دمشق ـ «القدس العربي»: استعد السوريون لعيد الأضحى الذي يحل اليوم الجمعة، في مشهد يفيض بالحيوية، رغم كل ما مرت به البلاد، إذ بدت الأسواق الشعبية في قلب دمشق القديمة تنبض بالحياة، حيث تختلط رائحة القهوة والبهارات وأصناف الحلويات في أزقة السوق العتيق في حيي الميدان والجزماتية، فيما تعج المحال في سوق الحمدية والحريقة والخياطين، أشهر أسواق الشرق، بالمتسوقين الذين يصرّون على إحياء طقوس العيد، كأنهم يقاومون القسوة بالبهجة، ويلبسون أطفالهم، ويصنعون الجديد بأياد صبورة لا تعرف اليأس.
في هذه الأجواء، رصدت «القدس العربي» استعدادات الدمشقيين للعيد، وتفاصيل يومياتهم التي تسير على إيقاع التحدي والحنين، حيث لا تزال روح العيد حاضرة في الوجدان، رغم تغيّر الكثير من تفاصيل الحياة.
«القدس العربي» ترصد أسواق عدة محافظات عشية المناسبة
وفي سوق الحميدية العريق، تفتح سمية العطار، صاحبة أحد المتاجر، نافذة على ذاكرتها، متحدثة عن العيد ما بين زمنين: زمن الحرب وزمن العودة التدريجية للاستقرار.
وتقول لـ «القدس العربي» إن الأسواق ممتلئة بالبضائع والسلع، وتتسم بتنوع لافت في الأسعار والأنواع، إلا أن القدرة الشرائية للمواطنين لا تزال شبه معدومة، رغم بعض الدعم الحكومي المحدود.
وترى أن أبرز ما يميز العيد هذا العام هو إمكانية التنقل بين المحافظات واختفاء الحواجز الأمنية والعسكرية التي كانت تفصل المدن وتقطع أوصال المحافظات، ما أتاح للناس فرصة للتنزه مجددا بعد سنوات من التشديد الأمني. وتقول: «رغم ضيق الحال، فإن لمّة العيد وحدها تكفي لتمنحنا دفئا لا يشترى».
لمّة الأهل والمغتربين
وفي مشهد آخر يعكس المزاج الشعبي، تقول راما دسوقي لـ «القدس العربي» إن خصوصية هذا العيد تنبع من إمكانية لم الشمل، حيث بات بإمكان الكثير من المغتربين العودة إلى ديارهم والاحتفال إلى جانب أحبائهم، ما أضفى على العيد طعما مختلفا ومعنى عميقا لا تقاس به الأثمان.
خصوصية هذا العيد تنبع من إمكانية لم الشمل، حيث بات بإمكان الكثير من المغتربين العودة إلى ديارهم
وتضيف الدسوقي، وهي طبيبة مخبرية من أهالي حي دمر الدمشقي، قائلة لـ «القدس العربي» إنه بين أروقة الأسواق، وأحاديث الباعة، وتفاصيل التحضيرات، يتراءى عيد الأضحى في سوريا هذا العام كمساحة تجمع بين الواقع الاقتصادي الصعب والأمل الجديد. فالناس رغم ما عاشوه من فقد ووجع، لا يزالون يعرفون كيف يصنعون الفرح، وربما تكون عودة ابن، وسهرة عائلية مع جد وجدة التقوا بأحفادهم، مناسبات للتمسك بالفرح والحياة.
الألبسة المستعملة
يوسف العمر، تاجر ألبسة في السوق الدمشقي، عبّر لـ «القدس العربي» عن مزيج من الواقعية والأمل، قائلاً إن القدرة الشرائية للناس لا تزال ضعيفة ولم تتغير كثيرا مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أن مشاعر الفرح والأمل، تمنح الناس دفعة معنوية كبيرة. وأبدى أمله بأن تتحسن أوضاع الناس المعيشية، وأن يعود الدخل لمستوى يليق بتضحياتهم، «فالعيد الحقيقي هو حين يشعر المواطن بالكرامة والقدرة على تأمين احتياجات أسرته».
