المبادئ الأساسية للمرحلة الانتقالية في سوريا – رؤية للسيناريوهات والخيارات الدستورية المختلفة

وحدة عمل سياسات سوريا

article
    • 1.د. ابراهيم دراجي، «الآباء الدستوريون»، حكايات سياسية ودستورية من أعمال الجمعية التأسيسية للدستور السوري الأول بعد الاستقلال- دستور 1950، شركة بستان هشام، 2021.
      2.من هذه الدراسات: «سوريا: خيارات لانتقال سياسي»، دراسة غير منشورة خاصة بمعهد كارتر. «خطة التحول الديمقراطي في سوريا»، دراسة صادرة عن بيت الخبرة السوري والمركز السوري للدراسات الاستراتيجية والسياسية، 2023.
      3.بالاستناد إلى ورقة «قطاع الدستور» التي تم إنتاجها في مشروع الاجندة الوطنية لمستقبل سوريا 2015.

تدعو الجمهورية.نت جميع أصحاب المشاريع السياسية الديمقراطية، سواء كانت أحزاباً أو مبادرات أو حركات أو هيئات مدنية، للتعريف بمشاريعهم على صفحاتها، ومُشاركة رؤيتهم بشأن اللحظة الراهنة بعد سقوط نظام الأسد، وبشأن أولويات عملية الانتقال السياسي.

لا تتبنى الجمهورية.نت أياً من هذه الطروحات والمبادرات بشكل حزبي أو حصري، بل تهتم بتعزيز قيم الحوار والمُراكمة على أسس ديمقراطية تعددية وتوافقية جامعة.

* * * * *

عن المجموعة

صبيحة سقوط نظام الأسد وانتصار ثورة الشعب السوري في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024، التقينا كما التقى كثيرون وكثيرات لنسأل أنفسنا: ماذا نفعل الآن؟ أتى اليوم الذي انتظرناه وعملنا لأجله لسنوات، أتى بسرعة خاطفة فاقت توقعات الجميع. بشكل عفوي جمعنا أنفسنا ودارت بيننا أحاديث يملؤها الحماس والفرح والترقُّب والتحليل والتساؤل، ثم قررنا: سنفعل ما باستطاعتنا، كلٌّ من حيث يُقيم أو تُقيم، خارج سوريا وداخلها، لتوظيف قدراتنا وخبراتنا ومعارفنا، التي اكتسبناها من العمل على مدار سنوات عديدة في منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الأكاديمية والمدنية والسياسية، في خدمة هذه المرحلة التاريخية.

مَن نحن؟ أطلقنا على أنفسنا اسم وحدة عمل سياسات سوريا؛ مجموعة سوريون وسوريات لديهم ولديهنّ رؤية مشتركة لبناء سوريا ديمقراطية موحدة وذات سيادة على كافة أراضيها، تتمسّك بالمساواة على أساس المواطنة وسيادة القانون والشرعة الدولية لحقوق الإنسان. لدينا أمل كبير في مستقبل البلاد. وبصفتنا مجموعة تطوعية مهتمة بتحليل السياسات والمناصرة على حد سواء، فإننا نتطلّعُ إلى التواصل مع السوريات والسوريين الذين يشاركوننا رؤيتنا، سواء كانوا أفراداً أو منظمات، من أجل تعزيز جهودنا وأصواتنا والاستفادة من الخبرات السورية الغنية والمتنوعة داخل البلاد وخارجها.

كما نقول في سوريا «من الآخر»، بدأنا كزملاء لدينا خبرة مشتركة في العمل على صياغة وتصميم السياسات والاستراتيجيات العامة في العديد من المجالات والقطاعات التنموية وخاصة المرتبطة بالحالة السورية. جَمَعَنا عملُنا المشترك على رسم سياسات لمستقبل سوريا في مجموعات مختلفة منذ بدء الثورة عام 2011، كما تجمعنا اليوم غايتنا المتمثلة في خدمة سوريا والمساهمة بما نملكه من خبرات في بناء المستقبل المنشود.

