لندن – “القدس العربي”:
تكشف اتصالات مخترقة وتحليلًا لوسائل التواصل الاجتماعي كيف يحاول قادة سابقون في النظام تسليح مقاتلين وبسط نفوذ يمتد حتى واشنطن.
ويكشف تقرير لإريكا سولومون، كريستيان تريبرت، هايلي ويليس، أحمد مهيدي، في نيويورك تايمز أن جنرالات وقادة استخبارات سابقين في نظام بشار الأسد يعملون من منفاهم، خصوصًا في روسيا ولبنان، على تمويل وتسليح شبكات مسلحة ومحاولة تجنيد مقاتلين، مع طموحات لاقتطاع الساحل السوري أو زعزعة الحكومة الجديدة. وبينما تبدو فرص التمرد العسكري محدودة ومفككة، يثير تحرك بعضهم عبر جماعات ضغط في واشنطن قلقًا أكبر، إذ قد يفتح مستقبلاً بابًا دوليًا لإعادة تدوير نفوذهم تحت شعار “حماية الأقليات”.
كانوا من أبرز قادة الاستخبارات والجنرالات في عهد بشار الأسد، رجالًا أمضوا أكثر من عقد في قمع انتفاضة شعبية بوحشية في سوريا. واليوم، بعد عام على فرارهم مع انهيار نظام الأسد، يعملون على تقويض الحكومة الناشئة التي أطاحت بهم، وربما استعادة موطئ قدم داخل البلاد.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المسؤولون السابقون يشكلون تهديدًا جديًا للسلطات السورية الجديدة، إذ إنهم كثيرًا ما يختلفون في ما بينهم
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان هؤلاء المسؤولون السابقون يشكلون تهديدًا جديًا للسلطات السورية الجديدة، إذ إنهم كثيرًا ما يختلفون في ما بينهم. لكن مقابلات مع مشاركين واتصالات بينهم اطّلعت عليها صحيفة نيويورك تايمز تُظهر بوضوح إصرارهم على استعادة نفوذهم في سوريا، التي لا تزال تعيش على وقع توتر بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية.
يحاول بعض هؤلاء القادة السابقين بناء تمرّد مسلح من المنفى. ودعم أحدهم جماعة تقف خلف حملة ضغط (لوبي) في واشنطن تكلّف مليون دولار.
ويأمل عدد منهم في اقتطاع الساحل السوري، موطن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد وكثير من كبار مسؤولي الجيش والاستخبارات.
“لن نبدأ قبل أن نكون مسلحين بالكامل”، قال غياث دلة، 54 عامًا، القائد السابق البارز في الفرقة الرابعة التي كانت تُعدّ من أكثر وحدات النظام رهبة، لأحد مرؤوسيه في اتصال هاتفي من لبنان في أبريل، جرى اعتراضه من دون علمه.
وكان هذا الحديث واحدًا من عشرات المكالمات الهاتفية والنصوص والمحادثات الجماعية التي فُرغت نصيًا وشاركتها مع نيويورك تايمز مجموعة من الناشطين السوريين، قالوا إنهم اخترقوا هواتف قادة بارزين في نظام الأسد قبل انهياره، ويراقبون تحركاتهم منذ ذلك الحين.
راجعت الصحيفة المواد ودقّقت تفاصيلها بمقارنتها مع مسؤولين سوريين يتابعون هؤلاء القادة السابقين، إضافة إلى أشخاص على تواصل معهم أو يعملون معهم. ولم يشارك الناشطون سوى عيّنة من المواد، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم حفاظًا على قدرتهم على مواصلة المراقبة.
ويبرز اسمان رئيسيان في هذه الجهود: سهيل الحسن، قائد القوات الخاصة السابق للأسد، وكمال حسن، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية. ويخضع الرجلان لعقوبات دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وتُظهر الرسائل النصية والمقابلات مع مشاركين أنهم وزّعوا أموالًا وجنّدوا مقاتلين، وفي حالة شبكة سهيل الحسن، جرى أيضًا تأمين أسلحة.