أما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، فقد تحدث صاحب أحد متاجر الأغذية لـ «القدس العربي» مشيرا إلى وجود إقبال واضح على شراء مستلزمات الحلويات المنزلية، خاصة تلك التي تدخل في تحضير كعك العيد. كما لفت إلى تنوع غير مسبوق في المعروضات الغذائية هذا العام، ما أضفى على الأسواق حيوية ملحوظة تعكس عودة تدريجية لنبض الحياة الطبيعية.
انتعاش سوق المواشي
ومن الجنوب السوري، تتحدث الناشطة الميدانية سلام هاروني من القنيطرة لـ «القدس العربي» عن أجواء مشابهة، حيث تشهد أسواق المواشي حركة نشطة استعدادا لعيد الأضحى، في ظل تفاؤل واضح بين الناس. وتشير إلى أن الأمل عاد ليطل برأسه على الوجوه، وكأن العيد هذه المرة يحمل في طياته وعدا بتعاف طال انتظاره.
في أحد أسواق القنيطرة، يعبّر أبو عبد الله، وهو تاجر في المواشي، عن ارتياحه، قائلا: «الناس رجعت تشتري، والفرح راجع شوي شوي، والعيد أحسن من سنين مضت. في ناس حست بأنه لسا في أمل».
وترى هاروني أن التحولات الأخيرة، ساهمت في إعادة تشكيل أجواء العيد، وإحياء طقوس كانت غائبة بفعل مرارة الفقدان والخوف.
التحديات في السويداء
أما في السويداء، فالأمر لا يخلو من التحديات، إذ يؤكد الناشط رجا سكيكر لـ «القدس العربي» أن الغلاء الفاحش، خاصة في أسعار الحلويات، قلل من إقبال الناس على شرائها. ويشير إلى أن المبيعات هذا العام لا تتجاوز 25٪ مقارنة بالأعوام السابقة، ما دفع كثيرا من العائلات إلى العودة لتحضير الحلويات منزليا أو الاكتفاء بكميات بسيطة من الشراء.
وتوضح حنان أبو مغضب، وهي سيدة من أهالي السويداء، أن الأسواق لا تزال تقدم تشكيلة منوعة من الحلويات، لكن الأسعار لا تتماشى مع دخل المواطن، مما يفرض على الناس البحث عن البدائل. وتقول إن الغريبة والبرازق تظل الأكثر طلبا، إلى جانب بعض أنواع السكاكر، في حين تفضل ربات البيوت تحضير الحلوى في المنزل، كخيار اقتصادي يلائم الواقع المعيشي الراهن.
وبين دمشق والقنيطرة والسويداء، يبدو عيد الأضحى هذا العام مختلفا، يحمل في طياته مزيجا من الصبر والحنين، ومشهدا إنسانيا يؤكد أن الشعب السوري لا يزال يعرف كيف يصنع الفرح، رغم المصاعب والتحديات.
دير الزور: بهجة مغيّبة
مؤيد العبد الله ناشط ميداني في دير الزور يصف لـ «القدس العربي» حلول عيد الأضحى بأنه مثقل بهموم اقتصادية أثقلت كاهل العائلات، وحجبت البهجة المعتادة التي طالما ارتبطت بهذه المناسبة الدينية والاجتماعية المهمة.
ويقول: في الوقت الذي يفترض أن يكون العيد فرصة للتواصل والاحتفال وشراء مستلزمات جديدة، يجد السكان أنفسهم عالقين في مواجهة مباشرة مع واقع مالي ضاغط، فاقمه تأخر صرف الرواتب والمنح الحكومية للموظفين والمدنيين، ما زاد من التوتر في الأجواء العامة.
قلق اجتماعي
ويضيف: تعد الرواتب والمنح الحكومية مصدر الدخل الأساسي للغالبية العظمى من السكان في دير الزور، خاصة في ظل غياب مصادر رزق بديلة.
وفي هذا الإطار يقول مازن الجاسم، وهو موظف حكومي لـ «القدس العربي» إن الناس في دير الزور عموما يعتمدون «بشكل شبه كلي على الرواتب لتأمين احتياجاتهم اليومية، فكيف سيكون الحال في الأعياد؟».
ويضيف أن تأخر صرف هذه المستحقات ترك آثارا مباشرة، حيث أصبح من الصعب على الأهالي شراء ملابس جديدة لأطفالهم، أو حتى تأمين الحلويات والمأكولات الأساسية المرتبطة بطقوس العيد.
