دمشق ـ «القدس العربي»: في تصعيد ميداني جديد، توغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدد من القرى في ريف محافظتي القنيطرة ودرعا، ضمن تحركات متلاحقة هي الثانية من نوعها خلال أقل من أربع وعشرين ساعة، وسط حالة من التوتر والترقب بين السكان.
وحسب ما أفادت به شبكة «درعا 24» المحلية، فقد اخترقت آليات عسكرية إسرائيلية أمس الإثنين، الشريط الحدودي في محيط قرية الحرية شمال غربي القنيطرة، وتمركزت لفترة قصيرة قبل أن تعود إلى مواقعها خلف الشريط الفاصل.
التوغلات الإسرائيلية لم تقتصر على قرية الحرية، إذ سبقتها عملية اقتحام مشابهة طالت قرية كودنة في ريف القنيطرة الجنوبي.
ووفق ما أكده الناشط الميداني مصطفى الخياط لـ «القدس العربي»، فقد دخلت قوة إسرائيلية إلى القرية خلال ساعات الليل، وأجرت عمليات تفتيش داخل عدد من المنازل، قبل أن تعتقل شابا لم يتم الإفراج عنه حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
وشهدت قرية المعلقة أيضا تحركا عسكريا إسرائيليا، حيث توغلت قوة تضم خمس مركبات عسكرية ودبابتين، واستمرت العملية نحو ساعة قبل أن تعود القوات إلى نقطة تمركزها في تل الجلع.
وفي سياق متصل، قال أيمن أبو نقطة، المتحدث باسم شبكة «تجمع أحرار حوران»، لـ «القدس العربي» إن قوة إسرائيلية تقدمت إلى شمالي قرية معرية في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي. وذكر شهود عيان من أبناء القرية أن القوة أطلقت النار في الهواء أثناء تقدمها، في خطوة اعتبرها الأهالي محاولة لإثارة الذعر.
بالتزامن مع هذه التحركات البرية، رُصدت اعتراضات جوية نفذتها الدفاعات الإسرائيلية في أجواء المنطقة. وأدت هذه الاعتراضات إلى اندلاع حرائق في الأراضي القريبة من الخط الفاصل، وتحديدا في المنطقة الغربية من قرية الرفيد المحاذية للجولان المحتل.
وحول المواقع العسكرية الإسرائيلية في القنيطرة، قال الناشط الميداني مصطفى الخياط لـ «القدس العربي» إن قوات الاحتلال فرضت وجودها العسكري على الحدود السورية في محافظة القنيطرة من خلال إنشاء نقاط جديدة لها.
ومن أبرز هذه المواقع العسكرية، يقول الخياط: إقامة نقطتين عسكريتين في كل من جباثا الخشب والعدنانية، في خطوات لم تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل امتدت لتطال البيئة ومصادر معيشة السكان.
وحسب المصدر، فإن النقطة العسكري في «جباثا الخشب تحولت من محمية طبيعية إلى موقع عسكري» مضيفا أنه «منذ مطلع شهر كانون الثاني/يناير من عام 2025، شرعت قوات الاحتلال بإنشاء نقطة عسكرية جديدة في حرش جباثا الخشب شمالي القرية، على بعد مئات الأمتار فقط من برج الزراعة. هذا الموقع لم يكن مجرد نقطة تمركز عسكري، بل شكل بداية لتدمير ممنهج لإحدى أقدم المحميات الطبيعية في محافظة القنيطرة».
وأضاف: الجرافات الإسرائيلية باشرت منذ الأيام الأولى بتجريف مساحات واسعة من الغطاء النباتي داخل الحرش، ما أدى إلى اختفاء مساحات خضراء كبيرة بهدف إقامة سواتر ترابية ومرافق عسكرية.
قوات الاحتلال نفّذت عمليات تفتيش في المنازل… واعتقالات
وامتدت الاعتداءات لتشمل أراضي الأهالي، حيث منع المزارعون من الوصول إلى أراضيهم داخل المحمية أو حتى الاقتراب منها، ما أثر على الوضع الاقتصادي لعشرات العائلات التي تعتمد على الزراعة الموسمية كمصدر دخل رئيسي».
مصادر محلية مطلعة أكدت أن الموقع العسكري في جباثا الخشب صمم ليكون نقطة مراقبة واستطلاع، ضمن خطة الاحتلال لإقامة سلسلة من النقاط العسكرية المتقاربة على طول الشريط الحدودي، ما يعزز من وجود دائم للجيش الإسرائيلي في المنطقة الحدودية.
وبذلك تحوّلت محمية جباثا الخشب حسب مصادر «القدس العربي» من بيئة طبيعية غنية بالتنوع، إلى موقع عسكري يكرّس التغلغل الإسرائيلي في عمق الأراضي القريبة من الخط الفاصل.
في خطوة مماثلة، أنشأ جيش الاحتلال نهاية شهر مايو/ أيار الفائت، نقطة عسكرية محصنة في منطقة العدنانية، غرب سد المنطرة، قرب بلدة القحطانية.
وحسب المصدر، فقد تم اختيار موقع استراتيجي فوق تلة تطل على القرى المجاورة والمناطق الزراعية المحيطة، وعلى مقربة من أحد أهم مصادر المياه في الجنوب السوري.
النقطة العسكرية الجديدة تضم غرفا مدعمة ومجموعة من الآليات الثقيلة، بينها دبابات وجرافات ومركبات عسكرية متعددة، مما يجعلها واحدة من أكثر النقاط تحصينا في المنطقة. وقد فرضت هذه النقطة واقعا جديدا على السكان، حيث تم فرض قيود مشددة على حركة الأهالي، ومنعهم من التنقل بين القرى المجاورة.
وقال المصدر: الأضرار لم تتوقف عند حدود الحركة، بل وصلت إلى المياه. فقد سيطرت القوات الإسرائيلية على مياه سد المنطرة، ما حرم المزارعين من مصدر رئيسي للري، وأدى إلى تضرر واسع في المحاصيل الزراعية. كما تحوّلت نقطة العدنانية إلى مركز احتجاز مؤقت، حيث يحتجز فيه مدنيون يتم اعتقالهم خلال التوغلات، ويخضعون للتحقيق لساعات قبل الإفراج عنهم. وفي محيط النقطة، يمنع المدنيون من الوجود أو الاقتراب، تحت التهديد المباشر بالاعتقال، ما أسهم في خلق حالة من الرعب والاحتقان بين سكان القرى المجاورة.
وحسب المصادر المطلعة في القنيطرة لـ «القدس العربي» فإن الوجود المتزايد للنقاط العسكرية الإسرائيلية، مثل نقطتي جباثا الخشب والعدنانية، يعكس توجها إسرائيليا نحو تعزيز السيطرة على المفاصل الحيوية في محافظة القنيطرة، سواء كانت بيئية أو زراعية أو مائية، فيما يبدو أنه جزء من استراتيجية بعيدة المدى لترسيخ نفوذ الاحتلال في الجنوب السوري.
- القدس العربي