تُظهر الرسائل النصية والمقابلات مع مشاركين أنهم وزّعوا أموالًا وجنّدوا مقاتلين، وفي حالة شبكة سهيل الحسن، جرى أيضًا تأمين أسلحة
دخل الجنرالان المنفى في موسكو مع الأسد في ديسمبر 2024، ومع ذلك يبدو أن كليهما قادر على السفر رغم العقوبات الدولية.
وخلال العام الماضي، التقى سهيل الحسن متعاونين له في لبنان والعراق وحتى داخل سوريا، بحسب رسائل نصية تتناول أماكن وجوده.
كما وردت رسائل تشير إلى زيارة كمال حسن للبنان. وأكد مساعد ومجنّد وأحد المعارف للصحيفة أنهم التقوه هناك. وكغيرهم ممن تحدثوا عن طموحات الجنرالات السابقين، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن الخطط يُراد لها أن تبقى سرية.
تعذّر الوصول إلى سهيل الحسن للتعليق. أمّا كمال حسن، فردّ عبر رسالة نصية نافيًا ضلوعه في التحريض على تمرّد مسلح.
قلّل مسؤولون سوريون يراقبون محاولات التمرّد من خطورتها، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لعدم تخويلهم الحديث للإعلام.
ولا تزال البلاد منقسمة بعمق بعد حرب أهلية خلّفت أكثر من 600 ألف قتيل. وتبقى أجزاء منها تحت سيطرة محدودة للحكومة الجديدة. كما يتوجس كثيرون من الجذور المتطرفة للرئيس الجديد أحمد الشرع، الذي كان متحالفًا سابقًا مع تنظيم القاعدة قبل أن يقود الهجوم الذي أطاح بالأسد.
وقال مسؤولان سابقان في نظام الأسد يتعاونان مع الجنرالات السابقين إنهما في موقع مناسب للتجنيد داخل المجتمع العلوي، الذي لا يعاني الخوف فحسب، بل يضم أيضًا عددًا كبيرًا من الجنود السابقين.
ومع ذلك، يبقى عدد المستجيبين المحتملين غير واضح، إذ يحمل كثير من العلويين مرارة عميقة تجاه النظام بعد سنوات الحرب الدامية.
محارب مقدّس
تعود أقدم الاتصالات المخترقة التي راجعتها الصحيفة إلى أبريل 2025، حين لاحظ الناشطون الذين اخترقوا الهواتف تصاعدًا في نشاط بعض الأهداف.
وقبل ذلك بشهر، قُتل أكثر من 1,600 شخص، معظمهم علويون، في موجة عنف طائفي، عندما اندفع آلاف المسلحين إلى الساحل السوري عقب هجوم منسّق شنته قوات أمنية تابعة للنظام السابق على قوات الحكومة الجديدة، ما أسفر عن مقتل 16 جنديًا.
وفّرت هذه المجزرة ذريعة تعبئة لمسؤولي النظام السابقين الساعين لتجنيد مقاتلين علويين. وكانت خطط متنافسة لذلك قد أوردتها سابقًا إرم نيوز ووكالة رويترز.
وكان سهيل الحسن من أكثرهم نشاطًا. ويُعرف بين أنصاره بلقب النمر لما عُرف عنه من شراسة في القتال، بينما اشتهر لدى المعارضة بتكتيكات الأرض المحروقة، وهو متهم بإصدار أوامر بقصف مدنيين.
وباعتباره حليفًا قديمًا لروسيا، كان من أوائل من سعت موسكو لإجلائهم مع انهيار النظام، بحسب أربعة ضباط سابقين.
غير أنه لم يُبدِ، على ما يبدو، رغبة في الاكتفاء بالجلوس في روسيا.
