اقتحمت قوات الأسد مدينة دير الزور للمرة الثانية في مثل هذا اليوم 25 من أيلول 2012، بعد عودة المظاهرات والاعتصامات مجدداً لتتصدر مشهد ساحات الدير وميادينها، وذلك بعد فشل الاقتحام الأول الذي نُفّذ في آب 2011 تزامناً مع اقتحام مدينة حماة آنذاك.
وكان النظام قد تحضّر لاقتحام المدينة منذ شهر حزيران 2012 الذي شهد تحرير وسط المدينة وجزئها الشرقي وصولاً إلى المطار، فأرسل تعزيزات عسكرية إضافية إليها.
التعزيزات تمركزت آنذاك في معسكر “الطلائع” والمربع الأمني الواقعين بالقرب من حيّي “الجورة” و”القصور”، اللذين لم يخرجا عن سيطرة النظام طيلة سنوات الثورة.
تعزيزات “الحرس الجمهوري”
نتيجة الخسارات المتلاحقة التي منيت بها قوات النظام خلال محاولاتها المتكررة لاقتحام الأحياء المحررة داخل المدينة، أرسل نظام الأسد حملة تكونت من نحو ألفين و400 عنصر تابع لقوات “الحرس الجمهوري” سيئة الصيت، بمنتصف أيلول 2012.
غالبية أولئك العناصر كانوا قد شاركوا بمجازر درعا الأولى وحمص ودوما، تحت قيادة العقيد “علي خزام” صاحب مجازر “بابا عمرو” و”داريا”، وشريكه العميد “عصام زهر الدين” صاحب مجازر حمص والغوطة الشرقية.
المجزرة
في صباح الـ 25 من أيلول 2012، اقتحمت قوات النظام المدعومة بعناصر اللواء 105 من الحرس الجمهوري، حيي “الجورة” و”القصور” من ثلاثة محاور، وقسمت “الجورة” إلى ثلاثة قطاعات لتبدأ بعدها عملية قصف الحي بالمدفعية والدبابات.
بعد القصف، انتشرت الدبابات في الشوارع ترافقها سيارات (بيك آب) تحمل العشرات من عناصر الحرس الجمهوري، وكان بعضهم يحملون سيوفاً.
وفي صبيحة اليوم التالي، تم اجتياح العديد من حارات “الجورة” ثم “القصور”، الخالية من فصائل الجيش الحر من الأساس.
أسفر الاجتياح عن ارتكاب مجزرة مروعة طالت ما يزيد على 400 مدني؛ حيث راحت عناصر النظام بجمع الشباب والرجال بشكل عشوائي في حارات الحي، ثم تم قتلهم بطرق عديدة، بالرصاص أو ذبحًا بالسكاكين، أو حتى حرقًا في الأفران؛ فيما بقي مصير العشرات مجهولًا حتى اللحظة؛ وصفٌ تؤكده العديد من شهادات أبناء الحي والفيديوهات والصور المسربة التي التقطها عناصر من الحرس الجمهوري متباهين برصف الأهالي وإطلاق النار عليهم.
الكشف عن إعدامات بالجملة
المجزرة امتدت لأيام عديدة قبل انسحاب الحملة وعودة الحياة بشكل تدريجي إلى الحي، وما إن خرج من بقي حياً إلى الشارع، حتى بدأت عملية اكتشاف المجزرة الرهيبة.
وبحسب الشهود من أبناء الحي، فقد كانت غالبية الضحايا من الرجال تحت سن الأربعين، تم قتلهم ميدانيًا بالرصاص أو ذبحاً بالسكاكين، يليها حرق الجثث؛ وفشل الناشطون والأطباء في تحديد هويات جميع الجثث بسبب تشوهها، واحتراقها بطريقة لا تشبه الاحتراق بالنار، ما رجح استخدام النظام لمواد كيماوية.
