافة لمنع دخول قوى من خارج السويداء الى المحافظة بحجة أن أبناء السويداء هم الأقدر على ضبط الأمن فيها».
مشروع عابر للحدود
وحول موقف «قسد» فالأمر أكثر تعقيدا، حسب فرهود وذلك «لوجود مشروع سياسي عابر للحدود (حزب العمال الكردستاني) وهو ذو قدرة على التأثير بالقرار السيادي لقسد وهذا الحزب يحمل مشروعا ليس سوريا، إضافة لوجود لاعب دولي مع قسد هو التحالف الدولي بقيادة أمريكا وهذا اللاعب له أيضا سلطة على قرار قسد الاستراتيجي وله أيضا مصالحه الخاصة داخل الاراضي السورية والتي قد لا تتلاقى مع المصلحة السورية العليا التي تغلبها الإدارة الجديدة في دمشق. أيضا لا يجب إغفال المكون العربي والعشائري في المنطقة الشرقية والمنقسم بين داعم لقسد وبين داعم للإدارة في دمشق».
وهو ما اتفق معه الباحث السياسي الدكتور أحمد القربي الذي اعتبر أنه من المبكر الحديث عن اندماج الفصائل كليا «لأنها عملية معقدة طويلة، وهي قضية ربما تستمر من سنتين إلى ثلاث سنوات»، لافتا إلى أبرز التحديات هي «العصبية المناطقية» الموجودة لدى فصائل درعا والسويداء.
وقال لـ «القدس العربي» إن العصبية المناطقية المتواجدة لدى فصائل درعا والسويداء، هي إحدى أهم العوائق أمام اندماج الفصائل منذ عام 2013 وحتى الآن، والأمر الثاني هو إمكانية التدخل الخارجي، وهو عائق أساسي أثر أيضا منذ 2013 على اندماج الفصائل المحلية وقتئذ.
وفي حالة درعا على وجه الخصوص، اعتبر القربي أن فصائل درعا سوف تطرح مقابل قضية اندماجها في جيش موحد نوع المحاصصة.
فقدان أو تحقيق مكاسب
وتحدث الباحث السياسي عن مخاوف هذه الفصائل من فقدان المكتسبات، حيث تخشى بعض قادة الفصائل من أن يؤدي الدمج إلى فقدانهم نفوذهم ومكتسباتهم التي حققوها خلال السنوات الماضية، لاسيما وأن لغالبية الفصائل تاريخا من الصدامات مع بعضها بسبب الصراع على النفوذ، مما قد يجعل مسألة الثقة فيما بينها تحديا يحتاج تقديم ضمانات بعدم تجاوز مكتسباتها، وألا يكون نزع السلاح منها فرصة لتقوية فصيل على حساب آخر.
في المقابل، قد تكون، حسب المتحدث، موافقة بعض الفصائل على الانضمام إلى وزارة الدفاع مدفوعة برغبتها في تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية تضمن لها موقعا مؤثرا داخل المؤسسة العسكرية مستقبلا، وهذا التوجه قد يأتي من إدراك تلك الفصائل أهمية وجودها في الجيش السوري الجديد كوسيلة لتعزيز نفوذها.
وهو ما قد يثير، «مخاوف من أن يتحول الاندماج إلى ساحة صراع داخلي على النفوذ، بدلا من أن يكون خطوة نحو بناء مؤسسة عسكرية متماسكة تقوم على أسس وطنية».
تأثيرات خارجية
ويتحقق عامل التأثيرات الخارجية لدى مجموعات عسكرية، من أبرزها حسب الباحث السياسي الدكتور أحمد القربي: فصائل جنوب غربي سوريا، والتي لا تتبع فعليا لإدارة العمليات في دمشق، حيث أبدت بعض المجموعات في درعا موافقة على الاندماج وتسليم السلاح الثقيل، على عكس القيادي أحمد العودة المعروف بتبعيته للجانب الروسي، والإماراتي، حيث لم يبد موقفه من قضية الاندماج رغم أنه التقى الشرع، قبل أيام. وفق المتحدث الذي اعتبر أن ذلك يشير إلى أن الموقف الصادر من بعض الفصائل حول الاندماج لا يعبر عن كل التكتلات العسكرية في المنطقة الجنوبية.
وبالنسبة لفصائل السويداء، فقد أشار قائد «تجمع أحرار جبل العرب» في السويداء إلى أن شروط السويداء هي إقامة دولة ديمقراطية مدنية، وأن الشرع رحب بهذا الموضوع، ولكن مع ذلك أبدى المتحدث تخوفه من استخدام إسرائيل كورقة حماية الأقلية الدرزية ذريعة للتوغل في المنطقة.
كما يتواجد جيش سوريا الحرة، في قاعدة التنف إلى جانب القوات الأمريكية، وبعد عمليات التحرير في سوريا شارك في السيطرة على عدد من المناطق الاستراتيجية في البادية السورية، ولم يُدعَ للاجتماع الأخير مع قادة الفصائل، ومع ارتباطه بالدعم الأمريكي والتوجهات بالحرب على داعش فقط فإن قرار نزع السلاح من الفصيل ربما يُشكل تحديا.
فصائل الشمال
وحول وضع فصائل الجيش الوطني السوري شمالا، والتي تتلقى دعما من الجانب التركي، وتخوض معارك مع قوات سوريا الديموقراطية، قال القربي: إنها قد تعرقل عملية تسليم السلاح والانضمام إلى وزارة الدفاع، لاسيما وأن تركيا مُصرة على إنهاء قسد وتهديداتها على الحدود السورية – التركية، بينما لم يظهر الشرع رغبة في قتال مع الميليشيا، معتبرا أن ذلك يعني أن الجيش الوطني السوري قد يكون خارج وزارة الدفاع إلى حين الانتهاء من ملف قسد تماما.
كما أشار المتحدث إلى شروط «قسد» حيال عملية الاندماج، والتي اقترحت «حصة في شكل الحكم المقبل» حيث استبعد المتحدث الطرح، معتبرا أنه سوف «يصطدم برفض شعبي نظرا للجرائم الكثيرة التي قامت بها، ولمساندتها قوات نظام الأسد مرارا، فضلا عن رفض تركي لأي دور لقسد في مستقبل سوريا الجديدة» مما يجعل ملفها مؤجلا إلى حين قدوم إدارة ترامب
- القدس العربي