نحن ندرك حجم التحديات الهائل على المَديَين القصير والمتوسط، فاللحظة الحالية تُمثّل فرصة غير مسبوقة للتغيير الإيجابي، إلا أن التحديات كبيرة وشديدة التعقيد. إنَّ إدراكنا لاحتمال حدوث انتكاسات أو ظهور خطوط صدع جديدة على طريق التعافي الكامل، يجعلنا نضع نصب أعيننا أولوية تفادي رسم سياسات قد تُؤجِّجُ الصراع مرة أخرى، ونركز على السياسات التي تدعم بناء دولة القانون والمواطنة.

ولهذا الغرض، قمنا بصياغة ورقة تهدف إلى تقديم موقف ورؤية حول المبادئ الأساسية للعملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، وذلك بالاستفادة من الدراسات والأوراق التي تم إنجازها في مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا. وتُركِّزُ الورقة في المقام الأول على التعقيدات والتحديات التي تكتنف عملية صياغة الدستور الدائم لسوريا، وتتناول السيناريوهات المختلفة والمسارات المحتملة والأكثر تداولاً التي يمكن اللجوء إليها خلال المرحلة الانتقالية للوصول إلى دستور دائم لسوريا وهي:

يتطرّق النص إلى مزايا ومخاطر كل من هذه السيناريوهات. تَخلُصُ الورقة إلى توصية وحدة عمل سياسات سوريا بتبني السيناريو الأول لما له من مزايا تفوق المخاطر، ولكونه يُعطي الفرصة والمساحة للقوى السياسية والمجتمعية للحوار وبناء عقد اجتماعي جديد يؤسس لإقامة دولة قانون ذات شرعية قوية، ويعزز مفهوم المواطنة، ويساهم في إحلال السلام المستدام بتفادي إعادة خلق بيئة الصراع، ويُفضي إلى القطع التام مع النظام السابق الذي تفرّدَ بالسلطة وأجرمَ بحق السوريين والسوريات.

تتضمّن الورقة توصيات أخرى وخمس أولويات مرحلية رئيسية متساوية في الأهمية هي التالية: وقفُ العمليات العسكرية في وعلى سوريا، إعادةُ بناء مؤسسات الأمن لحماية المواطنين ومنعُ الانفلات الأمني، تأمينُ الحاجات الأساسية والخدمية للناس، الإعلانُ الفوري عن خطة واضحة للعملية السياسية، والعملُ الفوري على تحفيز دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

نتمنى أن تكون الورقة والمواضيع والأفكار المذكورة فيها مفيدة ومُحفِّزة على الحوار وتبادُل الأفكار، الأمر الذي تعتبره وحدة العمل غاية في الأهمية في هذه اللحظة المفصلية. إننا ندرك أن هذه الفرصة الثمينة قد لا تأتي مجدداً، وأن بناء الوطن مسؤولية جماعية تتطلب من كل فرد أن يساهم بكل ما يملك من طاقة وإخلاص. لنجعل من هذه الفرصة حجرَ الأساس في بناء وطن العدل والمساواة والحرية، لنا وللأجيال القادمة.

كتبَ خالد البيطار هذه الورقة، وراجعها كلٌّ من: أحمد شيخ عبيد، باسل كغدو، جهاد يازجي، كريم خوندة، ماريا سالم، راتب أتاسي، د.علي خوندة، د.عمر ضاحي.

* * * * *

مقدمة

في يوم 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، انتصرت ثورة الشعب السوري، وشهدت البلاد تحولاً جذرياً بعد أن قادت هيئة تحرير الشام وعدد من الفصائل العسكرية عملية إسقاط النظام السوري السابق. وعلى الرغم من الفرح الشعبي الذي عمَّ السوريين والسوريات، تسودُ المرحلةَ الانتقاليةَ المقبلةَ حالةٌ من القلق والشكوك، داخلياً ودولياً، بسبب الغموض الذي يكتنف الخطوات القادمة.

