كثيرة هي الاتهامات التي وجّهت إلى الشاعر والأديب السوريّ علي أحمد سعيد إسبر (أدونيس)؛ من بينها الطائفيّة، والانتهازية، وتأييد نظام الأسد في حربه ضد السوريين، واللهاث وراء الجوائز والتكريمات، وغيرها من التوصيفات والتهم التي تتربّع على قائمتها تهمة اللصوصيّة والسرقة الأدبيّة.
والسرقات، أو ما تسمّى بـ “الاقتباسات/ الاستعارات” الأدبيّة كنوع من التجميل، معروفة ومنتشرة منذ العصر الجاهليّ؛ إذ كان بعض الشعراء “يستعيرون” بيتاً أو فكرة من شاعر آخر، أمّا أن “يستعير” الأديب كتاباً أو مقالاً كاملاً وبشكلٍ حرفيّ فقد نَدُر ذلك.
أدونيس منتحلاً
أدونيس، وفق بعض النُقّاد والقرّاء، يعدّ واحداً من “اللصوص الكبار” الذين اتّهموا بسرقة مؤلّفات كاملة. وما يميّز “لصوصية” أدونيس هو تأليف العديد من الكتب والأبحاث التي تتحدّث عنها، فلم يكن الأمر مجرّد اتهامات بسيطة من هنا أو هناك.
ويُعدّ كتاب “أدونيس منتحلاً” الذي ألّفه الشاعر والناقد العراقيّ كاظم جهاد من أشهر تلك المؤلّفات التي تناولت لصوصيّة أدونيس. بدأ كاظم جهاد كتابه بالحديث عن الفرق بين السرقة والتناصّ، التناصّ الذي تلطّى خلفه لصوص الأدب والفكر لتبرير سرقاتهم، وعلى رأسهم أدونيس، ثمّ راح يسرد الأدلّة والجداول التي تقارن بين ما كتبه الأخير وبين المصادر التي سرق منها حرفيّاً، ناسباً أدونيس الكلامَ لنفسه من دون الإشارة إلى صاحبه الحقيقيّ؛ فمن جملة ما كشفه الكاتب العراقيّ عن “السرقات” مقالة انتحلها أدونيس من الكاتب الفرنسيّ جيرار بونو والتي نشرت في مجلّة لونوفيل أوبزر فاتور، حيث نشر النصّ العربيّ لأدونيس في مجلّة (الكفاح العربيّ) اللبنانية العريقة تحت عنوان “الفيزياء تعلّم الشعر” وقد وضّح الكاتب بالدليل القاطع الذي لا يدع مجالاً للشكّ، السرقة الحرفيّة للنصّ الأصليّ مع إغفال بعض الفقرات فيه، كما تحدّث عن سرقة أدونيس لكثير من الأشعار المترجمة لشعراء فرنسيّين وآخرين غيرهم، وكانت كلّ السرقات موثّقة بالأدلّة.
“شرائع إبليس في شعر أدونيس”
الدكتور صالح عضيمة ألّف بدوره كتاباً بعنوان “شرائع إبليس في شعر أدونيس” صدرت طبعته الأولى عن دار البراق عام 2009 وأصدرت مكتبة مدبولي الشهيرة بالقاهرة الطبعة الثانية منه بعد نفاده من الأسواق عام 2011.
الكتاب استعرض فيه عضيمة المزيد من “سرقات” أدونيس الأدبيّة، وأهداه إلى والده الشيخ أحمد سعيد إسبر، ودعا من خلاله أدونيس إلى مناظرة متلفزة قائلاً: “لأبيّن لك أمام الناس كلّ الناس أنّك شاعر محتال ماكر، وأنّ أكثر شعرك مسروق ملطوش، وبأنّ كتابك (الثابت والمتحوّل) هو من صنيع معلّمك ومرشدك (بولس نويا)، وليس لك فيه ضربة قلم، ولأبيّن لك أشياء أخرى مهولة، تكاد لهولها تُخرِج الإنسان من نفسه وليس من جلبابه فقط”.
