انتفاضة جبل العرب ليست وليدة اليوم، بل هي استمرار لمواقفه الشجاعة المشرّفة منذ اندلاع الثورة السورية 2011، إذ وقف أحفاد سلطان باشا الأطرش في مواجهة محاولات النظام جعلهم تحت مظلّته وحمايته، وقدّموا الشهداء والمعتقلين، كما بقية المناطق الثائرة، وقاموا بما يقتضيه الواجب في إعانة واستيعاب كل من لجأ إليهم من بطش وتغوّل عصابة النظام، وامتنعوا عن الخدمة العسكرية؛ كيلا يكونوا مشاركين لنظام الإجرام في سفك دم إخوانهم السوريين في مواقع تأجُّج ثورة الحرية والكرامة ضده.
لم تكن شعارات السويداء في حراكها إلا ناطقة بلسان الوطنية السورية على اختلاف الإثنيات والديانات والطوائف، وفي كل مرة تكشف زيف ادّعاء النظام تحقيق الانتصار وإرساء الاستقرار؛ لأن ذلك إنما على حساب كرامة الشعب وخنق صوته بمزيد من الضغط الأمني والعوز الاقتصادي والكذب الإعلاميّ الذي يرمي بكل الدنايا التي يقترفها على الخارج و”المؤامرة الكونية”، والمزيد من إرهاق الشعب بمعاناة الفاقة والحاجة التي لا تسدّها “عطايا” النظام، مهما “طنطن” لها إعلامه وزيّنتها تسويغانه، لأن استشراف الأسوأ ناتج عن واقع سيّئ، لم يسبق للسوريين أن وقعوا فيه.
جاء حراك السويداء ليقول ” لا لامتهان الكرامة ” بتجويع الأحرار، فالنظام الذي يقتل ويعتقل ويهجّر السوريين لمطالبتهم بالحرية والكرامة، لا يمكن إلا أن ينزع عمّن بقي كرامته بإخضاعه وتجويعه لتركيعه، بعد أن رهن قرار سورية وسيادتها لمحتلين يضمنون بقاءه واستمراره بنهب ثروات الوطن وابتزاز الناس في قوتهم بمنهجية لا يقوى عليها غير طاغية لا يهدأ له بال إلا بإذلال الجميع. ولكن أبناء الجبل كشفوا خداع ادّعائه حماية الأقليات والطوائف، عندما نطقت باسم كل السوريين ” هنا السويداء.. هنا سورية “، وأعادت للثورة السورية سيرتها الأولى السلمية الحضارية التي واجهت الدبابات بالصدور، ورفعت أمام البنادق الزهور. ووقف الجميع فيها من شيوخ العقل إلى أطفالهم، يردّدون، نحن سوريون، ونطالب بالكرامة لكل السوريين، ومعاناتنا صورة عمّا يعانون، ومستقبلنا مرهون بمستقبل كل السوريين، فصار لسان المطالبين بدولة مدنية تعددية، وتحميل النظام مسؤولية ما حدث ويحدث في سوية لطغيانه وفساد أجهزته وفشله في معالجة معاناة سورية الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
سيعمل النظام أو داعميه لخلخلة الحراك واصطناع أقنية للحوار، لن تنتهي إلا بوأده إن تمكّن، وإلا سيحرق الأخضر قبل اليابس، وهي عقلية النظام التي لم، ولن، تتغيّر في مواجهة من يخرج عليه، لأن إستراتيجيّته التي يجيدها لا تقوم إلا على المزيد من القمع، وقد سيّر أرتال ميليشياته وعصابات داعميه صوب السويداء، إمعاناً بالترهيب وتسويغاً لما قد يقع، إن امتدّت رياح السويداء إلى أماكن أخرى.
لقد جعلت عصابة الأمر الواقع الأسدية السوريين رهائن لاستبداده ورفضه الانتقال السياسي، وما معاناتهم إلا لارتهانه لمموّليه وداعمي استقوائه على الشعب، بكل أطيافه وطوائفه، وما عناده والتفافه عمّا يتوجّب عليه، إلا دليل على مكابرته وخداعه نفسه قبل الآخرين، والسويداء قالت للعالم بانتفاضتها، المطلبية ظاهراً والسياسية جوهراً، إن السوريين يرفضون نظام العبودية والعصابات والمخدرات والميليشيات والاحتلالات، ويريدون الكرامة، وهي كلمة السوريين ولسانهم.. لا ركوع، وإن استمرّ الجوع.
رئيس التحرير