شهدت مناطق في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، وسط وغرب سوريا، مظاهرات احتجاج شارك فيها المئات من أبناء الطائفة العلوية، رُفعت خلالها لافتات تطالب بـ«الفيدرالية» و«حق تقرير المصير». كما تعالت هتافات مناهضة للسلطة المركزية الانتقالية، وذلك تلبية لنداء من الشيخ غزال غزال الذي يترأس ذاتياً ما يُسمى «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر»، دعا فيه إلى «طوفان بشري سلمي يملأ الساحات».
لكن التظاهر السلمي لم يكن صفة حشود تسللت إليها مجموعات من الفلول أنصار النظام السابق البائد، لم يكتفوا باللافتات والهتافات الاستفزازية بل حملوا أيضاً السلاح الأبيض والناري، وعمدوا إلى استهداف عناصر الأمن العام التي انتشرت لضمان أمن المظاهرات، وإلى تكسير السيارات والعبث بالمرافق العامة. وفي المقابل كان منتظراً أن تخرج حشود أخرى مؤيدة للسلطة الانتقالية، ورافضة لشعارات لا تنتهي مدلولاتها إلا إلى الإضرار بالوحدة الوطنية للشعب السوري، وإلى تكريس النزعات الانفصالية.
صحيح بالطبع أن غزال ومجلسه لا يمثلان سواد أبناء الطائفة العلوية، لأن أحداً لم ينتخبه أصلاً أو يصوّت لصالح تشكيل مجلس طائفي المحتوى والأهداف، يعمل من خارج سوريا ويرتبط بأجندات إقليمية تضررت من سقوط النظام. منطقي بالتالي أنه لا يعبّر إلا عن رأي قلة قليلة من أتباعه، تظاهروا وهتفوا يفدونه بالروح وبالدم، هو الذي يشهد تاريخه على تأييد النظام البائد والحض على استخدام العنف ضد الانتفاضة الشعبية. وقد عبرت هيئات من داخل مناطق العلويين في سوريا عن رفضها لدعواته، واستنكارها لمحاولات تأجيج نيران الصدامات الطائفية، وتشديدها على حرية التعبير السلمي عن المظالم.
ولكن من الصحيح أيضاً أن مواجهة شارع ذي طابع علوي مناهض للحكومة الحالية، بشارع مضاد ذي طابع سني مؤيد للسلطة المركزية، تنطوي على عواقب بالغة الخطورة على الوحدة الوطنية لعموم الشعب السوري، الأمر الذي يُلزم السلطات الانتقالية باتخاذ كل الإجراءات التي تكفل عدم الانزلاق إلى مآل سوف يكون دامياً بالضرورة، كما تأكد بوضوح مع سقوط 4 قتلى أحدهم عنصر في الأمن العام، وعشرات الجرحى.
وهذه التظاهرات ليست سوى الصيغة المعلنة من سيرورة تآمر خافية على استقرار سوريا عموماً والسلطة الانتقالية الراهنة خصوصاً، يتولى التحريض عليها عشرات الضباط وحيتان الفساد وصنّاع الكبتاغون من رجال النظام البائد وأصحاب المصلحة في زعزعة السلم الاهلي، وقطع مسير سوريا نحو الاستقرار وإعادة البناء. وليس خافياً أن هؤلاء أقرب إلى بيادق تحركها قوى وميليشيات إقليمية سادت في سوريا طوال 14 سنة، ولا تملك اليوم سوى توظيف المليارات وتحريك الغرائز الطائفية واستغلال المطالب المشروعة لإشعال النيران.
وإذا جاز القول بأن مشاريع غزال وأمثاله قصيرة المدى وآيلة إلى فشل وانحسار، فإن واجب السلطة الانتقالية في درء المخاطر الكامنة لا يقبل التأجيل ولا التراخي في مواجهة الاستحقاقات المعقدة المطلوبة كافة، كما يُلزم السوريين أجمعين بالجنوح إلى تفكير وطني جامع وخارج صناديق الانحيازات الفئوية، أياً كانت إغواءاتها والجهات المحرضة على إذكائها.
- القدس العربي


























