تبدّلات في المقاربة الأوروبية تجاه سوريا بعد أحداث الساحل

دبلوماسيون أوروبيون: أحداث الساحل قد تضع الإدارة السورية الجديدة في عزلة دولية

    • يعقد الاتحاد الأوروبي في السابع عشر من آذار (مارس) المقبل مؤتمراً للمانحين بشأن سوريا في العاصمة البلجيكية بروكسل. هذا المؤتمر الذي كان يُبحث في تفاصيله اللوجستية منذ سقوط النظام السوري، سيُبني على مخرجات مؤتمر باريس الذي انعقد في الثالث عشر من شباط (فبراير) في العاصمة الفرنسية، وهو يمثل «فرصةً من أجل مواصلة تعبئة الجهود الدولية» من أجل تشكيل «طوق أمان» لحماية مرحلة ما بعد الأسد ومرافقة السوريين في المسار الانتقالي، بحسب وصف مصادر دبلوماسية أوروبية تحدّثت إلى الجمهورية.نت.

      خلال اليومين الماضيين، خرجت إشاراتٌ وأخبارٌ متناقضة من الاتحاد الأوروبي عقب العملية العسكرية التي أطلقتها السلطات السورية المؤقتة في منطقة الساحل السوري لـ«لمحاربة فلول النظام». في البداية، نقلت وكالتا رويترز والأناضول عن مسؤولين سوريين ومصادر دبلوماسية أوروبية قولهم: «إن المفوضية الأوروبية وجهت دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في المؤتمر»، قبل أن يخرج متحدثٌ باسم الاتحاد الأوروبي ليقول إنه «لم تُوجه أيُّ دعوةٍ إلى الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع لحضور قمةٍ دولية لمانحي سوريا في بروكسل يوم 17 آذار (مارس)»، مبرراً ذلك بأن «الاجتماع سيُعقد على المستوى الوزاري».

      لكنّ مصادر دبلوماسية أوروبية ذكرت للجمهورية.نت أن «الفظائع التي ارتُكبت بحق العلويين في الساحل السوري» دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تغيير رأيه بشأن دعوة الشرع لحضور المؤتمر، معتبرةً أن الأحداث الأخيرة في الساحل «تُشكّلُ جرس إنذارٍ وتُعقّد مسار المرحلة الانتقالية وجهود المجتمع الدولي في دعمها، وستضع السلطات السورية الجديدة في عزلةٍ دولية».

      المصادر أكدت أن العملية التي أطلقتها الحكومة السورية المؤقتة في مدن وقرى الساحل السوري «كانت موجهةً ضد فلول النظام» بحسب توضيحاتٍ قدّمتها السلطات السورية للجانب الأوروبي، لكنّ «التقديرات الأمنية تشير إلى أن مجموعاتٍ داخل قوات الأمن السورية والجيش حادت عن الهدف المُعلن للعملية، وارتكبت جرائم بحق مدنيين على أساسٍ طائفي». وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية الجمهورية: «يبدو أن أحمد الشرع لا يُسيطر على أجهزة الأمن السورية ووحداتٍ في الجيش الذي أعلن عن حصر السلاح بيده، وهذا يُرسل إشاراتٍ سيئة للمجتمع الدولي ويهدم الخطوات الإيجابية التي قامت بها السلطات الانتقالية في دمشق خلال الفترة السابقة، والتي قدّمت خطواتِ حسن نية، خصوصاً ما يتعلق باستقبال وفد من منظمة حظر السلاح الكيميائي قبل انطلاق مؤتمر باريس، حيث تعهّدت دمشق أمام رئيس المنظمة بأن تبدأ الفرق التابعة لها بالعمل على تفكيك الترسانة السورية من هذه الأسلحة أو ما تبقى منها».

      وعلّقت المصادر الدبلوماسية في حديثها مع الجمهورية.نت على الاتفاق الذي وقعه، قبل يومين، الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية وقائد قوات سوريا الديموقراطية بأنه «كان جيداً، لكنه مجرد البداية»، وأشارت المصادر إلى أن السلطات المؤقتة «أقدمت عليه من دون تغيير في المطالب الكردية، وأن ذلك يمكن فهمه في سياق تنازلٍ أراد الشرع تقديمه لتطويق ما حدث في الساحل». وترى المصادر الدبلوماسية وجوب حدوث اتفاقٍ مشابه مع الدروز في جنوب سوريا. ويجد بالذكر أن ضغوطاً أميركية وأوروبية على الطرفين كانت مستمرةً قبل توقيع الاتفاق من أجل التوصّل إلى إلى اتفاقٍ يسمح بدمج المقاتلين الأكراد في الدولة الجديدة.

