أبو ظبي لديها مصالح في منطقة البحر الأحمر
الدوحة-»القدس العربي:» تتباين المواقف العربية من أزمة سد النهضة التي تهدد الحصة المائية لكل من مصر والسودان، وتشكل خطراً على أمنهما الحيوي، بين الدعم الكامل واللا مشروط من غالبية العواصم مع القاهرة والخرطوم، والاصطفاف سراً وعلناً مع أديس أبابا من قبل أبو ظبي.
سارع الأردن والبحرين والكويت والسعودية، ومعظم الدول العربية للإعلان عن التضامن مع الموقف المصري والسوداني في هذه الأزمة، تزامناً وتصريحات السيسي التي ألمح فيها إلى اللجوء إلى حل عسكري بشأن «النهضة» مهدداً من يمس بنصيب القاهرة من مياه النيل بصورة حازمة.
لكن المراقبين توقفوا مطولاً أمام موقف الإمارات التي غابت ولم تكن طرفاً في الحراك العربي لدعم أشقائهما في مسألة حيوية تتعلق بأمنهم الحيوي.
انتهزت أبو ظبي فرصة تهنئة القاهرة بتعويم الباخرة العالقة في قناة السويس، لتتحدث عن أزمة سد النهضة ولكن بلهجة مختلفة ودون سقف التوقعات، وبدت أنها تغرد خارج السرب، وعبرت عن حرص غامض تجاه مصالح أديس أبابا.
وقالت الإمارات أنها مع «استمرار الحوار الدبلوماسي البناء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سد النهضة بين الدول الثلاث، مصر وأثيوبيا والسودان، وأهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية» ووضعت أبو ظبي نفسها في موقع المحايد والوسيط بين الطرف الأثيوبي والمصري. الحياد الإماراتي كان أقرب لمناورة لدعم خطط أثيوبيا، ومساندتها في معركتها.
ولم تعد القاهرة وساستها يخفون امتعاضهم من الحليفة (الإمارات) ومواقفها المتناقضة، والتي عززتها قضايا مختلفة اصطفت خلالها مع أنداد مصر، وتحديداً تل أبيب وأديس أبابا.
تحالف يستهدف القاهرة
ويأتي التقارب الإماراتي الإسرائيلي على مستوى مشاريع إقليمية هامة وغيرها، تحديداً في قضية السويس، ليعزز من مؤشرات حالة البرودة التي أصابت علاقات أبو ظبي والقاهرة. وجاءت طعنة الإمارات وإعلان تحالفها مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشأن ممر بديل لقناة السويس لنقل النفط والبضائع من الخليج نحو البحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر ومنافسة القاهرة في أحد أهم مجالاتها الحيوية.
ساسة مصر عبروا عن امتعاضهم من إعلان الوساطة الإماراتية بشأن سد النهضة، وأدركوا أن «أبو ظبي لم تدعم القاهرة في مسألة السد الأثيوبي، رغم قدرتها على ذلك» ويعزز من ذلك أن أبو ظبي لديها أفكار ومصالح في منطقة البحر الأحمر، وتتحرك في جميع الاتجاهات وفق أجندتها الخاصة، من دون أي اكتراث لمصالح حليفتها القاهرة الحيوية.
المخاوف المصرية من تحركات الإمارات، تستند على وقائع ثابتة، ومن العلاقة الوثيقة التي تربطها بأثيوبيا، يعزز ذلك استثمارات أبو ظبي هناك بمليارات الدولارات، وحساباتها في المقام الأول تتمحور حول مد وبسط هيمنتها على مضائق المنطقة في جنوب البحر الأحمر، والقرن الأفريقي، وبالتالي التحكم في مياه أعالي نهر النيل.
وتابع المحللون بريبة الأنباء المتواترة عن إرسال الإمارات مساعدات إنسانية لأثيوبيا، في عز أزمتها مع دولتين عربيتين، وهي تحركات عبرت عنها صراحة عبر تأكيدات نقلتها وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، عن سفير الإمارات لدى أثيوبيا، أن «هذه المساعدات تأتي في إطار توجيهات قيادة الدولة، بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية للشعوب الشقيقة والصديقة».
وأثارت صورة المساعدات الإماراتية غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، واعتبرها بعضهم رسالة سلبية واستفزازية للمصريين.
هذا النسق من التحرك ضد مصالح الأشقاء عبر عنه مقربون من دوائر صنع القرار في القاهرة وبلغة مباشرة وتأكيدهم أن دولة خليجية (يقصد الإمارات) تستثمر بقوة في أثيوبيا، و»لو أوقفوا استثماراتهم وقالوا إن محاولة خنق مصر مرفوضة، لكانت أديس أبابا قد انتبهت؛ لكن لم يفعل ذلك أحد».
كما كشف مسؤول مصري «إن موقف الإمارات لم يكن عند المستوى المأمول، وخالف توقعات الكثيرين، الذين كانوا يأملون في موقف أكثر وضوحاً».
وأضاف: «أن أبو ظبي لا تدعم مصر في مسألة سد النهضة على حساب أثيوبيا لعدة اعتبارات، من بينها وجود استثمارات إماراتية سواء في السد أو في مجالات أخرى، إضافة إلى دعم حكومة آبي أحمد، وبدا ذلك واضحا منذ 2018» واستطرد: «كان ينبغي أن تدعم الإمارات موقف مصر في قضية مثل قضية المياه التي تعد حياة أو موت للمصريين؛ لكنها أحبطتنا».
