في هذا الحوار الصحفي، نسأله عن تجربته الشخصية والسياسية، مستطلعين رؤيته للمستقبل، وتحديات المرحلة الانتقالية، ودور المصالحة الوطنية في بناء سوريا الجديدة.
العودة والتوقعات
ـ بعد سنوات طويلة في المنفى، كيف تصف شعورك بالعودة إلى سوريا؟ وما الذي تغير فيها أكثر مما كنت تتوقع؟
“كنت كطير أضناه العطش وعاد إلى النبع”. هذا هو شعوري بالعودة. أما التغيير الملحوظ فهو تعاطف الناس وقلقهم أيضًا. وتعبيرهم عن هذا القلق يكون بالصوت العالي والمشترك مع الآخرين.
أتذكر في هذه الأيام، بعودتي إلى أبناء وطني، إلى أرضي، إلى مدينتي، قول فيليب حتى عن سوريا بأنها “أكبر بلد صغير على الخريطة”. ثم تساءلت إذا كانت صغيرة على الخريطة فما هو الكبير فيها؟ تأتيني الإجابة دائمًا: الكبير فيها هو هذا الشعب الذي يصنع دور سوريا الخاص.
ــ ما هي أبرز التحديات التي واجهتك كمعارض عائد إلى وطنه، وهل تختلف هذه التحديات عن تلك التي توقعتها قبل العودة؟
أبرز التحديات هي الإجابة عن تساؤلات الناس وتلبية آمالهم وتوقعاتهم المقلقة. لم أكن أتوقع هذه الثقة الكبيرة بي شخصيًا وبما يمكنني أن أفيد به تساؤلات الآخرين.
ــ ما هي أولوياتك الشخصية والسياسية الآن بعد سقوط النظام وعودتك إلى سوريا؟
حقيقة، بالنسبة لي أعتبر الأولويات الشخصية والسياسية واحدة، وهي تنحصر بالمساهمة الإيجابية في عملية النهوض والتأهيل الوطني، وإنجاح المرحلة الانتقالية بإعادة البناء الشاملة لتثمير الثورة ومعاناة الشعب. وكذلك أيضًا استعادة الحضور الوطني لسوريا أرضًا وشعبًا.
ــ ما هو الدور الذي تتطلع للعبه في سوريا الجديدة، وهل هناك رؤية محددة لديك لمستقبل البلاد؟
يهمني أن أساهم في عملية البناء الوطني التي صارت مستحقة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ومن جميع الجوانب. أتطلع للنجاح في استعادة سوريا وطنًا حرًا لجميع أبنائها، دولة يتمتع شعبها بالحياة الدستورية وسيادة القانون، غنية بالحياة الحزبية المتعددة والصحافة الحرة، وأن تعود كما كانت تاريخيًا بعد الاستقلال وجلاء الفرنسيين عنها، دوحة للإنتاج والعطاء ونجمة تشارك في صنع النظام العالمي والإقليمي لتعود دمشق قبلة العرب كما كانت دائمًا.
الثورة والمرحلة الانتقالية
ــ هل تعتقد أن أهداف الثورة السورية قد تحققت، أم أن هناك طريقًا طويلًا لا يزال ينتظر السوريين؟
ما تحقق من أهداف الثورة هو مهمة إسقاط النظام وترحيله، وقد تمت بسرعة ونجاح باهر، أنعشت قلوب السوريين وأذهلت الجميع، إذ كانت بأقل قدر من المرارة والدماء، لأن جبل الآلام والتضحيات استمر أربعة عشر عامًا. غير أن الهدف الأساس، وهو إعادة بناء سوريا وفق إرادة شعبها، ما زال قيد العمل وبانتظار مشاركة السوريين، جميع السوريين، ويتطلب إبداعاتهم، وطول الطريق أو قصره يعتمد على نجاحنا كسوريين في إتمام مهام المرحلة الانتقالية ومندرجاتها بأمان وسلام ومشاركة فاعلة بين القيادة والشعب، لأن تركة النظام البائد كبيرة ومعقدة، وتتضمن منزلقات ومخاطر اجتماعية وسياسية تتطلب الشجاعة والحكمة ورجاحة العقل والنهج الوطني الذي يدفن إلى الأبد النهج الفئوي سياسيًا وطائفيًا الذي اعتمده أهل الأسد في تدمير البلاد.
ــ ما هي الدروس المستفادة من السنوات الماضية التي يمكن أن تفيد سوريا في بناء مستقبلها؟
أول الدروس هو تكريس الوحدة الوطنية التي تنتج السيادة والاستقلال، واعتماد مبدأ المواطنة للحاكم والمحكوم، وإقامة أفضل العلاقات مع المحيط العربي الذي يحتاج لسوريا كما هي بحاجة إليه، وضبط العلاقات الدولية على قاعدة التعاون والتكافؤ، وتغليب منهج التوافق في معالجة الأمور، واعتماد السياسة كمنهج ثابت ودائم لحل المشاكل ومواجهة الصعوبات.