      وتعتبر المصادر أن مؤتمر المانحين الذي سينعقد في بروكسل تحت صيغة بروكسل 9 سيكون حاسماً في هذه المرحلة من أجل «التعافي الاقتصادي في سوريا»، لكنّ ذلك سيكون مشروطاً «بإحراز تقدّمٍ في قضايا العدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب وإشراك جميع مكونات المجتمع السوري، باختلاف طوائفهم وقومياتهم، في بناء مستقبل البلاد. هذه المسألة تعهّدَ بها وزير الخارجية أسعد الشيباني خلال مؤتمر باريس، لكن لم نرَ أيَّ خطواتٍ حقيقية تجاه هذه المسألة».

      تغيّرُ نبرة الأوروبيين في الحديث عن سوريا بدا واضحاً بعد ما حدث في الساحل، حيث أثيرت مسألة رفع العقوبات عن سوريا خلال اجتماعٍ للمجلس الوزاري الفرنسي عُقِدَ في قصر الإليزيه يوم أمس الأربعاء، وكذلك تمّ وضع سوريا في قائمة الجهات التي تشكل تهديداً إرهابياً في المنطقة «يمسُّ المصالح الفرنسية» بحسب مذكرةٍ للحكومة الفرنسية اطلعت عليها الجمهورية،نت. وجاء في المذكرة: «في الآونة الأخيرة، وبعد عدم تسجيل أيّ هجومٍ إرهابي خلال فترة 18 شهراً، ارتفع مستوى التهديد فجأةً منذ أكتوبر 2023 مع استئناف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ثم السقوط الأخير للنظام السوري، والذي عزّزَ حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي الإقليمي». وأضافت المذكرة، وهي إحاطةٌ قدّمها وزير الداخلية الفرنسي بناءً على ما ترصده أجهزة الاستخبارات الفرنسية، إنّ حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط «ترفع من مستوى التهديد الداخلي في فرنسا. هناك أفرادٌ متعاطفون مع القضية الجهادية، وغالباً ما يكونون من الشبّان صغار السن. هؤلاء رغم أنهم بعيدون عن الحركة المتطرفة التقليدية (..) إلا أنه يتم تجنيدهم عبر الإنترنت».

      أما في ما يخص دعوة الشرع إلى زيارة فرنسا، تقول المصادر الدبلوماسية الجمهورية.نت: «إن الإليزيه لم يقترح تاريخاً مُحدّداً للزيارة بعد على الجانب السوري، لكنّ أحداث الساحل ستدفع باتجاه تأجيل هذه المسألة حتى تظهر نتائج التحقيقات التي تجريها اللجنة التي شكّلتها السلطات المؤقتة في دمشق». وفي هذا السياق، قال الوزير المنتدب للشؤون الفرانكوفونية خلال جلسةٍ في مجلس الشيوخ الفرنسي، أمس الأربعاء: «لقد صدمتنا الصور التي لا تُطاق في سوريا (..) ما حدث هو جرائم غير مقبولة نُدينها بكل حزم. كلُّ المتورطين يجب أن يُحاكموا. كل المتورطين يجب أن يُعاقبوا». وأضاف: «إذا ظلت الفظائع التي قتلت أكثر من ألف مدني في غرب ووسط البلاد في الأيام الأخيرة من دون عقاب، فلا شك أننا لن نكون قادرين على قبول رفع العقوبات مرة أخرى». حديث الوزير الفرنسي كان مناسبةً لفتح نقاشٍ داخل مجلس الشيوخ شارك به آخرون، حيث قالت ممثلة الحزب الجمهوري ڤاليري بويه: «لا تزال الأقليات في خطرٍ مميت. دعونا لا نكون شهوداً صامتين على  عمليات الإبادة الجماعية مرة أخرى».

Next Post

اترك رد

منتدى الرأي للحوار الديمقراطي (يوتيوب)

أبريل 2025
س د ن ث أرب خ ج
 1234
567891011
12131415161718
19202122232425
2627282930  

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist