ملخص
“الحرب يشنها رجال لا وحوش ولا آلهة” يقول الشاعر فريدريك مانينغ، و”التاريخ للحروب وليس للسلام تاريخ” بحسب هيغل، والشرق الأوسط هو القاعدة لا الاستثناء.
ساعات القمم العربية صارت معدودة، وإن سبقتها اجتماعات وزارية تعد بيانات طويلة هي على العموم تكرار لقرارات وتوصيات سابقة بقيت حبراً على ورق. وليس تاريخ القمم سوى مختصر لقضية مركزية هي القضية الفلسطينية، ولقضايا أخرى تعطى أهمية أقل، مع أن بعضها ليس أقل خطورة من الصراع العربي- الإسرائيلي.
منذ صارت القمم دورية بعد قمة القاهرة عام 1964 فإن تصنيفها يمكن حصره في مرحلتين، باستثناء القمم التي حدثت فيها مصالحات بين قادة مختلفين والقمم التي وقعت فيها مشادات وخلافات ومقاطعات، مرحلة اتخاذ قرارات استراتيجية مع قدرة القادة العرب على تنفيذ بعضها، وتأليف لجان تجول على عواصم الدول الكبرى على أمل المساعدة في تنفيذ بعضها الآخر. ومرحلة تسجيل القرارات والتوصيات من دون قدرة على التنفيذ. شيء على مستوى المطالبة بأمور مهمة، ثم التعويل على مجلس الأمن الدولي، بالتالي الرهان على واشنطن وموسكو للضغط على إسرائيل التي تحتل.
الأرض العربية في فلسطين وجوارها. القمة العربية الطارئة التي دعت إليها مصر كان منطق انعقادها محدداً بموضوع الرد على مشروع سوريالي طرحه الرئيس دونالد ترمب ودعمه بنيامين نتنياهو، حول شراء غزة بعد تهجير أهاليها وإقامة “ريفييرا الشرق الأوسط” على أرضها. ومن حسن الحظ أن مصر عادت إلى لعب دورها الكبير في قيادة العالم العربي بالتعاون مع السعودية بعد مرحلة الانكفاء وترك المسرح لدول صغيرة تلعب أدواراً أكبر منها.
وكان من الطبيعي أن يأتي الرد المصري الذي وافقت عليه القمة أبعد من مجرد الرفض القاطع لمشروع ترمب، إذ تميز بثلاثة أمور، أولها صوغ خطة عملية شاملة لإعادة الإعمار في غزة مع بقاء الأهالي فيها، وثانيها إعادة ربط قطاع غزة بالضفة الغربية، لأنه ليس هناك حل لغزة وحدها ولا للضفة وحدها، وثالثها ربط السلام والاستقرار في المنطقة بقيام دولة فلسطينية داخل الأراضي المحتلة عام 1967 ضمن “حل الدولتين”.
أما تنفيذ الخطة التي قدرت كلفتها بـ53 مليار دولار فإنه يأتي على مراحل. في المرحلة الأولى تأليف لجنة “إدارة غزة” على مدى ستة أشهر تتولاها شخصيات فلسطينية مستقلة وتكنوقراط في ظل الحكومة الفلسطينية، تمهيداً لتسلم السلطة غزة بعد قيام مصر والأردن بتدريب قوات الأمن الفلسطينية، ثم تأتي إعادة الإعمار على مرحلتين خلال خمسة أعوام.
لكن المسألة ليست دقة الخطة ومطابقتها للواقع والتحسب للتطورات في غزة والضفة وإسرائيل والمنطقة، بمقدار ما هي تأمين 53 مليار دولار لم يتعهد أحد حتى الآن بتقديمات محددة، في انتظار مؤتمر دولي في القاهرة بعد شهر لإنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي. والسؤال هو، ماذا عن “حماس” وسلاحها؟ من يعيد الإعمار على أرض تنطلق منها “حماس” لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وتهدد إسرائيل بإكمال الحرب حتى القضاء عليها؟ هل كان انقلاب “حماس” العسكري عام 2007 على السلطة الفلسطينية والانفصال عن الضفة من أجل مشروع يستحيل نجاحه من منطقة صغيرة تستطيع إسرائيل حصارها وقطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء والدواء عنها سوى خطأ استراتيجي في التقدير الأيديولوجي، بصرف النظر عن الحق التاريخي؟ أليس احتفاظ “حماس” بسلاحها حالياً غلطة استراتيجية تحول دون إعادة الإعمار؟ وكيف يمكن الجمع بين السلاح وإعلان القمة تكراراً أن “السلام هو الخيار الاستراتيجي” للعرب؟
عام 2025 “عام حرب” كما يقول رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد الجنرال إيال زامير الداعي إلى “إكمال المهمة”، وهو عام “فانتازيا” ترمب وموفده مطور الأراضي ستيف ويتكوف، إذ التأييد الأعمى لكل ما تقوم به حكومة نتنياهو داخل غزة والضفة ولبنان وسوريا والعراق على الطريق إلى ضرب إيران بعد تفكيك أذرعها في المنطقة. والكل يعرف أن قدرة القمة العربية على تنفيذ الخطة المصرية– العربية تحتاج أولاً إلى دعم ترمب الذي اعترض عليها، وتتوقف ثانياً على مواقف نتنياهو الرافض والذي لا يكتم الطموح إلى ضم الضفة الغربية وغزة وتهجير السكان إلى مصر والأردن، لا بل إن ترمب تحدث عن هدف جنوني هو قيام دولة فلسطينية على أرض المملكة العربية السعودية.
جيد أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش تأييد المنظمة الدولية لما انتهت إليه القمة العربية، ولكن الأمم المتحدة هي الدول الكبرى ومصالحها، لا الأمين العام ومشاعره الإنسانية. أليس من الضروري إتمام المصالحة الصعبة بين “حماس” و”فتح” وانضمام “حماس” إلى منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن تتبرع الدول لإعادة إعمار غزة؟
“الحرب يشنها رجال لا وحوش ولا آلهة” يقول الشاعر فريدريك مانينغ، و”التاريخ للحروب وليس للسلام تاريخ” بحسب هيغل، والشرق الأوسط هو القاعدة لا الاستثناء.
- إندبندنت