ــ كيف ترى العملية السياسية في سوريا؟
العملية السياسية المطلوبة هي تلك التي تؤسس على المشاركة وتستهدف تحقيق وحدة الأرض والشعب مع احترام خصائص مكونات الشعب السوري المتعددة من لغة، وثقافة، وعقائد، وعادات. فالتعدد في هذا المجال مصدر غنى لدولة المواطنة التي يطلبها الجميع وتحقق لهم النمو والازدهار وتحقيق الذات والسلم الأهلي والحقوق المتساوية والواجبات المتساوية أيضًا، والمرحلة الانتقالية هي الميدان الذي تجري فيه العملية السياسية بأوسع مشاركة لتنجح في تحقيق المهام باحترام إرادة الشعب وتوفير أوسع نطاق للحريات العامة والخاصة في دولة ديمقراطية تعددية توفر حقوق الإنسان وتحققها لشعبها وتحترم القوانين الدولية على هذا الصعيد.
المستقبل السوري
ــ كيف يمكن معالجة الانقسامات التي شهدها المجتمع السوري خلال سنوات الصراع؟ وما هو دور المصالحة الوطنية في ذلك؟
لا بد من برنامج للعدالة الانتقالية يحقق ذلك ويتضمن أولًا إنصاف الضحايا، ورد المظالم إلى أهلها، ومحاسبة المرتكبين فرديًا ووفق القانون بعيدًا عن أعمال الثأر والانتقام، كما أشار إلى ذلك الشيخ أسامة الرفاعي ومجلس الإفتاء. بعد ذلك يأتي دور المصالحة الوطنية التي تتطلب برنامجًا واضحًا يسعى إلى بناء العلاقات بين فئات الشعب السوري ومناطقه ومكوناته على أسس جديدة تختصرها كلمة المواطنة وتوفير كل الظروف لبناء حياة سياسية متعددة، توفر شروط المنافسات الإيجابية لتداول السلطة سلميًا.
ــ ما هي رؤيتك لإعادة بناء سوريا، ليس فقط على الصعيد المادي، بل أيضًا على الصعيد الاجتماعي والسياسي؟
لا تبارح الذاكرة التجربة السياسية التي بناها أجدادنا بعد الاستقلال، وخاصة في الأعوام بين 1954 و1958. عندما توفرت الحياة الدستورية بموافقة الجميع عبر إقرار الدستور بجمعية تأسيسية واستفتاء، وتشكلت الأحزاب السياسية المتعددة لمختلف الطبقات الاجتماعية والأفكار، وكانت منظمات المجتمع المدني والنقابات ملء السمع والبصر تتمتع بالحرية والفعالية. حيث نعم السوريون بدولة مدنية ديمقراطية تعددية.
دخلت الدولة الوحدة عام 1958 كدولة فتية غنية بأحزابها وأفكارها ومبدعيها، وكانت تتمتع بميزان تجاري رابح دون أن يكون عليها أي قرش دين. كانت بين 42 دولة أسست النظام العالمي أي الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة، وبين 6 دول عربية أنتجت النظام الإقليمي بتأسيس جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
ــ كيف يمكن لسوريا استعادة مكانتها الإقليمية والدولية بعد هذه السنوات الصعبة؟
بوحدة شعبها على قاعدة التعدد القائمة ونزع فتيل الصراعات التي أنتجتها ظروف العقود الماضية لصالح العمل الوطني وتغيير البرنامج باتجاه التعافي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بمشاركة الجميع والاستفادة الكبرى من طاقات البلاد وثرواتها المعدنية الطبيعية وكذلك الثروات الزراعية ومعالجة جميع المشاكل مع الدول المحيطة.
ــ ما هي التحديات الأكثر إلحاحًا في سوريا اليوم، وكيف يمكن البدء في معالجتها؟
يأتي التحدي الأمني وجمع السلاح المنتشر بكثرة في مختلف المناطق على رأس التحديات. ويبدو أن السلطات الجديدة تعطي هذا الأمر أهميته المطلوبة. وعندما تتحدث التقارير الأممية عن أن نسبة الفقر وصلت في الشعب السوري إلى 90%، فالتحدي الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة يأتي في مقدمة التحديات لأنه يؤثر على بقية التحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية. ثم يأتي تحدي بناء المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية التي يتطلبها بناء الدولة. ولدى السلطة من شبابها ورجال الثورة الذين انشقوا عن النظام ومؤسساته والفضاء العام من الشباب السوري رأس مال وافر من الإمكانات البشرية والخبرة العلمية من أجل عملية البناء وإتمامها بنجاح.
ــ بما أنك كنت رئيسًا للمجلس الوطني السوري، ما هي برأيك أهم المبادئ التي يجب أن يقوم عليها الدستور السوري الجديد لضمان حقوق الجميع؟
مبدأ المواطنة المتساوية، الفصل بين السلطات، توزيع الصلاحيات بتوازن فيما بينها، استقلال القضاء، ابتعاد أفراد الأمن والقوات المسلحة عن العمل السياسي طالما كانوا بالخدمة، واعتماد اللامركزية الإدارية في جميع المحافظات.