جاء كتاب عضيمة في سبعة فصول اعتبر في أوّلها أنّ الكتاب هو إشادة لصرح الحقّ ومحقّ لأوهام الباطل، مؤكّداً أنّه ليس فيه أيّ نوع من الثأر أو التشفّي أو التجنّي، واتّهم فيه أدونيس أنّه يلهث وراء الجوائز، الأمر الذي لم ينكره الأخير في كتاباته ومقابلاته، كما اتّهمه بالكذب والإساءة إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام بالهمز واللمز بألوان وأشكال مختلفة من الإشارات والإيماءات بهيّن القول ورخيص الكلام في المجالس المختلفة، ولكنّه في المحاورات الإعلاميّة يغيّر جلده ولونه وقوله.
وفي الفصل الثاني من الكتاب والذي جاء بعنوان “بحث في الذات والهويّة” يصف عضيمة أدونيس بأنّه قرين إبليس وسميره الذي يسمر معه، ويستنجد به حين تأبى عليه القريحة.
يوسف الخال: “أدونيس حين يذهب إلى بغداد يصير بعثيّاً، وحين يذهب إلى القاهرة يصير ناصريّاً، وحين يشارك في المؤتمرات والاتحادات العربيّة يتحوّل إلى عربيّ من عرب السقوط، فهو بحقّ حاقد على العرب كلّهم”
وفي الفصل الثالث، يشير عضيمة إلى أشهر سرقات أدونيس، وهو كتابه “الثابت والمتحوّل” الذي يعتبره سرقة من بولس نويا، وينقل لنا عضيمة حديثاً له مع نويا يعتبره دليلاً ناصعاً على سرقة أدونيس للكتاب منه؛ معتبراً أنّ المقدّمة التي كتبها بولس لكتابه لا تختلف في أسلوبها ولا في معالجتها للبحث عن أسلوب أدونيس.
كما تحدّث عضيمة في فصل جاء بعنوان “بحث في الاتّهام والإثبات” عن كتاب للباحثة البريطانيّة فرانسيس ستونر الذي تروي فيه دور المخابرات الأميركيّة والبريطانيّة في تمويل الأنشطة الثقافيّة وتحريكها في أرجاء العالم، وأنّ مجلّة “شعر” هي إحدى ثمار هذا التوجّه المشبوه، وإنّ أدونيس هو أحد جنودها الكبار الذين رافقوها منذ انطلاقتها.
وفي الفصل السادس من الكتاب ينفي الكاتب قول أدونيس أنّ عمله المتعلّق بكتابه “ديوان الشعر العربيّ” هو العمل الأوّل في المختارات المنتخبة؛ فقد سبقه كثيرون منهم أبو تمّام في “كتاب الحماسة” ومهدي الجواهريّ في “كتاب الجمهرة” كما يشير إلى إغفال أدونيس الكثير من الشعراء، ويرى الكاتب أنّ سبب الإغفال هو” الجهل” على حدّ قوله.
كما أشار عضيمة في كتابه إلى المقالة التي سرقها أدونيس من الكاتب الفرنسيّ والتي نشرها كاظم جهاد في كتابه “أدونيس منتحلاً” فقال عنها: “هذه الوثيقة وحدها التي تؤكّد على أنّه سارق متمرّس فظّ لا يستحي، فحياته كلّها من أوّلها إلى آخرها سرقة كئيبة فظّة، ومن سرق مقالة يسرق كتباً ويسرق بيوتاً ويسرق جيوباً وحقائب”.
