بدأت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) مدعومة بقوة من قبل قوات التحالف الدولي، الاثنين، اقتحام سجن الصناعة والأبنية المحيطة به في حي غويران في مدينة الحسكة، من خلال هجوم موسع من ثلاثة محاور على مبنى السجن، بينما واصلت طائرات التحالف الدولي قصفها بالصواريخ سجن الصناعة بعد فشل المفاوضات بين عناصر التنظيم و»قسد».
واستهدف طيران الأباتشي الأمريكي مساء أمس، بالرشاشات الثقيلة محيط سجن الصناعة في مدينة الحسكة، بينما شنت ميليشيا PYD/PKK بالتعاون مع التحالف الدولي هجوماً موسعاً من ثلاثة محاور على سجن الصناعة في المدينة.
استمرار اشتباكات «غويران» في الحسكة شمال شرقي سوريا:
وقالت مصادر محلية، إن طيران التحالف الدولي نفذ 6 غارات جوية على السجن ومحطيه في حي غويران، وسط توجه تعزيزات عسكرية أمريكية، آتية من رميلان إلى الحسكة، مكونة من 14 عربة من نوع «همر» ودبابتين، بهدف تقديم الدعم إلى قوات «ب ي د» الكردية.
وبعد أيام من الصدام بين الطرفين أوقعت وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان 154 قتيلاً، دفعت الاشتباكات المستمرة منذ الخميس نحو 45 ألف شخص الى الفرار من منازلهم في مدينة الحسكة، وفق ما أحصت الأمم المتحدة الاثنين، فيما فرضت الإدارة الذاتية الكردية «الحظر الكلي» اعتباراً من الاثنين حتى نهاية الشهر الحالي بهدف «منع الخلايا الإرهابية من أي تسلل خارجي».
وشارك أكثر من مئة من مقاتلي التنظيم الموجودين خارج السجن وداخله، في هجوم منسّق بدأ مساء الخميس على المرفق الذي يشرف عليه الأكراد، في عملية تعتبر «الأكبر والأعنف» منذ إعلان القضاء على التنظيم في سوريا قبل ثلاث سنوات. ولا تزال قوات سوريا الديمقراطية، التي يعدّ الأكراد أبرز مكوناتها، تعمل على استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة. وأفاد المرصد الاثنين عن إدخال وحدات من قوات الأمن الكردية وقوات مكافحة الإرهاب في قوات سوريا الديمقراطية «عربات مدرعة إلى ساحة سجن غويران»، بعد رفض «غالبية عناصر التنظيم الذين يتحصنون في مبانٍ في السجن الاستسلام».
وقال المتحدّث باسم «قسد» المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فرهاد شامي، لوكالة فرانس برس «دهمت قواتنا أحد المهاجع حيث كان يتحصّن معتقلو داعش ويواصلون عمليات العصيان». وسلّم «العشرات من عناصر التنظيم أنفسهم داخل السجن وفي محيطه»، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس، لافتاً الى أن «سجناء التنظيم باتوا محصورين في الجزء الشمالي من السجن».
وشاهد مصور لوكالة فرانس برس ثلاث حافلات كبرى لدى خروجها من حي الغويران، وسط إجراءات أمنية مشددة، تقلّ على الأرجح عناصر التنظيم ممن استسلموا للقوات الكردية. وأعقب خروج الحافلات سماع إطلاق نار كثيف في المكان. وأدّت الاشتباكات العنيفة إلى فرار مجموعة من السجناء لم يتسن التأكد من عددها. وذكرت وكالة أعماق (الذراع الدعائية للتنظيم) أن عددهم 800. وأكد المرصد ما أعلنه التنظيم لناحية سيطرة المهاجمين والسجناء على مخزن أسلحة كان موجودا داخل السجن.
وحسب منظمات دولية والأمم المتحدة، فإن أكثر من 700 من الأطفال والقصّر ممن انضووا سابقاً في صفوف التنظيم، كانوا معتقلين في السجن المكتظ، وهو عبارة عن مدرسة تمّ تحويلها قبل ثلاث سنوات إلى مركز احتجاز. وكانت الإدارة الذاتية تحتجز فيه 3500 مقاتل على الأقل من مقاتلي التنظيم.
وذكرت منظمة «سايف ذي تشيلدرن» (أنقذوا الأطفال) في بيان الإثنين، أنها «تلقت ومنظمات أخرى شهادات صوتية تؤشّر الى وقوع العديد من الإصابات والوفيات في صفوف الأطفال». وأوردت أن العديد من الفتيان المحاصرين وسط القتال محتجزون في سجن غويران منذ نحو ثلاثة أعوام. ويتحدرون من عشرات الدول الأجنبية، الى جانب سوريا والعراق.