تهدف هذه الورقة إلى تقديم موقف ورؤية واضحة حول المبادئ الأساسية للعملية السياسية خلال المرحلة الانتقالية في سوريا عبر تحليل أربعة سيناريوهات متداولة، مع التركيز على الفُرَص المتاحة والمخاطر المرتبطة بكل منها. لإنجاز هذه الورقة استفدنا من الدراسات والأوراق التي أُنجزت خلال مشروع الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا، والذي تم تنفيذه تحت مظلة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وجَمَعَ مئات السوريين والسوريات من مختلف الخبرات والاتجاهات.

المسار التأسيسي للدستور

يحدد المسار التأسيسي للدستور الآليات التي يتم اتباعها لصياغة دستور دائم للبلاد في المراحل الانتقالية، ويعرض المسار الإجرائي الخيارات الأربعة المتاحة للمسار التأسيسي للوثيقة الدستورية.

ويمرّ المسار التأسيسي للدستور بمرحلتين اثنتين: المرحلة الأولى مرحلة الحكم الانتقالي، وهي مرحلة مؤقتة يتم فيها إنشاءُ مرجعية وشرعية دستورية تحكم المرحلة الانتقالية، وخلقُ البيئة المناسبة لإطلاق عملية سياسية شاملة وتضمينية لكتابة دستور دائم للبلاد. هذه المرحلة المؤقتة هي حجر الأساس الذي ستُبنى عليه سوريا المستقبل، وفيها يُحدَّد شكل الدولة وأُسس الحكم. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة كتابة وصياغة الدستور الدائم للبلاد، والذي يكون عبارة عن صياغة للعقد الاجتماعي الجديد.

لقد قامت هيئة تحرير الشام بتعليق العمل بالدستور السوري، دستور عام 2012، إنما لم يتم الإعلان عن البديل الدستوري الذي سيحكم هذه المرحلة، الأمر الذي أدى إلى تعطيل الحالة الدستورية. هذه الحالة شبيهة بما مرت فيه سوريا بعد انقلاب حسني الزعيم عام 1949، حيث تم إيقاف العمل بدستور عام 1930 النافذ آنذاك دون أن يتم طرح بديل دستوري، وتمت إدارة البلاد بموجب قرارات ومراسيم فردية دون الخضوع للرقابة التي تضمنُها وتُنظّمها الدساتير القائمة1. وعليه تبرز المعضلة الدستورية التي تتركز الآن في نقطتين:

  1. تحديد البديل الدستوري الصالح للتطبيق إلى حين انجاز الدستور النهائي.
  2. تحديد آلية كتابة الدستور والجهة المسؤولة عن ذلك.

بمراجعة لعدد من آراء الخبراء وعدد من أوراق المشاريع للأمم المتحدة ومنظمات عملت على الشأن السوري خلال السنوات الـ12 الماضية حول الحلول الدستورية وآليات إنجاز دستور سوري جديد2، نجد أن الواقع يطرح أمامنا أربعة بدائل رئيسية وهي:

  1. العودة إلى خيار دستور عام 1950.
  2. الإبقاء على الدستور الحالي، دستور 2012، مع إدخال بعض التعديلات عليه.
  3. إعلان دستوري مؤقت.
  4. البدء الفوري بصياغة دستور دائم وطرحه للاستفتاء.

