انطلقت مساء الخميس من درعا جنوب سوريا، أكبر قافلة مهجرين من المدنيين والمقاتلين المحليين وعائلاتهم، متوجهة إلى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب شمال البلاد، في رحلة شاقة تستغرق ساعات طويلة على خطى قافلة سبقتاها وأخرى ستليها. وتضم الدفعة الثانية من المهجرين، التي غادرت مساء الخميس من معبر سجنة بدرعا البلد، في اتجاه الشمال السوري، 51 شخصاً بينهم عائلات توزعت على حافلتين.
وتستمر المفاوضات بشأن أحياء درعا وخاصة «درعا البلد» التي تمثل العائق الأساسي في وجه هيمنة النظام السوري على الجنوب بشكل كامل وبسط سلطته الأمنية والإدارية، وهو ما يفسر مواصلة جولات التفاوض رغم تعثرها بتدخل روسي مباشر سعيًا من هذه الأخيرة إلى إحداث تغيير على الأرض دون تطبيق الحسم العسكري.
وقتل مدنيان وجرح 6 آخرون، الخميس، في قصف نفذته قوات النظام السوري على بلدة «طفس» بريف محافظة درعا جنوبي البلاد. وقالت مصادر محلية لوكالة الأناضول، إن قوات النظام «أمطرت الأحياء السكنية ببلدة طفس بوابل من قذائف المدفعية والصواريخ ما أدى إلى مقتل مدنيين اثنين وجرح 6 آخرين جراح بعضهم خطيرة» حسب وكالة الأناضول.
مقتل مدنيين في قصف نفذه النظام على المدينة
وأفادت أن «قوات النظام أرسلت خلال 48 ساعة الماضية تعزيزات كبيرة إلى محافظة درعا، ضمت نحو 40 دبابة وعربة مدرعة وعشرات الآليات مضادات أرضية تتبع للواء 16 المدعوم من قبل روسيا، حيث رافق تلك التعزيزات جنود روس». في المقابل ذكرت وسائل إعلام مقربة من النظام «سقوط قتيلين ينتميان لها وعدد من الجرحى في هجوم شنه معارضون على حافلة عسكرية بالقرب من بلدة الشيخ مسكين شمالي درعا».
وفي 25 يونيو/ حزيران الماضي، فرضت قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها حصاراً على منطقة «درعا البلد» في مدينة درعا، بعد رفض المعارضة تسليم السلاح الخفيف، باعتباره مخالفاً لاتفاق تم بوساطة روسية عام 2018، ونص على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط. وبعد ذلك بشهر، توصلت لجنة المصالحة بدرعا البلد، وقوات النظام إلى اتفاق يقضي بسحب جزئي للأسلحة الخفيفة المتبقية بيد المعارضة، ووجود جزئي لقوات النظام، إلا أن الأخيرة أخلت بالاتفاق وأصرت على السيطرة الكاملة على المنطقة. وبالرغم من عدة اجتماعات أجرتها لجنة التفاوض عن المعارضين في المحافظة مع ممثلين عن النظام وروسيا إلا أنه لم يتم التوصل إلى تهدئة في المحافظة حتى الآن.
عضو لجنة التفاوض في درعا البلد أبو علي المحاميد قال لـ«القدس العربي» إن المفاوضات مع الجانبين الروسي والسوري مستمرة، حيث أفضت جولة المفاوضات الأولى يوم الخميس إلى تهجير دفعة من المقاتلين والمدنيين إلى الشمال السوري، بينما تنتظر المنطقة سلسلة من الجولات والمفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق نهائي.
وأكد المتحدث باسم تجمع أحرار أبو محمود الحوراني لـ «القدس العربي» خروج نحو 50 شخصاً من أبناء درعا البلد، إلى الشمال السوري موضحًا أن النظام «طرح خلال جلسة التفاوض الصباحية لائحة تضم على 32 شخصاً، لكن لجنة التفاوض وافقت على 23 منهم فقط، وعند وصول الحافلات لم يمانع النظام بخروج المزيد من الراغبين من درعا».
ولفت إلى أن قبول لجنة التفاوض بتهجير 23 شخصًا من درعا كدفعة ثانية، ممكن أن تتبعها دفعة ثالثة الجمعة، هو مقابل استمرار جولات التفاوض بخصوص درعا البلد، والوصول إلى نتيجة مرضية لجميع الأطراف، لافتاً إلى أن «ملف درعا سوف يحسم خلال أسبوع بضغط من الجانب الروسي». وقال «النظام هو من يفرض شروطه، ولكن هناك ما يتم قبوله من قبل لجنة التفاوض، وهناك ما تتم مناقشته وتعديله».
ومنذ توقيع اتفاق التسوية بين فصائل الجبهة الجنوبية التابعة للمعارضة السورية المسلحة، وبين الجانب الروسي، صيف عام 2018، لم يتمكن النظام السوري من فرض سيطرته بشكل فعلي وحقيقي على محافظة درعا، لاسيما أن بقايا فصائل المعارضة من المقاتلين المناهضين للنظام استغلوا بعض الهوامش التي يتيحها الاتفاق ومنها الاحتفاظ بالأسلحة الخفيفة، والظروف الدولية التي رافقته، وحافظوا على مناطق نفوذ فعلية أبرزها في حي درعا البلد والمناطق المحيطة به، وبعض البلدات والقرى في الريف الغربي. في حين فضلت بعض الفصائل الانضواء بشكل مباشر ضمن الفيلق الخامس التابع لروسيا مقابل الاحتفاظ بالسيطرة الفعلية على مناطقها على غرار نموذج قوات «شباب السنة» التي يقودها «أحمد عودة» والمنتشرة في منطقة «بصرى الشام» التي تعتبرها روسيا اليوم معقلاً لها.
تزامنًا، قتلت سيدة، وأصيب عدد من المدنيين بجروح متفاوتة الخطورة، صباح الخميس، نتيجة قصف قوات النظام الأحياء السكنية بعشرات الصواريخ في مدينة طفس بريف درعا الغربي، حيث نقلوا جميعهم إلى مستشفى المدينة. ونقل تجمع احرار حوران عن مصدر طبي من مشفى طفس قوله «إن السيدة حفيظة مرعي الربداوي قتلت مباشرة نتيجة القصف، فيما تم علاج جميع المصابين البالغ عددهم 6 أشخاص في مستشفى المدينة».
“القدس العربي”