خصّص فريدمان مقاله لهذا الأسبوع في صحيفة “نيويورك تايمز” لما سمّاه بـ”وباء الجبن الأخلاقيّ”، وهو ليس وباءً بيولوجيّاً مثل كوفيد-19، بل وباءٌ من القرارات الجبانة وغير الأخلاقيّة وغير المبدئيّة التي يتّخذها قادةٌ سياسيّون من مختلف الاتّجاهات، وركّز على ثلاثة أمثلة رئيسة يراها مترابطة:
- النازيّة الجديدة داخل الحزب الجمهوريّ الأميركيّ.
- دعم اليسار التقدّميّ لحركة حماس.
- مشكلة التطرّف الاستيطانيّ اليهوديّ في إسرائيل وعجز المجتمع الإسرائيليّ عن مواجهته.
يشبّه الكاتب والمحلّل السياسيّ الأميركيّ توماس فريدمان دفق القرارات التي يتّخذها بعض القادة السياسيّين من مختلف الاتّجاهات بـ”الوباء”، وبأنّها قرارات جبانة، غير أخلاقيّة
في رأي فريدمان تتشارك هذه الظواهر في ثلاث سمات:
- أوّلاً: فكر إقصائيّ معلن
لم تعد هذه القوى تحاول إخفاء أفكارها الإقصائيّة. فالنازيّون الجدد في المعسكر الجمهوريّ يريدون أميركا مسيحيّة بيضاء خالية من أكبر قدر ممكن من التنوّع. والمستوطنون اليهود المتطرّفون في الضفّة الغربيّة يريدون دولة يهوديّة من نهر الأردن إلى البحر المتوسّط خالية من الفلسطينيّين. والجهاديّون في حماس يريدون دولة إسلاميّة في فلسطين من النهر إلى البحر نفسه خالية من الإسرائيليّين اليهود. وهؤلاء جميعاً لم يعودوا يهتمّون بإخفاء تطرّفهم أو أجنداتهم. كلّ شيء معروض علناً عبر الإنترنت أو على “يوتيوب”. لم يعودوا يشعرون بالحرج.
- ثانياً: مدى تغذية كلّ مجموعة على الأخرى
إذ يستخدم كلّ طرف أسوأ أفعال الطرفين الآخرين كتبرير ودافع لمواقفه المنحرفة: يستخدم النازيّون الجدد الجمهوريّون الإدانة العالميّة لتجاوزات إسرائيل في غزّة وعنف المستوطنين في الضفّة الغربيّة ذريعةً لإظهار معاداتهم للساميّة علناً.
المستوطنون اليهود المتطرّفون، ومن يدعمهم في الحكومة، يستخدمون وحشيّة حركة حماس “تبريراً أخلاقيّاً” للاعتداءات والقتل في الضفّة.
تستخدم “حماس” جهود إسرائيل للسيطرة على المسجد الأقصى والاعتداءات على الفلسطينيّين في السجون الإسرائيليّة وعنف الجيش والمستوطنين لتبرير قتلها لليهود الإسرائيليّين في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل.
- ثالثاً: التّطبيع والدّعم السّياسيّ
الأمر الثالث المشترك بين هذه الأطراف، بحسب فريدمان، هو مدى تطبيع أو تبرير هذه السلوكيّات من قِبَل دوائرهم ومؤيّديهم السياسيّين. ويضرب مثالاً بيان أكثر من 30 منظّمة طلّابيّة في جامعة هارفرد ليلة 7 أكتوبر، حمّل إسرائيل وحدها مسؤوليّة الأحداث حتّى قبل بدء ردّها العسكريّ، وهي خطوة وصفها الكاتب بمؤشّر إلى عقليّة ترى وجود إسرائيل في حدّ ذاته المشكلة، لا سياساتها. ويشير، بالمقابل، إلى إنكار الإسرائيليّين أو تجاهلهم لجرائم المستوطنين، مستشهداً بتقارير تظهر ارتفاعاً كبيراً في العنف ضدّ الفلسطينيّين من دون محاسبة أو اعتراف رسميّ، بل مع حملات منظّمة لنفي ذلك.
