رغم ذلك يبدو أن الضغوط الأميركية نجحت في دفع إسرائيل للانخراط مجدداً في جهود التوصل إلى اتفاق أمني، غير أن تل أبيب تحاول رفع سقف مطالبها، إما لانتزاع اتفاق على هواها أو بهدف إفشال هذه الجهود أساساً. بالمقابل فإن دمشق تكرر مطالبتها بانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي احتلّها ما بعد إسقاط نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، لا سيما في الجولان ومناطق في جبل الشيخ، كشرط لأي ترتيب أمني مع إسرائيل.
تعنّت إسرائيلي
ووسط ما يبدو أنه محاولات أميركية للتوصّل إلى تسوية تقود الى ترتيبات أمنية بين الطرفين، تواصل إسرائيل تعنّتها، رافضةً الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلتها قبل نحو عام، كما تستمر في محاولاتها لشيطنة النظام السوري. وأورد موقع واينت العبري، أمس، أن الانسحاب من أراضٍ سورية لن يحدث، رغم وجود اتصالات بين الطرفين بواسطة أميركية، قبل أن تصبح المنطقة منزوعةَ السلاح. وتطالب إسرائيل بمنطقة منزوعة السلاح تمتد من دمشق الى المنطقة العازلة في الجولان السوري المحتل. ولفت الموقع إلى أن إسرائيل لا تثق كثيراً بالرئيس السوري أحمد الشرع، فيما يواصل الأميركيون الضغط، ومن المتوقّع حسم الأمور فقط بعد اللقاء المرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو (لم يحدد موعده بعد).
مسؤول أميركي: ترامب مهتم بالتوصّل إلى تسوية خشية أن ينجرف الشرع نحو إيران أو الصين أو روسيا. من المهم الحفاظ عليه ضمن معسكر الدول المعتدلة
ونقل عن مسؤول أميركي، لم يسمّه، أن هناك تقدماً في المحادثات، رغم أن التطبيع ليس مطروحاً. وأضاف أنه “مجرد وجود اتصالات بين إسرائيل وسورية، هو أمر مهم جداً. إنه حدث تاريخي. ترامب مهتم بالتوصّل إلى تسوية خشية أن ينجرف الشرع نحو إيران أو الصين أو روسيا. من المهم الحفاظ عليه ضمن معسكر الدول المعتدلة”. وبحسب المسؤول، اقترح الأميركيون أن تزوّد إسرائيل سورية بالغاز لتعزيز الاستقرار، وإسرائيل لم تستبعد الاقتراح حتى الآن. من جهتها أشارت صحيفة هآرتس العبرية، أمس، إلى استمرار الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن سورية، مضيفةً أنه طوال أشهر عديدة يدفع ترامب نحو ترتيبات أمنية بين تل أبيب ودمشق، تشمل انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من المناطق التي سيطر عليها قبل نحو عام، في جبل الشيخ السوري وفي الجولان السوري، فيما يبقى نتنياهو “متشككاً ومراوغاً”.
زخم جديد
وتلقى هذا المسار زخماً جديداً بعد اجتماع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم برّاك، الاثنين الماضي، مع نتنياهو في القدس المحتلة، إذ نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أن نتنياهو أبلغ برّاك موافقته على تعيين ممثل خاص من جانبه لقيادة المفاوضات مع سورية، بدلاً من الوزير السابق رون ديرمر الذي استقال قبل أسابيع. ونقلت القناة 12 العبرية عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو يعتزم تعيين مسؤول ذي خبرة أمنية، وربما يشغل حالياً منصباً في المؤسسة الأمنية. ووفقاً للقناة فقد كان هدف اجتماع نتنياهو وبراك ما وصفتها بتصفية الأجواء وتخفيف التوترات والشكوك بين الطرفين الإسرائيلي والسوري، فيما أفاد مسؤولون أميركيون بأن الهدف تحقق.
ويرى مراقبون أن الحكومة الإسرائيلية ربما لا تُريد التوصل إلى أي اتفاق أمني مع الجانب السوري لأنها تعتقد أن مثل هذا الاتفاق غير مفيد لها في هذه المرحلة، إذ يمكنها بدون اتفاق أن تفعل ما يحلو لها في الجنوب السوري، بينما أي اتفاق سيقيدها ويحد من حركتها. وترى أن الأنسب لها هو استغلال ما تعتقد أنها حالة ضعف تمر بها سورية لانتزاع اتفاقية سلام تتنازل بموجبها دمشق عن هضبة الجولان المحتلة وتقبل بسلام “دافئ” مع تل أبيب يتضمن تمثيلاً دبلوماسياً وتطبيعاً للعلاقات. وفي هذا السياق، جاءت مطالبة المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، أول من أمس الخميس، خلال كلمته في مجلس الأمن، بإنشاء منطقة منزوعة السلاح، تمتدّ من دمشق وصولاً إلى المنطقة العازلة الحالية، قائلاً إن إسرائيل لن تسمح لإيران أو حزب الله (اللبناني) أو “حماس”، أو أي جماعات أخرى، بإعادة التمركز أو الوجود عند الحدود الشمالية.