وبالعودة للمبادرة التي أعلنتها الإمارات، يذهب المراقبون أن أبو ظبي لم تقدم أي ضمانات لحمل أثيوبيا على الالتزام بالنقطة الأهم في مسار التفاوض، وهي ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل الملء الثاني، خاصة وأن التقديرات الفنية على ضوء مستويات الأمطار المسجلة حالياً في هضبة الحبشة تشير إلى احتمالية تبكير موعد الفيضان، وبالتالي امكانية إنجاز الملء الثاني للسد قبل الموعد المحدد، ومن ثم وضع مصر والسودان أمام الأمر الواقع للمرة الثانية على التوالي.
أبو ظبي تنافس الرياض
غير بعيد عن مسار لعب أبو ظبي لصالح أديس أبابا والاصطفاف إلى جانبها في معركتها ضد القاهرة والخرطوم، يشير المراقبون أن الإمارات طرحت هذه المبادرة من منطلق التنافس مع السعودية، بعد إطلاق الأخيرة مبادرة، الشهر الماضي في الموضوع نفسه. ومباشرة بعد تحرك الرياض واقتراحها عقد قمة بين زعماء الدول الثلاث في المملكة وتباحث السفير السعودي في أديس أبابا مع القيادات الأثيوبية حول إمكانية تدخل بلاده للوساطة المباشرة وصولاً لحل، أو الوساطة المحدودة لتقريب وجهات النظر حول استئناف التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأفريقي وحده، أو إقناع أثيوبيا بقبول آلية الوساطة الرباعية المقترحة من السودان ومصر، وثبت الإمارات وتحركت في الاتجاه المعاكس.
ويصنف الموقف الإماراتي الأخير في سياق المناورات التي تنفذها أبو ظبي في مناسبات مختلفة والتحرك عكس توجهات الرياض، والالتفاف على كل مصالحها، واللعب ضدها، وهو ما يخلق حالة غموض عن وجهة نظر الرياض حيال هذا الحليف الذي يخرب مساعيها في أكثر من ملف.
مواقف عربية مشجعة
عكس التحركات الإماراتية ضد مصالح مصر والسودان، تبرز مواقف أخرى مشجعة ومطمئنة من عدد من العواصم العربية التي أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب أشقائها، من دون لف أو مناورة عكس التوجهات العامة المؤيدة لعدالة القضية.
وأعلن أيمن الصفدي وزير الخارجية الأردني، وقوف بلاده مع مصر في «حماية حقوقها» المائية، بعد تعثر المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة الأثيوبي.
وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان، إن الأردن «يقف بالمطلق مع مصر في حماية حقوقها» وشدد على أهمية «التوصل لحل تفاوضي لقضية سد النهضة يحفظ حقوق جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الشقيقتين وجميع الأطراف».
وأضاف الصفدي في مكالمة مع نظره المصري، سامح شكري، أن «الجهود المكثفة التي تبذلها مصر للتوصل لاتفاق تفاوضي حول قضية السد، يعكس حرصها على تحقيق العدالة في توزيع مياه النيل، بما يحول دون التوتر ويكرس التعاون».
وكانت السعودية قد أصدرت بيانا، مماثلاً يضاف لمحاولاتها رعاية نقاش حول الأزمة، أكدت فيه دعمها ومساندتها لمصر والسودان، في ملف سد النهضة الأثيوبي.
وقال البيان إن «السعودية تؤكد دعمها ومساندتها لمصر والسودان، وتؤكد أن أمنهما المائي جزء لا يتجزأ من الأمن العربي».
وشددت السعودية على دعمها ومساندتها لأي مساع تسهم في إنهاء ملف سد النهضة، وتراعي مصالح كل الأطراف، وضرورة الوصول إلى اتفاق عادل وملزم بخصوص سد النهضة في أقرب وقت ممكن.
دعم قطري
وشدد الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني أن الخرطوم تأمل في نجاح الوساطة الأفريقية والدولية في ثني أديس أبابا عن مساعيها الرامية لاستهداف حصص بلاده ومصر. وكشف أن الدوحة تساند خياراتهما وتقدم الدعم لتحقيق اختراق في ملف الأزمة. وشدد البرهان أن بلاده لن تتراجع عن سيادتها ولا عن مصالحها الحيوية، وستتخذ الإجراءات التي من شأنها أن تؤمن سيادتها.
وتتحرك عدد من العواصم العربية لدعم مصر والسودان، ونقل القضية للمحافل الدولية مع التأكيد على عدالة القضية ضد تحركات أثيوبيا والأطراف الداعمة لها.
ولم يسترسل المسؤول السوداني كثيراً عند سؤاله عن تفاصيل المبادرة الإماراتية، مكتفياً القول أن الخبراء استلموها ويناقشونها ويردون عليها، لكنه شدد أن الخرطوم لن تتنازل عن سيادتها، ولن ترضخ للضغوط.
ومنذ العام 2011 يثير مشروع سد النهضة توتراً في منطقة القرن الأفريقي، في حين لم تثمر المفاوضات بين الدول الثلاث اتّفاقاً حول تعبئته وتشغيله.
وتؤكد أثيوبيا أنّ الطاقة الكهرمائية المنتجة في السد ضرورية لتلبية احتياجات الطاقة لسكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة، وتصر على أن إمدادات المياه في دول المصب لن تتأثر.
بينما تعتبر مصر التي تعتمد على نهر النيل لتوفير 97 في المئة من احتياجاتها من المياه، أن السد يشكل تهديداً وجودياً لها.