بالرغم من أن البدائل الأربعة أعلاه قد تبدو مختلفة أو حتى مُتعارضة، إلا أنها تصبُّ في اتجاه تأسيس الدولة، وتُحدِّدُ بالتالي شكل المرحلة الانتقالية. كما أن العامل المشترك الذي يربط بين البدائل الثلاثة الأولى هو إضفاء الشرعية القانونية والدستورية على كل الإجراءات التي يتمّ اتّخاذها خلال الفترة الانتقالية وما بعدها، وتفادي الوقوع في أخطاء دستورية ناجمة عن الفراغ الدستوري، والتي قد تؤدي إلى تقويض أُسس سلام مستدام في سوريا. كما أن البدائل الثلاثة الأولى تشترك في أنها تُساهم في التأسيس لبناء دولة القانون، وتُعطي الفرصة لممثلي السوريين والسوريات والقوى السياسية المختلفة للنقاش والحوار وتطوير الحلول المشتركة والمقبولة من الجميع، والمشاركة في صياغة أسس وآليات الحكم القادم وشكل الدولة المنشودة.

انطلاقاً من تلك البدائل، واعتماداً على توجهات السلطة القائمة في سوريا، تبرز سيناريوهات مختلفة لوضع آليات كتابة الدستور وتحديد الجهة المسؤولة عن ذلك. نستعرضُ هنا أربعة سيناريوهات مختلفة لآليات صياغة الدستور في البلد، الذي تديره هيئة تحرير الشام اليوم كسلطة مسيطرة اليوم عسكرياً وسياسياً، ونستعرض المزايا والمخاطر المرتبطة بكل منها.

السيناريوهات الأربعة للمرحلة الانتقالية3

السيناريو الأول

العودة إلى أحد الدساتير السابقة، كدستور (1950)، واعتماده كدستور مؤقت لمدة سنتين، يتم خلالهما دعوة القوى السياسية لعقد مؤتمر وطني وانتخاب هيئة تأسيسية مُمثِّلة لمكونات الشعب السوري والقوى السياسية المختلفة والمجتمع المدني من أجل صياغة الدستور.

المزايا:

  1. حل سريع: يُتيح هذا السيناريو اعتماد إطار دستوري مؤقت بسرعة دون الحاجة إلى صياغة دستور جديد تماماً.
  2. تهيئة للحوار الوطني: يُعطي هذا السيناريو فترة زمنية مدتها سنتان لإجراء حوار وطني شامل وانتخاب لجنة صياغة دستور دائم.
  3. تخفيف الضغوط وتهدئة الشارع والرأي العام: يُوفر الدستور المؤقت غطاءً قانونياً يُمكن أن يُخفّف من حدة القلق الداخلي، ويساهم في تهدئة الشارع وتخفيف الضغوطات الدولية.
  4. تجنُّب الفراغ الدستوري القانوني: يُسهم في استمرارية عمل مؤسسات الدولة وتجنُّب الفوضى خاصة داخل السلطة القضائية.
  5. خلق بيئة مناسبة للحوار: يساهم هذا السيناريو في خلق بيئة مناسبة لبدء حوارات بناءة، ويجعل من عملية عقد المؤتمر الوطني عملية سلسة، ويُمكِّن الهيئة التأسيسة من العمل بهدوء دون الاضطرار للعمل تحت ضغط الوقت.
  6. شرعية واسعة: إن وجود بديل دستوري قوي خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى البدء بعملية دستورية لصياغة الدستور الدائم، مع إشراك مختلف القوى السياسية في صياغة الدستور، يُعطي العملية الانتقالية مصداقية وشرعية كبيرة داخلية ودولية.
  7. تعزيز الوحدة الوطنية: التعاون بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية يُسهم في بناء دولة قائمة على المواطنة، ويعزز الوحدة الوطنية، ويساهم في بناء عقد اجتماعي متين.

المخاطر:

  1. قصور في الاستجابة: قد يكون الدستور المؤقت غير قادر على معالجة التحديات الخاصة بالمرحلة الانتقالية.
  2. عدم القبول الشعبي: قد يؤدي اختيار دستور 1950 إلى تعالي الأصوات المعترضة على شكل النظام البرلماني، ويضع السلطة أمام تحديات جديدة.
  3. إطالة أمد العملية: خطر أن تصبح المرحلة المؤقتةُ دائمةً دون تحقيق تقدم حقيقي في صياغة الدستور الدائم.

السيناريو الثاني

دعوة القوى السياسية لعقد مؤتمر وطني وانتخاب هيئة تأسيسية ممثلة للشعب السوري والقوى السياسية المختلفة والمجتمع المدني من أجل صياغة الدستور، مع الإبقاء على حالة الفراغ الدستوري لحين إنجاز الدستور.

المزايا:

  1. شرعية مُوسَّعة: إشراك مختلف القوى السياسية في صياغة الدستور يُعطي العملية الانتقالية مصداقية وشرعية كبيرة داخلية ودولية.
  2. تعزيز الوحدة الوطنية: التعاون بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية يُسهم في بناء دولة قائمة على المواطنة، ويعزز الوحدة الوطنية، ويساهم في بناء عقد اجتماعي متين.
  3. فرصة لتغيير الصورة: يقدِّم هذا السيناريو هيئةَ تحرير الشام والقوى المشاركة معها كقوى وطنية مسؤولة تُفضّل الحوار على الإقصاء، ويعزز مكانتها داخلياً ودولياً، ويمهد لها الطريق لممارسة دور سياسي كبير في سوريا وعلى المستوى الإقليمي.
  4. تفادي خطر الحرب الأهلية: إشراك الجميع في العملية الدستورية يُقلّل من احتمالية تفجُّر نزاعات داخلية، ويساهم في إحلال بيئة السلام المستدام بدلاً من بيئة الحرب، ويؤسس لدولة مستقرة قادرة على إدارة التعددية وإدارة الخلافات والاختلافات سياسياً، ويجعلها قادرة على خلق القنوات والحلول السياسية للنزاعات الداخلية.

المخاطر:

  1. تأخيرٌ في التنفيذ: قد تُؤدي الخلافات بين القوى السياسية إلى إبطاء العملية الانتقالية، حيث تستغرق النقاشات ومجموعات العمل والوصول إلى تفاهمات وتسويات حول عدد من القضايا الإشكالية وقتاً وجهداً كبيرين.
  2. فقدان السيطرة: قد تخرج الحوارات عن السيطرة وقد تصل إلى طرق مسدودة، مما يُهدّد عملية صياغة الدستور برمَّتها، ويُدخِل البلاد في أزمة دستورية طويلة الأمد.
  3. تحديات لوجستية وأمنية: جمع القوى السياسية المختلفة في بيئة مستقرة وآمنة يُمثل تحدياً كبيراً. كما أن تيسير الحوار بين مجموعة كبيرة من الناس ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى وجود عدد كبير من المُيسّرين، ووجود منهجية واضحة علمية قد تم اختبارها والتأكد من نجاعتها.

السيناريو الثالث

صياغة هيئة تحرير الشام مسودة دستور دائم بشكل منفرد، أو مع إجراء استشارات شكلية، مع تضمين الدستور مبادئ الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان.

المزايا:

  1. تعزيز الشرعية الدولية: الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة قد يؤدي إلى تحسين صورة هيئة تحرير الشام دولياً، ويُسهم في تغيير النظرة العدائية ضد القوى الإسلامية. كما أنه يساهم في البدء باستعادة الشرعية الدولية للحكومة في سوريا، وبدء رفع العقوبات عنها وبدء برامج إعادة الإعمار.
  2. السرعة: توفّر هذه الطريقة سرعة في إنهاء إشكاليات المرحلة الانتقالية، والمضي قدماً نحو مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية.
  3. طمأنة الشارع: تضمين الدستور مبادئَ المواطنة المتساوية تماماً لكافة السوريين والسوريات سيُعزز الوحدة الوطنية، ويخفف من التوترات المذهبية أو الطائفية الناجمة عن الفراغ الدستوري، ويَعرِضُ بديلاً عن تقديم ضمانات تقسيمية ومُحاصصات للمجموعات المذهبية والإثنية المختلفة.
  4. حفظ حقوق المرأة: وضمان مكتسباتها وفقاً لمبادئ المواطنة المتساوية يدعم النشاط السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويُعزّز فرص  تحقيق أهداف التنمية بفاعلية ويساهم بتعزيز السلم الأهلي في سوريا.