ويذكر مرصد “منظمة عدالة من أجل الحياة” بعض الروايات التي استقاها من شهود عيان: “عندما بدأت القوات الحكومية باقتحام حي الجورة ومداهمة المنازل واعتقال المدنيين هرب عدد من سكان الحي باتجاه شارع الوادي القريب، يقول بهاء سليمان: “في المساء عندما عدت إلى منزلي القريب من جامع المهاجرين، شاهدت مجزرة مروعة، حيث قامت قوات الحرس بإخراج عمال فرن (النعمة) وحجزهم في أحد المنازل ثم رشوا عليهم مادة بيضاء اللون– بودرة – وأحرقوهم جميعاً، وقد بقي من هذه المادة ما هو منثور على الأرض وأثاث المنزل”. ويوضح الشاهد “بعض الجثث كانت متفحمة تماماً ولم نستطع التعرف على أصحابها، فيما تعرفت على الباقي ومنها كان (عبدالله زهير)، وأخوين أحدهما اسمه خليل والآخر اسمه عمر، وتم دفنهم بحديقة جامع المهاجرين”.
و يقول أحد الشهود حول قيام القوات الحكومية باستهداف عوائل بكاملها: “عندما دخلنا منزل آل (صليبي) وجدنا في غرفة الجلوس 5 جثث مقتولة وبركة دم كبيرة، كانوا أربعة شباب ورجلا كبيرا في السن، وكانت الجثث متحللة والدود يأكل بها، وفي القبو وجدنا 4 جثث لأم وطفلين وفتاة وقد تم إعدامهم جميعاً بطلقات في الرأس”.
أما “أم حسان” زوجة إمام مسجد “قباء” الشهير في حي الجورة، الحاج “محمد أمين”، فتقول: “دخل إلى منزلنا عشرات الجنود الذين يشبهون الوحوش؛ فتشوا المنزل وخرجوا، لكن أحدهم نسي هوية زوجي معه.، فخرج زوجي ليستعيد بطاقته الشخصية، خرج ولم يعد.. أعدموه رمياً بالرصاص وبقي مرمياً على الرصيف”.
وحدثنا أحد الناجين من المذبحة في شارع “الوادي” بالجورة فيقول: “أطلق الجنود النار على والدي في مؤسسة الخضار القريبة من منزلنا، إلا أن الرصاصة دخلت وخرجت من أسفل عنقه ولم يمت؛ وبعد يومين استطعنا الخروج من المنزل، فسمع أحد الجيران صوت أنين داخل المؤسسة، وكان لوالدي، الذي انتفخ وجهه، وأزرّق جلده. فنقلناه مباشرة إلى المشفى العسكري، فأعطونا تقريراً طبياً كتب فيه أن العصابات المسلحة هي من قامت بضرب والدي”.
وفي لقاء مصوّر على قناة “ديرالزور الفضائية“، يتحدث أحد الشهود ليصف مشهداً من مشاهد المجزرة فيقول: “بعد تأكدنا من خلو الشارع من عناصر الحرس، خرجنا من البيت لنفاجأ بوجود ما يقارب من 50 جثة، فقط في الحارة المجاورة، فقمنا بدفن 30 منها في أحد أقبية البيوت، بعد أن تعرفت على اثنين من أصحابها”.
لم يستطع الناشطون والأهالي رصد أعداد الضحايا أو التعرف على أسمائهم جميعاً بشكل دقيق، نظراً لحرق جزء من الجثث وتفسخ بعضها، والاستعجال بدفن قسم آخر فور توقف الحملة وخروج الأهالي لانتشار الروائح والحشرات، ولفقدان معظم الضحايا لهوياتهم الشخصية بسبب مصادرتها من قبل منفّذي المجزرة.
ورغم ذلك تمكّن بعضهم من إجراء إحصائية تقريبية ونشر أسماء لضحايا تم التأكد من جثثهم عقب ارتكاب المجزرة
“تلفزيون سوريا”