المشهد أكثر ألما، وفق المتحدث، حين تجد العائلات نفسها مضطرة للتخلي عن أبسط مظاهر الفرح، كهدية صغيرة لطفل أو كعكة على مائدة العيد. وبينما كان العيد في الماضي رمزا للبهجة، أصبح اليوم لدى كثيرين رمزا للحيرة والعجز.
ويضيف «نحاول أن ندخل الفرح إلى قلوب أطفالنا، لكن تأخر الرواتب يقتل كل بارقة أمل، وما في اليد حيلة».
ديون ومساعدات وفرح مؤجل
وأمام ما تقدم يتابع مؤيد العبد الله كلامه: في ظل هذه الأوضاع، اضطر الكثير من الأسر إلى اللجوء إلى الديون أو طلب مساعدات من أقاربهم أو من جمعيات خيرية لتغطية بعض مستلزمات العيد. هذا الحل المؤقت لا يلبث أن يتحول إلى عبء إضافي بعد انتهاء العيد، حيث تبدأ دوامة تسديد الديون وسط انعدام أفق اقتصادي واضح. ومع غياب الدعم المنتظم، تصبح هذه القروض حلقة مفرغة تزيد من ضغط الحياة اليومية، وتؤجل الفرح إلى أجل غير مسمى.
ويضيف لـ «القدس العربي» أن سوق الأضاحي، الذي يشكل محورا أساسيا في عيد الأضحى، لم يكن بمنأى عن هذه الأزمة، فقد شهد حالة ركود كبيرة بسبب تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين.
ويروي نقلا عن أحد مربي المواشي أن الناس يأتون للنظر أو السؤال، لكن القليل منهم يشتري، وحتى من كان يضحي كل عام، بات هذا العام يتردد، أو يشارك أكثر من شخص في شراء أضحية واحدة.
ولفت إلى ان «العيد ليس مجرد طقس ديني أو مناسبة اجتماعية، بل هو شحنة أمل يحتاجها الناس للبقاء على قيد الصبر، ودون تدخل حقيقي، ستبقى أفراح العيد مؤجلة في دير الزور، تماما كما الرواتب».
في مدينة الشدادي في محافظة الحسكة، قال حسين العلي لوكالة «روناهي» الكردية إن «الأسعار بشكل عام مناسبة، وخاصة الملابس والحلويات، مما يتيح للعائلات تأمين احتياجات أبنائهم»، مشيداً بأجواء السوق وحركة الشراء.
فيما أوضح حميد الجاسم، وهو تاجر لبيع الملابس في السوق الشعبي، إأن الإقبال هذا العام جيد، وقال: «الأسعار تأخذ في الاعتبار الواقع المعيشي، حيث تتراوح أسعار ملابس الأطفال بين 30 إلى 300 ألف ليرة سورية حسب النوع والجودة».
أبرز ما يميز العيد هذا العام إمكانية التنقل بين المحافظات واختفاء الحواجز الأمنية
أما أحمد الجوير، وهو صاحب سوبر ماركت في المنطقة، فأكد أن أجواء العيد واضحة في السوق، مضيفاً: «أسعار الحلويات تتراوح بين 15 و50 ألف ليرة، وهي مقبولة بالنسبة للأهالي». وقدم تهانيه لكافة شعوب المنطقة بمناسبة العيد.
في مدينة عين العرب «كوباني» ذات الغالبية الكردية في ريف حلب، بدأ السكان وفق المصدر بشراء الأضاحي من سوق قرية «غولميت» جنوب المدينة، حيث تشهد الأسواق إقبالاً واسعاً.
محمد عثمان أشار وفق «روناهي» إلى انخفاض أسعار الخراف هذا العام، وقال: «العام الماضي بلغ سعر الخروف 300 دولار، أما الآن فيتراوح بين 100 و150 دولاراً، بسبب ضعف الموسم الزراعي وقلة الأمطار». أما بائع الأغنام خالد نبو، فأكد على كثافة الإقبال، موضحاً أن الأسعار تراعي الوضع العام، وتتراوح حالياً بين 100 و200 دولار.
وعبّرت المواطنة إسلام بوزان قادر عن فرحتها بتحضيرات العيد، وقالت: «جئنا لشراء الأضحية، الجميع يحاول أن يضحي حسب قدرته. العيد مناسبة ننتظرها كل عام».
- القدس العربي