جنى بركات
انعكس المشهد التغييري في سوريا وتحرير السجون إيجاباً على المحتجزين في لبنان، إذ تأملوا باقتراب الإفراج عنهم، وفقاً للمتحدث باسم المساجين السوريين في سجن رومية.
“ازدحام الأولويات” لدى الحكومة الانتقالية السورية، حال دون وضع موقوفي الرأي السوريين في لبنان على سلّمها، وفق ما قاله متحدث باسم السجناء السوريين في سجن رومية، شرق بيروت، عن لسان الحكومة الجديدة.
بعد سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، فُتحت السجون في جميع المحافظات السورية، وأُطلق سراح جميع المحتجزين فيها، ومن بينهم قلة من اللبنانيين الذين أمضوا عقوداً في معتقلات الأسد.
انطلاقاً من ذلك، يطالب الموقوفون السوريون في لبنان بالإفراج عنهم، باعتبار أن سقوط النظام يعني زوال الاتهامات المرتبطة بالإرهاب، التي وُجّهت إليهم بسبب دعمهم المعارضة أو انتمائهم الى “الجيش الحرّ” المنشقّ حينها عن جيش النظام، وفقاً للمحامي محمد صبلوح.
لا يشمل الحديث الموقوفين بتهم السرقة أو الجرائم أو غيرها من الأحكام الجزائية، بل يقتصر على أولئك الذين سُجنوا بسبب آرائهم المعارضة للنظام السابق، أو الذين لجأوا إلى لبنان بعد انشقاقهم عن الجيش السوري، ويُقدَّر عددهم بحوالى 200 موقوف، وفقاً لصبلوح.
هاربون وجدوا أنفسهم سجناء!
يقول أحد السجناء لـ”درج” إنه تظاهر ضد الأسد في بدايات الثورة، ومع اندلاع الحرب اضطر لإرسال عائلته إلى لبنان، ليلتحق بهم، ومذاك وهو يقبع في السجن من دون أي محاكمة، مشيراً الى أن مخبراً للنظام السابق بلّغ عنه، ما أدى الى سجنه.
يؤكد سجين آخر أنه احتُجز بسبب مناصرته الثورة السورية فقط ومعارضته نظام “البراميل”، وهو أيضاً يقبع في سجن رومية منذ أعوام من دون محاكمة أو تهمة واضحة.
في هذا السياق، طرح الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، قضية “سجناء الرأي” في لبنان على طاولة التفاوض، خلال لقائه بالرئيس السابق للحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، إذ تعهّد الطرفان بمتابعة الملف عن كثب لضمان عودة الموقوفين إلى سوريا. ومع ذلك، لا يزال الملف عالقاً بين البلدين، بانتظار تعيين مسؤول من الجانب السوري لمعالجته، إلى جانب تشكيل لجنة متخصصة ضمن الحكومة الانتقالية.
المماطلة السوريّة
انعكس المشهد التغييري في سوريا وتحرير السجون إيجاباً على المحتجزين في لبنان، إذ تأملوا باقتراب الإفراج عنهم، وفقاً للمتحدث باسم المساجين السوريين في سجن رومية، أحمد (اسم مستعار).
حتى أن بعض الأهالي تظاهروا في دمشق للمطالبة بذويهم، والضغط على الحكومة السورية لتحريك الملف الراكد منذ أعوام، لتصدر الخارجية السورية، وبإيعاز من الشرع، بياناً نص على اتفاق لاسترداد المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية.
لكن حتى الآن، وعلى رغم التصريحات الصادرة من الجانبين اللبناني والسوري، لم تُتخذ أي خطوة فعّالة حيال الموضوع حتى الآن، بحسب أحمد. وأضاف: “لم تعيّن الحكومة السورية أي مسؤول لمتابعة الملف”، مؤكّداً في حديث مع “درج” أنه لم تتشكّل أي لجنة أيضاً.
يتابع أحمد الأمر مع عدد من المتطوعين والمتطوعات الذين يحاولون الضغط على الحكومة السورية لإنشاء لجنة متخصصة تركّز على إعادة معتقلي الرأي من سجون لبنان، سواء كان في رومية أو لدى الشرطة العسكرية.
بدورنا، اتصلنا بوزير العدل السابق القاضي هنري الخوري، لمعرفة تفاصيل الملف، لكننا لم نحصل على رد. وكذلك فعلنا مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ولم يجب.
أما وزير العدل في الحكومة الجديدة، عادل نصّار، فقال في اتصال مع “درج” إنه يحاول متابعة الموضوع، ولكن طلب منا التريّث إلى حين الانتهاء من صياغة البيان الوزاري.
وأخيراً، بدأت تظهر قضية المعتقلين السوريين في لبنان إلى العلن، خصوصاً بعد إضراب نحو 100 سجين عن الطعام ومُناشدة أهالي المعتقلين الحكومة الجديدة، التي اكتفى إعلاميون مقربون منها بالقول إن الموضوع قيد المتابعة.
الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت بياناً جاء فيه: “المعتقلون السوريون، خصوصاً في سجن رومية، يتعرضون لظروف احتجاز غير إنسانية، تشمل الاكتظاظ الشديد، وانعدام الرعاية الصحية والغذائية، وانتشار الأمراض المعدية، بالإضافة إلى حرمانهم من التواصل مع ذويهم. كما خضع الكثير منهم لمحاكمات غير عادلة أمام المحاكم العسكرية اللبنانية أو قضاة التحقيق العسكريين، استناداً إلى اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب والتهديد، وتم توجيه تهم الإرهاب إليهم بناءً على هذه الاعترافات، ما أدى إلى إصدار أحكام قاسية بالسجن لسنوات طويلة، أو إبقائهم في الحبس الاحتياطي من دون تحديد مدة زمنية واضحة”.
اتهامات “إرهاب” لمعارضي الأسد
في عام 2023، وبينما كان سامر (اسم مستعار) يستلم حوالة مالية بقيمة 4 آلاف دولار أميركي من صديقه في الخارج، داهمت القوى الأمنية اللبنانية منزله واعتقلته للتحقيق، بسبب الاشتباه في مصدر الأموال.
بعد سلسلة جلسات تحقيق، وُجّهت إليه تهمة تلقي أموال لتمويل عمليات ضد النظام السوري انطلاقاً من لبنان، ليُزجّ به في سجن رومية. غير أن محاميه، محمد صبلوح، استأنف الحكم وقدّم أدلة تثبت براءته، ما دفع المحكمة إلى إصدار قرار بإطلاق سراحه. لكن، مع بداية هذا العام، أُلقي القبض عليه مجدداً بالتهمة نفسها، وهو لا يزال خلف القضبان حتى اليوم.
تعود أولى المداهمات التي نفذها الجيش اللبناني داخل مخيمات اللاجئين إلى عام 2017. آنذاك تم توقيف 80 لاجئاً سورياً تعرضوا، وفق تقرير لمنظمة العفو الدولية (Amnesty International)، لانتهاكات جسيمة. وقد أُدينوا لاحقاً بتهم تتعلق بالانتماء إلى “عصابة مسلحة”، وهي تهم لا تزال تُستخدم ضد الكثير من المعتقلين السوريين في لبنان.
وجاء في نص تقرير المنظمة: “قوى الأمن اللبنانية ارتكبت انتهاكات مروعة بحق اللاجئين السوريين الذين تم اعتقالهم، بشكل تعسفي في كثير من الأحيان، بتهم تتعلق بالإرهاب، مستخدمة بعض أساليب التعذيب المروعة نفسها المستخدمة في أسوأ السجون سمعةً في سوريا”.
أما عن أساليب التعذيب، فقال عدد من المحتجزين للمنظمة، “إنهم تعرضوا لبعض من أساليب التعذيب ذاتها المستخدمة على نحو مألوف في السجون السورية مثل “بساط الريح” (حيث يُربَط المرء بلوح قابل للطي)، أو “الشَّبْح” (عندما يُعلّق الشخص من معصميه ويتعرض للضرب)، أو “البلانكو” الذي يُعلّق الشخص خلاله طوال ساعات مع تكبيل معصميه خلف ظهره”.
إبطال التهم؟
يؤكد سامر أن هناك موقوفين منذ عام 2014 بتهم تتعلق بمحاربة النظام السوري أو الانتماء إلى “جماعات إرهابية”، وهو ما أكده صبلوح، مشيراً إلى أن بعض المعتقلين في لبنان سُجنوا لمجرد تواصلهم مع أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) أو ارتباطهم بـ”هيئة تحرير الشام”، التي تحكم سوريا منذ 8 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم.
وبينما أصدرت المحكمة العسكرية قراراً بتصنيف “الجيش الحر” كـ”إرهابي”، حتى بعد دخول الأفراد إلى لبنان كلاجئين وهاربين من نظام الأسد، أبطلت محكمة التمييز الجزائية هذا القرار في عام 2018، وفقاً للقرار الذي اطلع عليه “درج”.
يمضي المتهمون السوريون المحكومون بالإرهاب، في غالبيتهم، نحو سنة إلى سنة ونصف السنة في السجون اللبنانية، علماً أن تهمة الإرهاب، كما جاء في نص القانون اللبناني وفقاً لصبلوح، ترقى إلى بقاء المتهم في السجن 7 سنوات كحد أدنى، في حال تم إثبات تواصله فقط مع جماعة إرهابية وليس المشاركة بنشاطها. لذلك، دفع بعض السوريين المحتجزين في لبنان ثمن تنفيذ أجندة معيّنة تتلاءم مع أجواء محور الممانعة، حسب ما صرّح بعض القضاة لصبلوح.
- درج