المستقبل –
عندما وقف الرئيس الأميركي باراك أوباما في البرلمان التركي في السادس من نيسان 2009 وأعلن بوضوح أنه من المؤيدين "بشدة"، لقيام دولتين: إسرائيلية وفلسطينية بموجب خريطة الطريق في أنابوليس، أضاف أن هذا الهدف "سأتابعه بفعالية ونشاط بصفتي رئيساً"، للولايات المتحدة الأميركية. هذا التعهد الواضح والصريح تعزز، أيضاً، برمزية المكان الذي أعلن فيه أوباما هذا الموقف، أي تركيا بما تمثله للسياسة الخارجية الأميركية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وللدور الفاعل الذي تقوم به في الحوار اللامباشر بين سوريا وإسرائيل.
مما لا شك فيه أن متابعة هذا الملف، بهذه الديناميكية، من قبل رئيس الولايات المتحدة في بداية ولايته الأولى، تشكل خرقاً لما اعتاد عليه معظم الرؤساء الأميركيين لدى تسلمهم مهامهم الرئاسية. فالنزاع العربي الإسرائيلي وبالتحديد القضية الفلسطينية، كانا يحتلان المراتب المتأخرة في سلم أولويات هؤلاء الرؤساء، وفي الغالب كان الرئيس يتعاطى معهما في السنتين الأخيرتين من الولاية، على أحسن تقدير. والأمر الثاني اللافت في تحرك الرئيس، هو استباقه محاولة التفاف، اللوبي الصهيوني المؤثر في الإدارة الاميركية، على هذا الموقف بإرساله مبعوثين من قبله الى مسؤولي الكونغرس لشرح أبعاد وخلفية هذا التحرك، من دون أن يهمل "أن وجود إسرائيل والحفاظ على أمنها"، من القضايا المحسومة عنده ولا يقبل المناقشة أو الجدل فيها. والأمر الأخير في هذا السياق، هو الرفض الحاد المباشر الذي استقبلت به الحكومة الإسرائيلية الجديدة هذا الموقف؛ فإذا كان الجانب العربي، وخصوصاً الفلسطيني، قد وجد في كلام أوباما تغيراً نوعياً يجب الترحيب به وتقديم الدعم والتأييد له، فإن نتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان وجها نقداً لاذعاً للرئيس الأميركي، حتى أن بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة لم يتورع عن مطالبة أوباما بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية، لأن ذلك من مهمات السلطة الحاكمة وحدها فقط، وأعلن رئيس الحكومة نتنياهو، أيضاً، أنه لا يعترف لا بخريطة الطريق ولا بأنابوليس، وحصر اهتماماته مع الفلسطينيين بالميادين الاقتصادية والأمنية فقط.
لا يمكن النظر الى الموقف الإسرائيلي الداخلي الرسمي، الذي عبَر عنه التيار اليميني المتطرف الحاكم في الدولة العبرية، معزولاً عن عامل مؤثر وداعم له، هو اللوبي الصهيوني المتغلغل في ثنايا المجتمع الأميركي. من المعروف أن هذا اللوبي هو ائتلاف متفلت لأفراد ومنظمات تعمل بنشاط لصياغة السياسة الخارجية الأميركية في اتجاه موالٍ لإسرائيل، بصرف النظر عن صوابية أو أحقية المطالب والأهداف الإسرائيلية وتطابقها أو انسجامها مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية… لقد كتب الكثير عن مدى قوة وفعالية مجموعات الضغط هذه حتى أصبح أي سياسي أميركي يعترض على أعمال هذا اللوبي لا يملك حظاً كبيراً في أن يصبح رئيساً. لقد قدم الباحثان الأميركيان الاكاديميان "ستيف والت" و"جون ميرشايمر" شرحاً مسهباً ومعززاً بالوثائق والوقائع لنشاط مجموعات اللوبي في الإدارة الأميركية، وذلك في كتاب نشراه عام 2006 تحت عنوان "من مقالة الى كتاب: اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية"، وأحدث اهتماماً كبيراً في الأوساط العلمية الأميركية والدولية، كما لاقى احتجاجاً ومعارضة، قبل النشر وبعده، من الأوساط الصهيونية داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ ومما جاء في مقدمة هذا الكتاب أن المرشحين للرئاسة الأميركية قد يختلفون على قضايا عديدة وكيفية معالجتها كالحرب في العراق والوضع في دارفور والطموحات النووية الإيرانية والعداء الروسي لمنظمة حلف شمال الأطلسي والقوة المتصاعدة للصين والانحباس الحراري ومكافحة الإرهاب… لكن هؤلاء المرشحين "سيتكلمون بصوت واحد حول موضوع واحد هو التزامهم الشخصي العميق بدولة أجنبية هي إسرائيل…". وباختصار يهدف هذا اللوبي الى توجيه السياسة الخارجية الأميركية لتبقى الى جانب إسرائيل، والسيطرة على الخطاب العام في الولايات المتحدة ليبقى الدعم الرسمي مقروناً بالدعم الشعبي.
مقابل هذه القوة المسيطرة على معظم قطاعات الرأي والقرار في الولايات المتحدة، وانعدام أي قوة ضغط عربية قادرة على إحداث تعديل في موازين القوى في الداخل الأميركي؛ علماً أن أعداداً، لا بأس بها من قادة الرأي الأميركي، وانطلاقاً من حرصها على المصلحة الأميركية، ترى أن إسرائيل تسعى دائماً لتحقيق مصالحها الخاصة والتي تكون في أغلب الأحيان متعارضة، لا بل متناقضة، مع مصالح بلدها، وترى أيضاً أن الدولة العبرية أصبحت عبئاً استراتيجياً على الدولة الأميركية، ومع ذلك يبقى نشاط هذه الفئات، كما النشاط العربي، مبعثراً، وبالتالي غير مؤثر.
هذا الاستعراض لمواقف اطراف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يستدعي التساؤل التالي: الى أين سيصل أوباما في مسعاه، وهل سيتغلب على الموقف الإسرائيلي أم سيرضخ له؟!
لقد بدأت الحكومة الإسرائيلية هجومها المعاكس ، فأوفدت شيمون بيريس للقاء اوباما وللاجتماع بقادة اللوبي الصهيوني ( ايباك)، الذي يعتبر من اقوى مجموعات الضغط.
كما اوفدت ليبرمان الى اوروبا ،الاول لتعبئة قادة ( ايباك )، والثاني للترويج لفكرة ان الخطر النووي الايراني يجب ان يحتل الاولوية في الاهتمامات الدولية ، كل ذلك تمهيدا للقاء اوباما نتانياهو في 18 الجاري، هو الاول بين الرجلين، ويعتبر بمثابة اختبار لاوباما ولدعوته قيام دولتين، فهل سيتعاطى رئيس الحكومة اليميني بإيجابية مع تعهد الرئيس الاميركي، ام يراوغ ويعطي اشارة الانطلاق لللوبي لإفراغ هذا التعهد من مضمونه، كما حصل مع الرئيس الاميركي السابق جورج بوش الذي كان اول رئيس اميركي يدعو لقيام دولة فلسطينية في خريف 2001، لكن نشاط اللوبي المتواصل اجهض الفكرة وعلى مر الايام افرغها من مضمونها الحقيقي؟!




