فضيحة “البيت الواحد”
قنبلة أخرى من العيار الثقيل فجّرها الشاعر والأكاديميّ التونسيّ محمّد الغزيّ من خلال مقال له نُشر في مجلّة العربيّ الكويتيّة، اتّهم فيه الغزّي أدونيس بأنّه سرق فكرة ومحتوى كتابه “ديوان البيت الواحد في الشعر العربيّ” من كتاب الشاعر والناقد الليبيّ الكبير محمّد التليسيّ الذي يحمل العنوان ذاته، والصادر قبل ثلاثين عاماً في طبعتين : الأولى عن سلسلة “كتاب الشعب” الليبيّة عام 1983 والثانية عن دار الشروق المصريّة الواسعة الانتشار عام 1991.
فضح الغزّي في مقاله الشهير سرقة أدونيس الموصوفة حيث يقول: “أصدر أدونيس كتاباً في أربعة أجزاء عنوانه (ديوان البيت الواحد) جمع فيه أبياتاً مفردة انتخبها من مدوّنة الشعر القديم، وأجراها مجرى القصائد الومضة التي يصفو فيها الإيجاز -وفق عبارته- وتتكثّف حكمة البداهة وبداهة الحكمة… وقد أورد أدونيس أبياتاً كثيرة من نتاج مالا يقلّ عن 290 شاعراً ابتداءً من الجاهليّة إلى بداية القرن العشرين. وهذا الكتاب وإن بدا للبعض رائداً جديداً وكبيراً تدعمه شعريّة رائدة متميّزة وتخمّر فكريّ عميق، فإنّه بدا لنا رجع صدى لكتاب آخر سبق كتاب أدونيس بثلاثين سنة وتناول الفكرة نفسها واستخدم المصطلح نفسه، وربّما انتخب عدداً كبيراً من الأبيات نفسها، وهو كتاب الشاعر والناقد الليبيّ الكبير خليفة التليسيّ الموسم بـ قصيدة البيت الواحد”.
وأكّد الغزّي أنّ السرقة لم تقتصر على فكرة الكتاب بل امتدّت إلى تطابق الكثير من المختارات، حيث ختم مقاله بالقول: “فالكتاب، كلّ الكتاب، مستلهم من كتاب التليسيّ… ودليلنا على ذلك هذا الاتّفاق الغريب في المصطلح وفي الأبيات المختارة وفي طبيعة قصيدة البيت الواحد”.
وشهد شاهد من أهله
في مقال بعنوان “أدونيس سارقاً” للكاتب محمّد وقيع الله في مجلّة (البيان) يورد الكاتب شهادة على لسان صديق أدونيس وشريكه في مجلّة “شعر” الشاعر يوسف الخال الذي قال عن أدونيس: “حين يذهب إلى بغداد يصير بعثيّاً، وحين يذهب إلى القاهرة يصير ناصريّاً، وحين يشارك في المؤتمرات والاتحادات العربيّة يتحوّل إلى عربيّ من عرب السقوط، فهو بحقّ حاقد على العرب كلّهم ، يقول إنّه يقف على الصفّ الذي لا يقف عليه العرب”.
وبناء على شهادة الخال، فإنّ أدونيس لم يكن لصّاً أدبيّاً ماهراً فحسب بل كان أيضاً منافقاً ماهراً ومتلوّناً أكثر من الحرباء.
ختاماً، وبناء على ما سبق يجوز لنا أن نقول في أدونيس ما قيل في سلف له من “مُستعيري” القريض:
لو نفضت أشعاره نفضةً لانتشرت تطلب أصحابها
المصادر والمراجع:
-
كتاب “شرائع إبليس في شعر أدونيس” لـ د. صالح عضيمة.
-
كتاب “أدونيس منتحلاً” لـ كاظم جهاد.
-
على موقع أورينت نت مقال بعنوان “فضيحة ثقافيّة: مجلّة العربيّ الكويتيّة تكشف آخر سرقات أدونيس”.
-
على موقع اليوم السابع مقال لـ محمّد البديويّ بعنوان “صالح عضيمة يتّهم أدونيس بسرقة الشعر والفكر”.
-
مجلّة البيان مقال بعنوان “أدونيس سارقاً .. أدونيس بألوان قوس قزح” لـ محمّد وقيع الله.
“تلفزيون سوريا”