بعد مواجهة ساخنة مذهلة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي، أعرب الأوكرانيون عن تأييدهم لزيلينسكي مدافعاً عن مصالح بلاده. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت، إن «من المهم للغاية» سماع صوت أوكرانيا وعدم نسيان معاناتها.
جاء ذلك في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد يوم من نقاش محتدم في البيت الأبيض مع نظيره الأميركي، ونائبه جي دي فانس، بينما عبّر كثير من الأوكرانيين عن صدمتهم وغضبهم إثر المشادة الكلامية غير المسبوقة الأبيض، بعدما اتهم الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني، بأنه «عديم الاحترام» و«غير ممتنّ» للولايات المتحدة.

وبعد هذه المشادة، غادر زيلينسكي البيت الأبيض، ثم شكر في وقت لاحق الولايات المتحدة وترمب على زيارته واشنطن. وقال في رسالة مقتضبة: «أوكرانيا بحاجة إلى سلام عادل ودائم، ونحن نعمل على ذلك».
وكتب رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميغال على منصة «إكس»: «الرئيس زيلينسكي على حق. إن وقفاً لإطلاق النار من دون ضمانات هو الطريق إلى الاحتلال الروسي للقارة الأوروبية بكاملها».
بدوره، كتب نائب رئيس الوزراء الأوكراني ميخايلو فيدوروف، على «إكس»: «احترامنا للرئيس على شجاعته ودفاعه عن شرف شعبنا الذي دفع دمه ثمناً للحرية».
وقال زيلينسكي إن أوكرانيا لن تدخل في محادثات سلام مع روسيا، حتى تحصل على ضمانات أمنية بعدم التعرض لهجوم آخر. وقال إن الخلاف مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الجمعة، «ليس جيداً للجانبين». لكن زيلينسكي قال إن ترمب – الذي يصر على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لإنهاء الحرب المستمرة منذ 3 أعوام – يجب أن يفهم أن أوكرانيا لا تستطيع تغيير مواقفها تجاه روسيا فجأة.
وقالت أوليكساندرا بوفوروزنيك على منصة «إكس»، إنها أصيبت بـ«نوبة هلع»، ثم بـ«غضب» من هؤلاء الذين يقاطعون زيلينسكي ويحاولون إسكاته، في إشارة إلى ترمب ونائبه جي دي فانس. وعبّرت آنا بلاتشكوفا (26 عاماً) عن خشيتها من «تأثير خطير» على مسار الحرب. وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» في كييف: «قواتنا بحاجة إلى الولايات المتحدة». وعدّت أن ترمب «ضرب على وتر حساس» بانتقاده زيلينسكي، قائلة: «في الواقع، أعتقد أن الأوكرانيين ممتنون جداً للمساعدة التي تلقّوها».

أما ليوبوف تسيبولسكا فقالت عبر «فيسبوك»: «في أسوأ كوابيسنا، لم نتخيّل أبداً أن يتحدث إلينا الرئيس الأميركي بهذه الطريقة. يبدو هذا كأنه كمين. إذلال متعمّد». وأضافت أن روسيا «ستستمتع بهذا الاجتماع فترة طويلة». وقال العسكري أندريه تكاتشوك على منصة «إكس»: «اليوم، بشخص (زيلينسكي)، يريدوننا جميعاً أن ننكسر. دعمنا للرئيس». أما الناشط سيرغي ستيرنينكو فقال على منصة «إكس»: «أنا أحترم الرئيس الذي يواجه الضغوط. نحن لسنا أمة يمكن كسرها وبيعها».
ويبدو أن الجدال الصاخب الذي حدث في الدقائق الأخيرة من اللقاء بين الرئيسين قد تسبب، على الأقل في الوقت الراهن، في تلاشي آمال الأوكرانيين في أن تكون الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً به في المساعدة في صد الهجوم الروسي المستمر منذ 3 سنوات، وإنهائه. وقد أسعدت هذه المواجهة، التي بدا فيها زيلينسكي محبطاً، وهو يتلقى محاضرة من ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس حول ما اعتبراه عدم امتنان للدعم الأميركي السابق، المسؤولين في موسكو، الذين رأوا أنه انهيار نهائي في العلاقات بين واشنطن والزعيم الأوكراني.

