الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل، انتهت مثل كل مرة بوقفٍ لإطلاق النار عبر وساطة مصرية مدعومة بضغط أوربي ودولي؛ وأفضت إلى مؤتمرات صحفية ونشاطات إعلامية يعلن فيها كل من الطرفين إنجازاته وانتصاراته في المعركة. ولكن مثل كل مرة أيضاً، فاختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، ونتائج الحرب وما فيها من خسائر بشرية وعمرانية واقتصادية، هي التي تقرر الطرف الخاسر والطرف المنتصر. واقع الحال هذا لا يعني على الإطلاق توقّف الشعب الفلسطيني عن النضال من أجل تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة. نعم الصواريخ الحمساوية أزعجت إسرائيل وأشعرت المستوطنين الصهاينة بعدم الأمان وقتلت وجرحت بعضهم ولكن هذا لا يقارن بالخسائر الفلسطينية البشرية والمادية والسكنية وبالتدمير الهائل في البنية التحتية. وفي تاريخ النضال الفلسطيني منذ عام 1948 كانت الانتفاضة الفلسطينية التي اقتصر سلاحها على الحجارة من أكثر النضالات التي هزت الكيان الصهيوني، ولقد كسبت الكثير من التضامن الدولي والتأييد الشعبي في بلدان العالم.
إن مبادرة حماس إلى إطلاق الصواريخ على المستوطنات، على هامش انتفاضة الفلسطينيين في الضفة الغربية، في الشيخ جراح وباب العمود والمسجد الأقصى، لم يجلب الكثير لهذه الانتفاضة بقدر ما حول الأنظار عنها. والمشكلة في هذه المبادرة الصاروخية الحمساوية أنها فاجأت السلطة الفلسطينية ولم تكن بالتنسيق معها. ولقد تبين أنها بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني وقائد فيلق القدس اسماعيل القاآني. ويرى بعض المحللين السياسيين ان هذه الحرب كانت توظيفاً إيرانياً عبر حماس لخدمة مفاوضاتهم في فيينا حول الملف النووي. وبالفعل تحاول إيران الآن تنشيط عدم الاستقرار في المنطقة بواسطة أذرعها لخدمة مفاوضاتها النووية؛ وهذا ما نشهده في كل من اليمن ولبنان والعراق.
كسبت إسرائيل سياسياً في خضم هذه الحرب، فالكثير من دول العالم، في أميركا وأوربا وغيرها، أيدت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وساوت في خطابها السياسي بين الفلسطينيين المحتلة أرضهم والإسرائيليين المحتلين. ما يثير الانتباه بعد وقف إطلاق النار، إعلان الأميركيين عن تقديم مساعدة لغزة لإعادة الإعمار، وهنالك تسريبات بان آخر مكالمة هاتفية بين بايدن وناتنياهو حول ضرورة وقف إطلاق النار كانت خشنة من طرف الرئيس الأميركي. ولقد رحبت دول العالم بوقف إطلاق النار وطالب معظمها ببدء تفاوض لحل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل القضية الفلسطينية، ودخلت روسيا أيضاً على خط المطالبة بهذا التفاوض والحل السياسي لهذه القضية. ولكن من الملفت للانتباه هذا الخلاف البَيِّن بين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال في المؤتمر الصحفي:”أن توقف هذه الحرب لا يعني شيئاً إذا لم يتبعه حل سياسي”. فيبدو أن في الأوساط السياسية الإسرائيلية هنالك أطراف ترغب بالحل السياسي للقضية الفلسطينية. ولكن إذا كان صحيحاً أن الأميركيين والأوربيين يرغبون بإنضاج مثل هذا الحل، فهو لن ينضج قبل أن يوحد الفلسطينيون (وطنيتهم الفلسطينية). ويتطلب بناء هذه الوطنية من الفصائل التخلص من خلافاتها ومنافعها الشخصية، ويتطلب من حماس، التي ترغب في أن تظهر دائماً بأنها الأقوى على الساحة الفلسطينية، أن تتخلص من تعصبها لفكرة غلبة الدويلة على الدولة السائدة في هذه الأيام في أكثر من بلد عربي، ومن ولائها الإيديولوجي وولائها الإقليمي لكل من إيران وتركيا. فلا يمكن الذهاب إلى أي تفاوض مع الإسرائيليين بدون أجندة فلسطينية واحدة ومفاوض فلسطيني وحيد. مثل هذه الوحدة الفلسطينية تستطيع أن تكسب العالم إلى جانبها من أجل تحقيق أهدافها.
- منصور – كاتب سوري