من جهته، قال مندوب سورية لدى الأمم المتحدة إبراهيم علبي إن دمشق ملتزمة باتفاقية فض الاشتباك المبرمة مع تل أبيب منذ عام 1974، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته لها، مؤكداً أن سورية تحتاج إلى وجود قواتها الأمنية على الحدود مع إسرائيل لضبط تلك المنطقة. وأمس، توغل الجيش الإسرائيلي في عدة قرى بريف القنيطرة. وذكرت وكالة الأنباء السورية “سانا” أن قوة للاحتلال مؤلفة من ثلاث سيارات توغلت من مدخل بلدة بئر عجم باتجاه قرية بريقة، فيما توغلت قوة ثانية مؤلفة من سيارتين من مدخل قرية العشة باتجاه قرية الرفيد. كذلك توغلت قوة أخرى مؤلفة من سيارة واحدة عند قرية أم العظام، وأقامت حاجزاً عند تقاطع قريتي المشيرفة ورويحينة، كما توغلت قوة للاحتلال مؤلفة من ثلاث سيارات في قرية رويحينة.
سورية ضمن نظام أمني إقليمي
في هذا الصدد رأى الباحث في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إسرائيل بدأت في الاستجابة لمتطلبات الاتفاق الأمني منذ أن أبلغ نتنياهو برّاك موافقته على تعيين ممثل خاص من جانبه لقيادة المفاوضات مع سورية ويكون من خلفية أمنية، بدلاً من رون ديرمر. وفي رأيه فإن “الأرجح أن يكون برّاك قد نقل لإسرائيل ضمانات أميركية بحماية أمنها وعدم تهديده من سورية”.
رشيد حوراني: ترامب يعمل على دمج سورية ضمن نظام الأمن الإقليمي والعالمي
ولفت حوراني إلى أن زيارة برّاك سبقت الإعلان عن رفع “قانون قيصر” (العقوبات الأميركية على نظام بشار الأسد)، موضحاً أن ترامب “يعمل على دمج سورية ضمن نظام الأمن الإقليمي والعالمي وأن تكون طرفاً مهماً لمنع إعادة تجديد إيران لنفوذها”. ويرى الرئيس الأميركي في الإدارة السورية، وفق حوراني، “شريكاً مهماً في ذلك، إضافة إلى أن وجود الولايات المتحدة يطمئن إسرائيل من قلقها بشأن الدور التركي في سورية، كما لا تريد واشنطن أن يكون لروسيا دور كسابق عهدها”. وإلى جانب هذه الأسباب، رأى حوراني أن إسرائيل قرأت الشعارات المناصرة لغزة التي رددها جنود الجيش السوري خلال احتفالات التحرير (إسقاط الأسد) على أنها تهديد بالقوة من قبل الإدارة السورية، و”لذلك نجد أنها بعد هذه الاحتفالات خفضت من سقف مطالبها وعادت للحديث عن الاتفاق الأمني مع سورية”. وأشار حوراني خصوصاً إلى أن “وضع إسرائيل الداخلي والعسكري لا يسمح لها بشن حرب جديدة، لا سيما أن هذه الحرب ستكون مع مقاتلين متمرسين تجهلهم إسرائيل وهم من خلفيات إسلامية وجهادية”.
أحمد المسالمة: إسرائيل ستواصل تقديم مطالب مبالغ فيها لا يمكن للحكومة السورية قبولها
من جهته، رأى المحلل السياسي، أحمد المسالمة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “الجهود الأميركية باتجاه التوقيع على اتفاق أمني بين الجانبين السوري والإسرائيلي هدفها تجاوز أي توترات محتملة في حال واصلت قوات الاحتلال توغلاتها واعتداءاتها على الأراضي السورية، وهو ما يشكل استفزازاً قد لا تقوى الإدارة في دمشق على تحمله إلى ما لا نهاية”. واستبعد المسالمة حصول تقدم سريع في هذه المفاوضات نظراً إلى أن “إسرائيل ستواصل تقديم مطالب مبالغ فيها لا يمكن للحكومة السورية قبولها، مثل الاحتفاظ بقمة جبل الشيخ أو مد المنطقة العازلة إلى حدود دمشق أو مواصلة استغلال بعض الأوضاع الداخلية في سورية”. وأشار مسالمة إلى أن “الحكومة السورية لا بد أنها تلقت زخماً أكبر وثقة بالنفس أعمق مع رفع العقوبات الأميركية عنها ما يجعلها في موضع أفضل لمقاومة الضغوط الإسرائيلية”.
- العربي الجديد


