عند جمع هذه الظواهر، يصبح واضحاً، بحسب فريدمان، أنّنا نشهد انهياراً واسعاً للنظام الليبراليّ الإنسانيّ الذي هيمن على الديمقراطيّات الغربيّة بعد الحرب العالميّة الثانية. ويشبّه ذلك باقتلاع شامل لما سمّاه “أشجار المانغروف المجتمعيّة”، أي الأعراف غير المكتوبة الضروريّة لكبح وتصفية وامتصاص السلوكيّات المنحرفة وخطاب الكراهية، حتّى عندما تكون تلك السلوكيّات قانونيّة تقنيّاً.
تستخدم “حماس” جهود إسرائيل للسيطرة على المسجد الأقصى والاعتداءات على الفلسطينيّين في السجون الإسرائيليّة وعنف الجيش والمستوطنين لتبرير قتلها لليهود
مسؤوليّة نتنياهو في تقويض إسرائيل
في ما يتعلّق بإسرائيل، يحمّل فريدمان رئيس الوزراء الإسرائيليّ، ومن يدور في فلكه وضمنهم جماعة الضغط “أيباك”، مسؤوليّة تقويض أمن إسرائيل والشعب اليهوديّ على المدى الطويل أكثر ممّا فعله أيّ مقاتل من “حماس” لأنّه أشرف على تدمير ثلاث ركائز أساسيّة لأمن إسرائيل:
- الوحدة الوطنيّة.
- الديمقراطيّة واستقلال القضاء.
- خوض الحروب بمعايير أخلاقيّة وإنسانيّة.
يرى أنّ هذه الركائز الثلاث تتآكل اليوم بدافع هوسٍ مجنون بضمّ الضفّة الغربيّة، وأنّ إسرائيل الآن في خطر حقيقيّ لأنّ جميع هذه التهديدات تأتي من الداخل.
أميركا واليمين المتطرّف
يشير فريدمان إلى تفشّي التطرّف بين فئات قياديّة شابّة في الحزب الجمهوريّ، والظهور العلنيّ للخطاب العنصريّ والمعادي للساميّة لهؤلاء عبر “تلغرام”، ويعتبر أنّ صمت أو تبرير شخصيّات رفيعة مثل دونالد ترامب وجي. دي. فانس لهذا الخطاب ينبع من رغبة سياسيّة في الاحتفاظ بقاعدة انتخابيّة تحمل مواقف متطرّفة.
“كم انحدرنا”، يكتب فريدمان: لقد شهدنا حركات سياسيّة تستغلّ العداء لليهود للوصول إلى السلطة، لكن لم نشهد سياسيّين كباراً يستخدمونه أداةً للبقاء في السلطة إلّا اليوم.
شهدنا متطرّفين يهوداً مثل الحاخام مئير كهانا يفوزون بمقاعد في البرلمان الإسرائيليّ، لكن لم نشهدهم وهم يضعون سياسة الدفاع الإسرائيليّة، إلّا عندما منحهم نتنياهو المفاتيح.
شهدنا تظاهرات مؤيّدة للفلسطينيّين، لكن لم نشهد مثل هذا التجاهل الكامل لجرائم “حماس” بعد قتلها مئات المدنيّين الإسرائيليّين.
إقرأ أيضاً: السعودية ثالث قوة عالمية في الذكاء الصناعي؟
تآكل النّظام الأخلاقيّ العالميّ
يعتبر الكاتب أنّ ما نشهده اليوم هو انهيار واسع للأعراف الأخلاقيّة الليبراليّة التي كانت بمنزلة “جذور مانغروف” تمنع انتشار خطاب الكراهية أو السلوكيّات المنحرفة، حتّى عندما تكون تلك السلوكيّات قانونيّة. ومع انهيار الأعراف يسقط المجتمع. ويرى أنّ ما يحدث الآن هو صمتٌ منهجيّ.
يختم بتحذير حادّ موجّه إلى ترامب ونتنياهو وفانس والمتظاهرين المؤيّدين لحركة حماس، مستشهداً بكلمات ليز تشيني لزملائها الجمهوريّين الذين تجاهلوا تحريض ترامب على أحداث اقتحام الكونغرس في 6 كانون الأوّل: “سيأتي يوم يرحل فيه دونالد ترامب، لكنّ عاركم سيبقى”.
- أساس ميديا



