فمن أبريل وحتى الصيف، تُظهر الاتصالات التي راجعتها الصحيفة تخطيطه للعودة. ومن بينها جداول مكتوبة بخط اليد أرسلها من هاتفه في أبريل، تبيّن أعداد المقاتلين والأسلحة في قرى مختلفة على الساحل السوري.
أرسل الحسن هذه الجداول إلى شخص خاطبه بصفته “القائد العام لقواتنا العسكرية والمسلحة”، وقال إنه تحقق من هويات أكثر من 168 ألف مقاتل: 20 ألفًا لديهم إمكانية الوصول إلى رشاشات، و331 يمتلكون مدافع مضادة للطائرات، و150 قنابل مضادة للدروع، و35 قناصًا لا يزالون يحتفظون بأسلحتهم.
وكان يختم كل رسالة بالتوقيع نفسه: خادمكم، برتبة محارب مقدّس.
ثلاثة مشاركين في الخطط قالوا إن الحسن يعمل مع رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الأسد المنشق عنه، والذي فرّ بدوره إلى موسكو
لم يذكر الحسن اسم قائده في الرسائل. لكن ثلاثة مشاركين في الخطط قالوا إنه يعمل مع رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الأسد المنشق عنه، والذي فرّ بدوره إلى موسكو. وأضافوا أن مخلوف موّل جهود الحسن، وأرسل كذلك مبالغ كبيرة لعائلات علوية فقيرة على الساحل.
ويقدّم مخلوف نفسه كشخصية خلاصية مستعدة لقيادة العلويين، ويعتقد — بحسب مقربين منه — أنه قادر على التنبؤ بالأحداث عبر نصّ غامض بحوزته. ورفضت عائلته ترتيب مقابلة معه.
بحلول الربيع، تُظهر الاتصالات المخترقة أن الحسن جنّد غياث دلة، جنرال الفرقة الرابعة.
وفي إحدى الرسائل، قال دلة للحسن إنه وزّع 300 ألف دولار شهريًا على مقاتلين وقادة محتملين، بمعدلات تراوح بين 200 و1,000 دولار شهريًا. كما طلب الموافقة على شراء معدات اتصالات عبر الأقمار الصناعية بنحو 136,600 دولار.
وأشار دلة في الرسائل إلى أنه يقيم في منزل داخل لبنان قرب الحدود السورية، وأن منزله يفتقر إلى الكهرباء وحتى إلى طلاء الجدران.
وفي محادثات أخرى، وصف لقاءات مع قادة ميليشيات عراقية موالية لإيران، ناقشوا خلالها سبل تهريب أسلحة إلى المتمرّدين من دون استجلاب ضربات إسرائيلية أو الوقوع بيد السلطات السورية. كما تحدّث عن لقاءات مع ممولين محتملين.
وأظهرت رسائل أخرى تراجعه عن مخططات اغتيال وخطط لشراء أو توزيع طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، قال إن بعضها مخبأ داخل سوريا.
وفي أبريل، أدخل الجنرالان شخصية ثالثة إلى الشبكة: محمد الحسوري، 60 عامًا، قائد بارز في سلاح الجو متهم بتنفيذ هجوم بالأسلحة الكيميائية على خان شيخون عام 2017.
كتب الحسن أن مسؤولين إيرانيين نقلوا الحسوري و20 طيارًا آخرين إلى فندق في لبنان، وأنهم أبدوا استعدادهم للبقاء والانضمام إلى التمرّد إذا تكفّل بتكاليف إقامتهم.
وأكد مسؤول سابق في النظام قال إنه على تواصل مع الحسوري صحة هذه الرواية في أكتوبر، لكنه قال بعد شهر إن الخطط انهارت، وإن الشبكة الأوسع التي حاول دلة والحسن تشكيلها بدأت تتفكك.
مدخل إلى واشنطن
يوصف كمال حسن، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، في الاتصالات المخترقة بأنه يقدّم أيضًا مدفوعات لداعمين ومجنّدين محتملين.
