تركزت أنظار العالم كله على اللقاء وجهاً لوجهه بين الرئيس الأمريكي جو بايدنونظيره الروسي فلاديمير بوتين. عقد اللقاء بين زعيمي القوتين العالميتين في فيلا تاريخية في جنيف، عاصمة عمليات التجسس الدولية والآمال المخيَّبة حيث كان رونالد ريغان وميخائيل غورباتشوف قد التقيا عام ١٩٨٥ ليضعا جحر أساس نظام عالمي جديد يقوم على المشاركة في اتخاذ القرارات وتخفيض إنتاج الأسلحة النووية إلى النصف.
اليوم وبعد مرور سنوات لم يتقلص التوتر بين القوتين العظميين، بل ازداد حدة خلال الأشهر الأخيرة الماضية خاصة عندما وصف بايدن زعيم المخابرات الروسية السابق بالقاتل والذي رد بدوره على الرئيس الأمريكي “متمنياً له دوام الصحة” لتحدث المفاجأة في جنيف، فلم يعد الرئيس الأمريكي ورئيس الكرملين الذي شهد توالي خمسة رؤساء أمريكيين “متنافسين شرسين يسعى كل واحد منهما إلى تدمير الآخر” حسب تعبير صحيفة الفيغارو بل يمكن اعتبارهما رئيسين قادرين على التعاون المتبادل شرط احترام بعض الخطوط الحمراء والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية الخاصة ببلديهما.
أربع ساعات من المحادثات العملية أسفرت عن الاتفاق على إعادة سفراء بلديهماوالتعهد بـ “إنجاز تقدم في ميدان الأهداف المشتركة وضمان تجنب الخلافات في الميدان الاستراتيجي وذلك لتقليص خطر الصراعات المسلحة والحروب النووية” والعزم على “العمل معاً لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي”
كانت المواضيع المطروحة للنقاش كثيرة مثل الهجمات على الشبكات المعلوماتية والتدخل في العمليات الانتخابية وقضية المعارض نافالني وكذلك حقوق الإنسان وغيرها، رغم ذلك لم تبدر أي إشارة تتعلق بدعم روسيا للنظام السوري فعن هذا الموضوع بالذات حاورنا سامي حداد، مدرس للغة العربية في جامعة الدراسات الشرقية في نابولي.
ماذا كنت تتوقع من لقاء القمة هذا؟
لم يكن لأحد أن يتوقع بالطبع تخصيص ساعة للحديث عن صراع تناساه العالم عمداً لكننا كنا نأمل بورود ولو إشارة إلى المأساة التي لا يزال الشعب السوري يعيشها حتى الآن.
ما نريده كسوريين هو بضع مسائل أساسية وفي مقدمتها تطبيق قرارات الأمم المتحدة بدءاً من إعلان جنيف عام ٢٠١٢ وما تلاه من قرارات أخرى، خاصةالقرار رقم ٢٢٥٤ التي نصت على ضرورة الانتقال السياسي للوصول إلى حل دائم للأزمة السورية، هذه القرارات اتخذها مجلس الأمن بموافقة كل الدول بما فيها روسيا نفسها.
المشكلة الأخرى التي تنتظر حلاً والتي تم تناسيها طويلاً مرتبطة بالأشخاص المختفين والسجناء الذين لا يُعرف عن مصيرهم شيئاً منذ بداية الصراع. نحن نريد الحقيقة وتحقيق العدالة لهم ومحاسبة كل المسؤولين عن جرائم الحرب، فمن المهم أمام أعين العالم والسوريين تحديد المسؤولية عن هذه الجرائم وإلا لساد مبدأ الإفلات من العقاب ولأصبح سابقة خطيرة ليس لسوريا وحدها، بل للعالم بأسره.
موضوع أخر نحرص على توضيحه هو عدم تحويل القضية السورية إلى مجرد مشكلة إعانات إنسانية فقط. صحيح أن الإعانات مسألة ضرورية لكن لا بد من تجاوزها ومعالجة جوهر المأساة التي يعيشها البلد.