وقالت مديرة الاستجابة الخاصة بسوريا لدى المنظمة سونيا خوش إن «مسؤولية أي شيء قد يتعرّض له هؤلاء الأطفال تقع أيضاً على عاتق الحكومات الأجنبية التي اعتقدت أن بإمكانها ببساطة التخلي عن رعاياها الأطفال في سوريا»، منبّهة الى أنّ تعرضهم «لخطر الموت أو الإصابة مرتبط بشكل مباشر برفض هذه الحكومات إعادتهم إلى بلادهم». وقالت باحثة سوريا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي «هؤلاء الأطفال عالقون عملياً في سجن غويران»، موضحة أن أعمارهم تتراوح بين 12 و18 عاماً.
وتلقت «هيومن رايتس ووتش» بدورها تسجيلات صوتية من قاصر مصاب بجروح داخل السجن، قال فيها «هناك جثث قتلى في كل مكان»، حسب كيالي. وأعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» عن قلقها الشديد إزاء محنة هؤلاء الأطفال، داعية إلى الإفراج عنهم فوراَ. وقالت المتحدثة باسم المنظمة إيفا هيندز «خصّصت قوات سوريا الديمقراطية أساساً قسماً خاصاً للأطفال» داخل السجن، لكن «لدى العديد منهم أقارب بالغون في السجن وقد انضموا إليهم في أقسام أخرى».
ونبّهت كيالي إلى أنّه «إذا كان تنظيم «الدولة» الإسلامية يستخدم هؤلاء الأطفال كدروع بشرية، وتحاول قوات سوريا الديمقراطية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة استعادة السجن، فإن الأطفال معرضون لخطر هائل من كلا الطرفين». وأعلن التحالف الدولي الذي يدعم الأكراد بالسلاح والتدريب وعادة بالغارات الجوية، في بيان أن «قوات سوريا الديمقراطية احتوت الخطر».
الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية، قال في اتصال مع «القدس العربي» إن المعارك في محيط سجن الصناعة لازالت مستمرة. واعتبر المتحدث أن «تنظيم «الدولة» حقق إنجازات، واختراقاً واضحاً، عبر هجوم كبير وتحرير بعض المقاتلين» لكن هذه العملية كشفت وفق رأيه عن «انحطاط منظومة «قسد»، وهذا يعني أن مجرد رفع الغطاء عنها ستكون مكشوفة أمام قوات النظام السوري وروسيا، وإيران والقوات التركية، وبالتالي هذا يوضح أن قوات «قسد» هشة، ودون الدعم الأمريكي لا يمكن لها أن تستمر».
وتوقع أبو هنية، أن يستمر التنظيم في شن عمليات مماثلة، قد تستهدف مخيمات أخرى، معتبراً تدخل القوات الأمريكية بالطيران سوف يسرّع من إنهاء العملية، «لكن انتشار عناصر تنظيم داعش بين البيوت يحتاج إلى قوات مكافحة إرهاب واشتباكات مباشرة» وأضاف «يقوم تنظيم داعش باختبارات كلما أراد أن ينتقل إلى مستوى أعلى من الخطط، فهو يضع دائماً خططاً سنوية، ويبدو أن التنظيم مستمر في حملة هدم الأسوار الآن، وهذه العملية قد يكون لها ما بعدها، وقد تشمل بعض المخيمات الأخرى لاحقاً، لكن هذا يوضح هشاشة منطقة شمال شرقي سوريا».
وقال الخبير في شؤون الجماعات الجهادية إن «تنظيم «الدولة» متموضع ويعمل عبر خلاياه الفاعلة وهي أكثر من عشرة آلاف حسب تقديرات أممية، أو خلاياه النائمة، والتي تقدر بنحو عشرين ألفاً، ولذلك ينتهز التنظيم الفرص» معتبراً أن العملية الأخيرة تعني انتقاله إلى خطوة أكبر في الأيام القادمة «فهو منذ خساراته آخر جيب مكاني له في الباغوز في شهر آذار/ مارس 2019، تحول إلى نهج اللامركزية والعمل كمنظمة، حيث فصل بين ولاياته في العراق وسوريا، وشن حرب استنزاف وعصابات وإسقاط مدن مؤخراً، لكنه استخدم تكتيكات غير مكلفة عبر العبوات الناسفة والاغتيال وعمليات القنص والاشتباكات المحدودة».
وجزم المتحدث بأن تنظيم «الدولة»، يعمل الآن على تطوير نفسه وسوف «يعود إلى نهج أكثر تطوراً يتمثل في إدخال العمليات الأكثر تعقيداً كعمليات الانغماسيين، والانتحاريين والاقتحامات، وهي مرحلة تدل على تطور وثقة التنظيم، وبالتالي هو سينتقل لكن لن يكون متسرعاً، فهو أراد اختبار قوات سوريا الديمقراطية».
وانتهى أبو هنية بالقول «ما دامت القوات الامريكية موجودة، يصعب عودة السيطرة المكانية لتنظيم الدولة، لأنه سوف يكون مكشوفاً أمام ضربات التحالف لكنه سيبقى يرهق قوات سوريا الديمقراطية وكذلك القوات العراقية».
“القدس العربي”