المخاطر:

  1. تشكيك داخلي وشرعية ضعيفة: سيؤدي تفرّدُ جهة واحدة بالسيطرة على عملية صياغة الدستور إلى معارضة العديد من الأطراف المتشددة داخل هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معه، وكذلك معارضة عدة جهات وأطراف سياسية ومجتمعية سورية داخل وخارج سوريا بسبب الإقصاء. بذلك سيكون هذا الدستور موضعاً للتشكيك في شرعيته، وقد كانت هذه إحدى أبرز العيوب في دستور عام 2012.
  2. ضبابية التنفيذ وضعف الالتزام: دون آليات تضمينية وشاملة وواضحة لصياغة وتنفيذ المبادئ الدستورية، قد يبقى الالتزام بالديمقراطية والمواطنة حبراً على ورق، ويُعرِّضُ عملية بناء دولة القانون للخطر قبل ولادتها.
  1. ضغوط خارجية: حتى مع الالتزام بمبادئ الديمقراطية والمواطنة، قد تُواجه السلطة ضغوطاً من أطراف دولية غير مقتنعة بمصداقيتها، وقد يُستخدَم هذا الوضع وسيلة لممارسة الضغوط السياسية على السلطة السياسية، بسبب رجاحة كفة الشرعية المستمدة من الخارج على الشرعية المستندة على إرادة الشعب.
  2. تهديد تحقيق استقرار داخلي: إن صياغة دستور بشكل منفرد وغير تضميني قد يُسهم في زعزعة  استقرار البلاد، وفي تهديد السلم الأهلي وزيادة احتمالات اندلاع صراعات جديدة مستقبلية.

السيناريو الرابع

صياغة دستور بشكل منفرد، أو بإجراء استشارات شكلية، لا يلتزم بمعايير حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية.

المزايا:

  1. تعزيز السيطرة: قد يُمكّنُ هذا السيناريو هيئة تحرير الشام من فرض رؤيتها الخاصة وبسط سيطرة سريعة على المدى القصير فقط.
  2. إرضاء الأطراف المتشددة: الالتزام ببرنامج سياسي متماسك قد يُعزز الولاء الداخلي بين الفصائل المتحالفة، ويحقق طموحاتها ويخفف من احتمال نشوب صراع على السلطة بينها في المستقبل.

المخاطر:

  1. تفاقم التوتر الداخلي: عدم الالتزام بحقوق الإنسان والمواطنة سيؤدي إلى تصاعد المعارضة الداخلية، ليس على المستوى السياسي فحسب، وإنما على المستوى الشعبي أيضاً، وقد يؤدي لاندلاع احتجاجات داخلية واسعة بما في ذلك في أوساط مؤيدي الثورة.
  2. العزلة الدولية: سيُعرقل ذلك رفع العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا، وقد يؤدي إلى فرض عقوبات جديدة وتعاظُم الضغوط الخارجية التي سيدفع ثمنها الشعب السوري.
  3. احتمال اندلاع حرب أهلية: تجاهل مبادئ المواطنة والمساواة قد يُغذي التوترات الطائفية والمناطقية والإثنية، ويُعيد البلاد إلى حالة من الفوضى يصعب التعامل معها، وقد تؤدي في النهاية إلى تهديد وحدة وسلامة الأراضي السورية وإلى تقويض إنجازات الإطاحة بالنظام السابق.
  4. فُرَص ضائعة: سيُعزز هذا السيناريو التصورات السلبية عن القوى السياسية الإسلامية وتجاربها في العالم، مما يُضيّع فرصة تاريخية لتقديم نموذج إيجابي وتعزيز صورتها عربياً وعالمياً.

