لا تزال زيارة «جبهة السلام والحرية» الأخيرة إلى موسكو، مثار نقاش نظراً لتوقيتها المتزامن مع التهديدات التركية بعمل عسكري ضد ميليشيا «قسد» والتحركات الروسية الهادفة إلى التوسط بين النظام السوري و»قسد».
وشكلت زيارة وفد الجبهة التي يترأسها أحمد الجربا لموسكو، علامات استفهام عديدة حول أهدافها، وخصوصاً أنها تأتي متزامنة مع سعي روسيا إلى توسيع نفوذها وحليفها نظام الأسد في منطقة الجزيرة السورية، والحديث عن تسوية جديدة سيجري تطبيقها من جانب النظام في دير الزور قريباً.
وقبل يومين، تحدث أمين فرع حزب «البعث» في دير الزور رائد الغضبان، عن تسوية جديدة سيجري تطبيقها قريباً في دير الزور، مؤكداً أن التسوية ستشمل كل المطلوبين للنظام، سواء من العسكريين الفارين عن قوات النظام، أو المُتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية. ولم تمض أيام على الزيارة التي جرت يوم الجمعة الماضي، حتى بدأت التسريبات تظهر حول أهداف روسيا من استقبال وفد الجبهة. وحسب وسائل إعلام موالية للنظام السوري، طلبت روسيا من الجربا أن يأخذ دور الوساطة بينها وبين العشائر المحلية في منطقة الجزيرة التي تتخوف من دخول النظام والقوات الروسية إلى مناطقها. وعلى وجه التحديد، نبهت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية العشائرية التي أدت إلى عدم اكتمال مسار دورية الشرطة العسكرية الروسية المشتركة مع ميليشيا «قسد» في ريف دير الزور الغربي، نهاية تشرين الأول الماضي، نبهت روسيا إلى نوع من الرفض «العشائري» لتمدد القوات الروسية في المنطقة، ما دفعها إلى محاولة البحث عن حلول، حسب المصادر ذاتها.
إلا أن الناطق الإعلامي باسم «جبهة السلام والحرية» عماد برهو، نفى في تصريحه لـ«القدس العربي» أن يكون اللقاء مع المسؤولين الروس، قد تطرق إلى مسألة تسيير الدوريات الروسية في منطقة الجزيرة، وتحديداً في ريف دير الزور الغربي.
وأضاف أن الزيارة ناقشت صيغة إدارة المنطقة، ورأي الجبهة في هذا الصدد، لافتاً إلى أن كل ما يجري في المنطقة يشير إلى شبه توافق على إعادة ترتيب الوضع في شرق الفرات، وهو ما يدعم افتراض حدوث تسوية بين دمشق و»قسد» دون ممانعة عشائر المنطقة الشرقية المنقسمة أصلاً بين موالاة «قسد» ودمشق وفي بعض الأحيان انقرة. وأوضح برهو، أن الولايات المتحدة تضغط على «قسد» بهدف ضم أطراف جديدة إلى «الإدارة الذاتية» وفي مقدمتها «المجلس الوطني الكردي» في سوريا، معتبراً أن «واشنطن وصلت لطريق مسدود، بسبب تعنت الإدارة الذاتية». وبالعودة إلى الزيارة، قال المسؤول في الجبهة، إن الأخيرة لديها مشروع بديل في حال تم التوصل إلى توافق على ضرورة التغيير، لافتاً إلى أن «مكونات الجبهة تتمتع بحضور شعبي مقبول».
في المقابل، يرى نائب رئيس «الهيئة السياسية العامة لمحافظة الحسكة» فواز مفلح، أن روسيا تسعى إلى الاستفادة من حضور ومكانة الجربا في مناطق شرق القامشلي والمالكية واليعربية للتمهيد لإعادة النظام لتلك المناطق.
ويضيف لـ«القدس العربي» أن روسيا التي تخطط للتمدد في القامشلي ومنطقة شرقي الفرات، تريد استغلال مكانة الجربا العشائرية (قبيلة شمر) لتهدئة المخاوف الشعبية، مبيناً أن «روسيا لا تحظى بالشعبية بين العشائر». ومن الواضح أن تحركات روسيا تصب في النهاية لإعادة سلطة دمشق على تلك المناطق الشرقية، وإضعاف النفوذ الأمريكي منها، خصوصاً مع ترجيح تنفيذ الانسحاب الأمريكي حال تمت تسوية بين «قسد» ودمشق ترضي الاكراد وتمنحهم حدا معقولا من الحقوق الذاتية.
وتشير المعطيات الراهنة إلى أن روسيا بصدد زيادة نفوذها في المنطقة، مستفيدة كما يبدو من الضغط الذي تشكله التهديدات التركية، والانكفاء الأمريكي، نتيجة انغلاق مسارات الحلول بالنسبة للأمريكيين في مناطق «قسد» فواشنطن تتواجد على أرض رخوة يتصارع فيها حليفان؛ أنقرة و»قسد» وهذا أدى إلى انغلاق استراتيجي لا حل له على ما يبدو سوى القبول بتسوية للنظام مع «قسد» تؤمن حماية للأكراد وتمنح الجيش الأمريكي ضوءاً أخضر للخروج دون الخوف على مصير حلفائهم.
“القدس العربي”