قمم متتالية خلال أسبوع تعرّضت للقضية السورية، ولكن بغياب أصحابها، الذين لا يرون فيها-القمم- إلا تواطؤاً لاستمرار معاناة السوريين، بحجة أن الوضع لم ينضج لحلّ القضيةوفقاً لقرارات مجلس الأمن! وواجهة القمم أميركية،ترفع ملفّ الإغاثة الإنسانية متخلّية عن الضغط لتنفيذ الملفّ السياسي، لعدم إقرار إستراتيجيةوسياسة أميركية للإدارة الجديدة في سورية.
بدأ بايدن أميركا قممه مع الدول السبع، وفي بروكسل لدول حلف الناتو، ومع أردوغان، على هامشها، والأخيرة اليوم مع بوتين في جنيف، وعلى الرغم من أنها تبحث مواضيع خاصة بالناتو، وثنائية شائك أغلبُها، إلا أن المشترك الأبرز بينها، بالنسبة للسوريين– على ضآلته بالنسبة لهم- الملفّ السوري..
وليس عبثاً مجيء قمّة جنيف تالياً لمهرجانات بايدن “القمميّة“، بل عن سابق ترصّد وتصميم، ففيها، من جهة، إجلاء لصورة أميركا العائدة بعد ترامب لتحالفاتها وسياساتها التقليدية، ومحيطها الذي تستند إليه، ويتساند بها، ومن جهة ثانية، إشهار لخطوط عامة للسياسة الأميركية والدولية- يتسلّح بها- حيال روسيا، وتالياً الصين، ومن جهة أخرى، التوافق مع الحليف الإستراتيجي أردوغان، على حساب تحالفاته المرحلية مع بوتين، وأخيراً، جعل بوتين على قائمة الانتظار، ريثما يرسم له بايدن خطوطه الحمراء، فثمّة أمور أهمّ، على الرغم من أهمّية المواضيع التي سيتناولها بالبحث مع “القاتل”.
ففي قمّة الناتو ذُكرت سورية على عجل، وأدّت الواجب بالتذكير بأن الحلّ السياسي يجب أن يعتمد على قرار مجلس الأمن 2254، ولكنها لم تتعرّض لمحنة السوريين ومعاناتهم، وتناست الأمر الواقع الجديد الذي تعمل روسيا على فرضه بتعويم رأس العصابة الأسدية. وسدّت بذلك فجوة قمّة الدول السبع التي لم تذكر أو تتذكّر القضية السورية من قريب أو بعيد، حتى يكاد المرء يتساءل إن كان الأمر مقصوداً، أو تسليماً بما يحدث بانتظار تحديثات قمّة بايدن-بوتين، والتوافقات أو المقايضات التي يمكن أن تنتج عنها.
وغابت سورية، أيضاً، في قمّة بايدن-أردوغان، بل إن توافقات ومقايضات ومصافقات أبعدتها عن التداول الإعلامي، وكأنما مندوبة أميركا في مجلس الأمن قد جهّزت ملفّ الإغاثة الإنسانية للسوريين، بعد أن تستخدم روسيا والصين الفيتو في الشهر القادم، لمنع فتح معابر جديدة، وإغلاق معبر “باب الهوى” شريان الحياة الوحيد لمرور المساعدات الإنسانية لملايين السوريين. ولكن تركيا حقّقت بعضاً مما رغبته في قضية صواريخ S400، ومهمّات جديدة في أفغانستان، ومباركة ضمنية لفعلها في أذربيجان وشرق المتوسط، فتأكّدت أن أميركا لا يمكنها الاستغناء عنها حليفاً أطلسياً إستراتيجياً، على الرغم من أنها لم تتمكّن من استمالة الموقف الأمريكي والغربي لصفّها،وهو المعترف بحقّها في الدفاع عن أمنها القومي في مواجهة حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية.
أمّا قمّة بايدن – بوتين “القاتل”، فقد نالت من التحليل والبحث والتأويل ما لم تنلْه قمّة أميركية روسية سابقة، لأكثر من سبب، وربّما الأهمّ، ما سبقها من تصعيد إعلامي بين الرئيسين، علماً أن القضايا كثيرة ومتنوّعة، تبدأ بمعاهدة ستارت، مروراً بالعقوبات الاقتصادية وقضايا أوكرانيا وبيلاروسيا والصين والملف الإيراني والأمن السيبراني واعتقال نوفالني، لتنتهي بمحاولة إقناع بوتين بالتجديد لمعبر “باب الهوى” على الحدود السورية-التركية، وفتح معابر جديدة شمالاً وشرقاً وجنوباً، وهو ما لن يتحقّق؛ لأن هدف روسيا شرعنة النظام الأسدي أممياً، بحصر التعامل معه، وبالتالي يصبح أمراً واقعاً، ولا مفرّ من تحكّمه بالإغاثة الدولية واستثمارها لإنعاش اقتصاده المنهار، وصولاً للخطوة الأهمّ، المتمثّلة في إعادة الإعمار، وتجديد قراءة 2254 وفقاً للرؤية الروسية التي لا ترى في الانتقال السياسي سوى تغييرات شكلية، لا تمسّ جوهر نظام العصابة الذي يجب أن يبقى؛ لتستمرّ استثمارات روسيا، وتتملّك الورقة السورية وقرارها، وتكون الطرف الأقوى في المساومات، وخصوصاً على رأس السلطة بشار الأسد. لكن كثيراً من المحلّلين والسياسيين والصحفيين، لا يرى نتائج مهمة أو ملموسة لهذه القمة، فوصفت بأنها قمّة تعارف، وقمة تصوير، وقمة الـ “لا قمّة”، والـ “لا مفاوضات” والـ “لا قرارات”، والـ “لا جدوى“! ترى، هي اختبار للـصلاحية الجسدية والنفسيةوالعقلية لكل من الرجلين، أم ما يُقال في العَلَن غير ما يُقال خلف الأبواب المغلقة، بغياب أصحاب الشأن؟