ــ ما هو تعليقك على الإعفاءات من قبل الحكومة الجديدة عن بعض رموز النظام السابق؟
حقيقة ليس لدي تفاصيل كافية عن الأمر، لكنني أعتقد بعدم وجود الصلاحية لأي سلطة في إعفاء مرتكبين من النظام السابق. ويجب حصر الأمر بيد القضاء الذي تحول له جميع القضايا وأصحابه، والقضاء وحده يكون الحكم.
ــ هل تتجه سوريا، برأيك، نحو الديمقراطية؟ وهل يوجد فرصة لذلك؟
لا تتضح صورة الأمر قبل وضع الدستور الدائم الذي يحمل وحده معالم النظام الديمقراطي في الدولة الجديدة أم لا. وبالتأكيد هناك فرصة لبناء النظام الديمقراطي في سوريا شريطة المشاركة الشعبية في الرأي والموقف والحراك المتعدد الأشكال. فأهداف الثورة التي انتصرت كانت عبر هتافات شبابها بالحرية والكرامة، وليس من نظام سياسي معاصر يوفر الحرية والكرامة غير النظام الديمقراطي.
ــ أنت محسوب على التيار المدني، فكيف تنظر إلى الحكم الجديد وما يقال عن صبغته الدينية؟
حازت الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس الشرع على أكبر تأييد ودعم داخلي وعربي ودولي تمتعت به سلطة سورية، وهي التي أثمرت الثورة السورية على أيديها. والإسلام كدين وثقافة ليس غريبًا ولا طارئًا على الحياة السورية العامة، وقد أعلن الرئيس الشرع أن “سوريا ليست أفغانستان” وأعتقد أن السوريين بمجملهم والمسلمين في عدادهم لا يقبلون الاتجاهات الإسلامية المتطرفة، والتجربة السورية من خلال دستور 1950 كانت واضحة برفض معظم كبار مشايخ المسلمين وفقهائهم أن ينص الدستور على أن دين الدولة الإسلام، وأعتقد أن سوريا ستنتج بحرية أيضًا دستورًا ديمقراطيًا مماثلًا.
ــ ما هو تقييمك لأداء الحكومة خلال الأشهر الستة من استلامها حكم البلاد؟
من الواضح أنه أداء متواضع. فالفترة الماضية قصيرة والتحديات كبيرة والمشاكل الأمنية المتعددة ترهق جهود الحكومة. كما أن الوضع الاقتصادي المتردي الذي تتولى العمل ضمنه لا يساعد على الإنجاز بعوامل الكبح الكبيرة. لذلك نميل إلى تفهم الوضع والأعذار الواردة عن الأداء المتواضع.
ــ هل التقيت بالرئيس الشرع؟ وفي حال التقيت فيه ماذا يمكن أن تحدثنا عن هذا اللقاء؟
حقيقة لم ألتقِ الرئيس الشرع بعد، لكنني التقيت وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني وكان لقاء طيبًا أحمل منه الانطباعات الجميلة عن تواضع الوزير وسعة صدره واهتمامه ومناقشته الجدية للقضايا التي طرحها الحاضرون، وقد تحمل ملاحظاتي الناقدة والتي تدعو للتصويب برحابة صدر وموضوعية، مما يشير إلى اهتمام القيادة بسماع الرأي الآخر، ونرى ذلك في فسحة الحرية الجميلة في سوريا هذه الأيام، والتي توفر المناخ اللازم من خلال العمل بالمنتديات ونشر المقالات والحوار المتنوع والمتواصل في جميع المحافظات.
ــ كيف ترى الحديث عن علاقات بين سوريا وإسرائيل؟
بيننا وبين العدو الإسرائيلي أراضٍ محتلة منذ عام 1967، وكذلك هناك قرارات أممية من مجلس الأمن الدولي واتفاقات لفصل القوات، ولا بد أن تكون مجمل هذه القضايا على الطاولة في أي مباحثات قادمة.
ــ ختامًا إذا كان بإمكانك توجيه رسالة إلى الشباب السوري اليوم، فماذا ستقول لهم؟
أقول إن مسؤولية إنجاز التعافي وإعادة البناء في سوريا ليست من مهام السلطة وواجباتها وحدها. لكننا كشعب مسؤولون أيضًا ويجب أن تتوفر مشاركة الشباب فرديًا أو عبر منظمات المجتمع المدني أو المنظمات السياسية، ولا نكتفي بإطلاق التهم والملاحظات بل نشارك بفعالية. نبارك ما يستحق المباركة والتأييد وننتقد ما يستوجب الانتقاد والرفض. باختصار، نمارس حضورنا كمواطنين يحرصون على حقوقهم الدستورية.
- الترا سوريا