ولكن يبدو أن كثيراً من الأوكرانيين، كما نقلت عنهم الوكالة الألمانية، لم يتأثروا بالمواجهة بين زيلينسكي وترمب، وأعربوا عن شعورهم بأن الرئيس الأوكراني دافع عن كرامة بلادهم ومصالحهم من خلال موقفه الحازم في مواجهة انتقادات من بعض من أقوى الرجال في العالم.
وقالت ناتاليا سيرهيينكو (67 عاماً)، وهي متقاعدة في كييف، إنها تعتقد أن الأوكرانيين يوافقون على أداء رئيسهم في واشنطن، «لأن زيلينسكي حارب مثل الأسد». وأضافت: «لقد عقدوا اجتماعاً ساخناً، ومحادثة ساخنة للغاية». لكن زيلينسكي «كان يدافع عن مصالح أوكرانيا».

وكان الاجتماع الذي عقد في البيت الأبيض يهدف للتوصل إلى اتفاق ثنائي من شأنه إنشاء صندوق استثماري مشترك لإعادة إعمار أوكرانيا، وهو اتفاق ينظر إليه بوصفه خطوة محتملة نحو إنهاء الحرب وربط اقتصاد البلدين معاً لسنوات مقبلة. لكن مع مغادرة زيلينسكي وفريقه البيت الأبيض، لم يتم التوقيع على الاتفاق، وبدا أن آمال الأوكرانيين في تأمين الدعم الأمني الأميركي أصبحت أبعد من أي وقت مضى.
وقالت روسيا السبت، إن زيارة زيلينسكي لواشنطن منيت «بفشل تام»، متهمة الزعيم الأوكراني بأنه «مهووس» بإطالة أمد الحرب مع موسكو. وأفادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في بيان، بأن الزيارة «تمثل فشلاً سياسياً ودبلوماسياً تاماً لنظام كييف».
واتهمت زاخاروفا زيلينسكي بأنه «غير قادر على التحلي بأي شعور بالمسؤولية» و«يرفض السلام»، ويسوق «الأكاذيب والخداع لتبرير استمرار الأعمال الحربية وتلقي المساعدات العسكرية والمالية من الغرب». وأضافت: «بسلوكه الفظ الفظيع أثناء وجوده في واشنطن، أكد زيلينسكي أنه أخطر تهديد للمجتمع الدولي باعتباره داعية حرب غير مسؤول».

كما اتهمت القادة الأوروبيين بـ«الضعف السياسي» و«الانحطاط الأخلاقي»، لدعمهم زيلينسكي في مواجهة «الدرس الأخلاقي» الذي تلقاه في واشنطن. وأكدت زاخاروفا مجدداً أن أهداف روسيا في أوكرانيا «لم تتغير»، وهي «نزع السلاح من أوكرانيا واقتلاع النازية منها، إلى جانب الاعتراف بالحقائق القائمة على الأرض». وتطالب روسيا، التي أرسلت قواتها لمهاجمة جارتها عام 2022، بشكل خاص أوكرانيا بالتنازل عن 4 مناطق في شرق وجنوب البلاد، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، وأن تتخلى عن مسعى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهي شروط غير مقبولة لكييف.
وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، السبت، إن بلاده مستعدة للمفاوضات بشأن أوكرانيا، لكن هذا يتطلب خطوات متبادلة تتماشى مع الواقع على الأرض. وأضاف ميدفيديف في تصريحات نقلتها وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، أن «لدى العالم الحر قائداً قوياً هو الرئيس فلاديمير بوتين»، مشيراً إلى أن أوروبا بحاجة دائمة إلى وصاية أميركا لأنها «عجوز ضعيفة». وقال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي إن المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة، ولكن فقط مع أشخاص مستعدين للحوار لا «حيوانات مدربة»، حسب تعبيره.
- الشرق الأوسط