ويخضع حسن لعقوبات أمريكية بسبب إشرافه على فرعين سيئي السمعة في الاستخبارات العسكرية، حيث كشفت صور مسرّبة عام 2014 عن تعذيب وإعدامات منهجية.
وعند سؤاله عن هذه الاتهامات، قال حسن: أعتبرها سياسية ومجرّد ادعاءات، إذ لا ترافقها وثائق. كما قال إن المزاعم حول تمويله متمرّدين محتملين تتضمن كثيرًا من الأخطاء ووقائع مشكوكًا فيها.
وقال شخصان يعملان مع حسن إنه يركّز أكثر على بناء شبكة نفوذ منه على التمرّد المسلح. وأضافا أنه يقف خلف مؤسسة تنمية غرب سوريا ومقرها بيروت.
قال شخصان يعملان مع حسن إنه يركّز أكثر على بناء شبكة نفوذ منه على التمرّد المسلح. وأضافا أنه يقف خلف مؤسسة تنمية غرب سوريا ومقرها بيروت
وتعرض المؤسسة نفسها على أنها تعمل لصالح الأقليات السورية وتوفّر إسكانًا للعلويين الذين لجأوا إلى لبنان. لكن متعاونين مع حسن قالوا إنه يستخدمها للضغط في واشنطن من أجل فرض حماية دولية لمنطقة العلويين في سوريا.
وتشكر مقاطع فيديو عديدة على الإنترنت لاجئين سوريين في لبنان حسن على دعمه المالي، كما يفعل منشور على صفحة المؤسسة في فيسبوك. وجاء فيه: جميع تكاليف الحملة — في إشارة إلى مبادرة بارزة لإسكان لاجئين علويين —تكفّل بها المواطن السوري اللواء الركن كمال حسن.
وبحسب إفصاحات أمريكية في أغسطس، تعاقدت المؤسسة مع شركة الضغط تايغر هيل بارتنرز ومع جوزيف إي. شميتز، المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب والمسؤول التنفيذي في شركة بلاك ووتر، بعقد قيمته مليون دولار لتمثيلها.
في البداية، أحال حسن طلب إجراء مقابلة إلى شميتز واصفًا إياه بمحاميه، لكنه عاد لاحقًا لينفي أي صلة له بالمؤسسة أو أي منظمة سورية، مضيفًا: لكن من حيث المبدأ، أدعم وأشجع أي خطوة تخدم التنمية والسلام في سوريا.
وامتنع شميتز عن التعليق نيابة عن حسن، لكنه قال باسم المؤسسة إنهم يعملون لضمان حماية الأقليات في سوريا وتمثيلها.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، روّجت المؤسسة لاجتماعات مع مكاتب ستة مشرعين أمريكيين، بينهم النائب براين ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، والسناتورة جين شاهين، العضو الديمقراطي في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
وأكد مساعدو شاهين وماست وغيرهما حصول هذه الاجتماعات مع لوبيي تايغر هيل، وقالوا إنها كانت روتينية وعلى مستوى الموظفين فقط.
وقال دبلوماسيون عدة في سوريا إنهم أكثر قلقًا من حملات الضغط في واشنطن مقارنة بمخططات التمرّد، إذ يمكن لمثل هذه الحملات أن تمهّد تدريجيًا لدعوات إقامة منطقة شبه ذاتية الحكم في سوريا.
وقال بسّام برابندي، الدبلوماسي السوري السابق الذي فرّ من النظام ويعمل على الضغط لصالح ضحاياه منذ 2012: اليوم، لن يمرّ هذا الطرح أبدًا.
وأضاف: لكن بعد عامين أو ثلاثة، إذا لم تنجح الحكومة الحالية في توفير الاستقرار، قد يبحث القادة الأمريكيون عن أطراف أخرى للتعامل معها.
- القدس العربي


