روسيا والولايات المتحدة الأمريكية منغمستان كلتاهما في هذا الصراع وليس لأي اتفاق سياسي أن يتم من دون موافقة هاتين القوتين العظميين عليه. لقد تورطت روسيا مع النظام السوري وتحاول إيجاد مخرج باستخدام سورية كورقة للمقايضة، وتقوم بمناورات للخروج من حالة الاستعصاء الذي تواجهها في الملف السوري، بسبب فشلها المتكرر في تمرير أجندتها السياسة، وفشلها أيضاً بمقايضة الأسد بأي من ملفاتها العالقة مع الغرب.
اهتمام موسكو اليوم يتركز على منع انهيار النظام من خلال اضفاء الشرعية على “انتخابات الأسد” وفرضه رئيساً “شرعياً” لسورية. لكنها غير قادرة على إنعاش نظام الأسد اقتصادياً فهي تعاني أزمة مالية واقتصادية وبالتالي لا تستطيع منع انهيار اقتصاد الأسد.
وموسكو تعلم أيضاً أن الرهان على مسألة الحل السياسي وإعادة الإعمار في سورية أمر مستحيل من دون اتفاق مع الأمريكيين والأوروبيين للوصول إلى حل حقيقي ودائم بناءً على قرار مجلس الأمن 2254. وهذا أمر غير بوجود بشار الأسد المتورط بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية. لذا يسعى الكرملين إلى إعادة الملف السوري إلى المسار الدبلوماسي والتفاوضي للخروج من المستنقع الذي بدأت تغرق فيه، غير أن التحركات الروسية تسير وفق مسارات مختلفة وتتوجه إلى كل الأطراف لتحقيق أهداف متعددة غير مقصورة على القضية السورية وحدها.
هل سيتم التطرق للصراع السوري عاجلاً أم آجلا؟
إن الوصول إلى نقطة تحول فيما يتعلق بالمسألة السورية مرتبط بالاتفاق الروسي الأمريكي لكن ما نشهده اليوم هو تعميق للخلاف وزيادة للتنافسية بينهما على عدة جبهات على الصعيد العالمي لذا فإن الحديث عن نهاية قريبة للصراع أمر شبه مستحيل ولم يحن وقت الوصول إلى حل لأنه لا يزال مرتبطاً بالأزمات الإقليمية والملف النووي الإيراني.
كل هذا يجري في مرحلة مميزة في منطقة الشرق الأوسط تتزامن مع تحولين هامين: انتهاء حكم نتانياهو وهذا أمر إيجابي والانتخابات الرئاسية في إيران والتي سيكون تأثيرها سلبياً لأنه وكما هو متوقع سيفوز بها شخص محافظ ومتشدد. أمر غير مطمئن ولا يمهد لانفتاح أو تغيير.
على الصعيد الأمريكي كان ترامب قد أعلن عام ٢٠١٨ عدم اهتمام بلده بسورية لكن الأمريكيين لا يزالون متواجدين في سورية…
لقد احتفظ الأمريكيون بالقاعدة العسكرية في التنف جنوب شرق سورية على الممر الواصل بين إيران ولبنان فهم يحافظون عمداً على هذا الموقع العسكري الاستراتيجي لمنع قيام أي اتصال على الأرض بين طهران وبيروت
ولدت في مدينة باليرمو في صقلية، خريجة كلية الآداب واللغات الأجنبية في باليرمو، حائزة على دبلوم في الصحافة الاتصالات التواصل العام المؤسساتي. صحفية وكاتبة. بدأت مسارها الصحفي بكتابة مقالات في صحيفة صقلية عن الهدر وعدم الكفاءة في المؤسسات العامة وعن البيئة أجرت تحقيقات صحفية معمقة عن الأزمة الليبية والمسألة الكردية لصحيفة ليفت تعاونت مع صحيفة أفينيري لتحرير صفحات الأمور الراهنة والعالم ومن ثم اهتمت بالأزمة العربية السورية والإرهاب العالمي. تعاونت مع برنامج توداي تلفزيون ٢٠٠٠ في برامج التحليل المعمق المرتبطة بالمواضيع الدولية الراهنة. حصلت على جائزة الصحافة العالمية “كريستيانا ماتانو” لعام ٢٠١٧.
المصدرالمصدر