توصيات

توصي وحدة عمل سياسات سوريا بتبني السيناريو الأول:

  1. نوصي بتبني السيناريو الأول لما له من مزايا تفوق المخاطر، ولأنه يؤسس لإقامة دولة قوية ذات شرعية كبيرة، ويعزز مفهوم المواطنة، ويساهم بإحلال السلام المُستدام بتفادي إعادة خلق بيئة الحرب، ويؤدي إلى القطع التام مع النظام السابق الذي تفرَّدَ بالسلطة وأجرمَ بحق السوريين والسوريات.
  2. إطلاق حوار وطني شامل: يجب أن تكون الخطوة الأولى هي دعوة جميع الأطراف السياسية والاجتماعية لمناقشة رؤية مشتركة للمرحلة الانتقالية.
  3. الالتزام بالشفافية: إعلان فوري لخطة واضحة للمرحلة الانتقالية وآليات تنفيذها لضمان الطمأنينة الداخلية والدولية.
  4. الاستفادة من الخبرات السورية والدولية: طلب دعم منظمات دولية وخبراء دستوريين لضمان صياغة دستور يُلبي المعايير العالمية، والاستفادة من كل الخبرات السورية المتاحة في الداخل والخارج.
  5. التخطيط والتنظيم: من أهم عوامل نجاح المرحلة الانتقالية هو وجود تخطيط وتنظيم جيد للمرحلة الانتقالية، قائم على الاستفادة من دروس الماضي وتوظيف الخبرات السورية والدولية لضمان نجاح التنفيذ بسلاسة وسهولة.
  6. الهيئة التأسيسية: سيُشكل تحديد مهام الهيئة التأسيسية وصلاحياتها وآليات عملها ومكوناتها وآليات اتخاذ القرار فيها تحدياً كبيراً.

الأولويات في المرحلة الحالية لسوريا

تمثل المرحلة الانتقالية في سوريا فترة حساسة تتطلب التركيز على خمس أولويات رئيسية متساوية في الأهمية:

  1. وقف العمليات العسكرية في وعلى سوريا: ضمان وقف إطلاق النار والالتزام به لمنع تصاعد العنف.
  2. الأمن العام: إعادة بناء مؤسسات الأمن لحماية المواطنين ومنع الانفلات الأمني.
  3. تأمين الحاجات الأساسية والخدمية للناس: ضمان توفير الغذاء والماء والكهرباء والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية الأساسية.
  4. الإعلان الفوري عن خطة واضحة للعملية السياسية: وضع خطة شاملة ومعلنة للمرحلة الانتقالية تشمل آليات الحوار الوطني وصياغة الدستور، مع ضمان دعم ورعاية أممية للعملية.
  5. العمل الفوري على تحفيز دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة.

هوامش:

1- العودة إلى أحد الدساتير السابقة، كدستور (1950)، واعتماده كدستور مؤقت لمدة سنتين، يتم خلالهما دعوة القوى السياسية لعقد مؤتمر وطني وانتخاب هيئة تأسيسية مُمثِّلة لمكونات الشعب السوري والقوى السياسية المختلفة والمجتمع المدني من أجل صياغة الدستور.

2- دعوة القوى السياسية لعقد مؤتمر وطني وانتخاب هيئة تأسيسية ممثلة للشعب السوري والقوى السياسية المختلفة والمجتمع المدني من أجل صياغة الدستور، مع الإبقاء على حالة الفراغ الدستوري لحين إنجاز الدستور.

3- صياغة هيئة تحرير الشام مسودة دستور دائم بشكل منفرد، أو مع إجراء استشارات شكلية، مع تضمين الدستور مبادئ الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان.

4- صياغة دستور بشكل منفرد، أو بإجراء استشارات شكلية، لا يلتزم بمعايير حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية.

  • الجمهورية نت
Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

فبراير 2025
س د ن ث أرب خ ج
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist