طغى الحدث الأوكراني على الأزمة السورية، التي كان قد خبا صوتها قبل ذلك، ولم تعد إلى واجهة الحدث الأوكراني إلا بعد أن ناشد الرئيس الأوكراني الغرب بألا يسمح بأن تتحول أوكرانيا إلى سوريا ثانية. لكنها عادت بقوة في الأيام الأخيرة إلى الواجهة، بعد أن تبادل الطرفان الروسي والأوكراني الإتهامات بإستقدام مرتزقة من مختلف البلدان للمشاركة في الحرب على طرفي جبهة المواجهة. والإتهامات لا تتحدث عن مرتزقة سوريين فقط، بل تطاول ايضاً مرتزقة من بلدان اخرى “ذوي خبرة قتالية في سوريا”، وهو ما يوحي بالقول بان سوريا أصبحت ” بلد المرتزقة”.
ساقت روسيا إتهاماتها من أعلى المستويات، بدءاً من الكرملين مروراً بوزارتي الدفاع والخارجية ووصولاً إلى الإعلام الذي يدور في فلك الكرملين. فقد أعلن الرئيس الروسي في إتصاله الهاتفي مع الرئيس الألماني بأن السلطات الروسية تسجل بشكل متزايد ظهور مرتزقة من بلدان ثالثة، بما فيها من ألبانيا وكرواتيا ومقاتلين من كوسوفو وحتى جهاديين ذوي خبرة بالعمليات العسكرية في سوريا. وصرح نائب قائد المركز الروسي للمصالحة في سوريا الكونتر أدميرال أوليغ جورافلوف بأن أنباء ترد عن خروج مقاتلين من أصول ألبانية وقفقازية من منطقة خفض التصعيد في إدلب إلى أوروبا بغية المشاركة في العمليات العسكرية على الأراضي الأوكرانية.
موقع glavred الأوكراني نشر أمس الإثنين نصاً بعنوان “روسيا تجند المرتزقة السوريين للمشاركة في معارك المدن في أوكرانيا”. ويقول الموقع بأنه ليس من المعروف عدد الذين تم تجنيدهم حتى الآن، لكن البعض منهم اصبح في روسيا ويستعد للإنخراط في الحرب ضد أوكرانيا. وينقل الموقع عن صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نقلها قولها بان روسيا تعرض على المتطوعين مبلغ 200 ـــــــ 300$ مقابل الذهاب إلى أوكرانيا. كما ينقل الموقع عن باحثة في معهد دراسة الحرب في واشنطن قولها بان المقاتلين السوريين أمضوا عشر سنوات وهم يقاتلون في المدن، بينما الروس الذين تم تجنيدهم يفتقرون إلى مثل هذه الخبرات.
الإتهامات الروسية بمشاركة مرتزقة سوريين في القتال إلى جانب الجيش الأوكراني ليست جديدة. فقد نشر موقع OD ( أخبار أوديسا) الأوكراني ربيع العام المنصرم نصاً بعنوان “مستوى جديد من أكاذيب البروباغندا الروسية: المقاتلون السوريون يغادرون إلى أوكرانيا للقتال في صفوف الجيش الأوكراني”. قال في حينه كاتب النص المحلل العسكري السياسي في الموقع بأنه ناقش مع محلل آخر على موقع أذري “التزييف المفضل” لدى البروباغندا الروسية عن مشاركة عسكريين أجانب في حروب مثل أوكرانيا او ناغورني كاراباخ. في الأخيرة زعمت أجهزة الإعلام الروسية بأن الجيش الأذري لم يحارب مطلقاً، بل حاربت عنه قوات خاصة تركية ومرتزقة سوريون. ومثل هذه الرواية تتردد منذ العام 2014 بشأن أوكرانيا، حيث يزعمون بأن ليس الجيش الأوكراني من يحارب في الدونباس، بل البولونيون والأميركيون والإستونون واللاتفيون وسواهم. ويتهم الكاتب أصحاب هذه المزاعم بانهم ليسوا مراسلين عسكريين “ولا حتى صحافيين”، فاي شخص على معرفة بالشأن العسكري يعرف جيداً أن مثل هذا الخليط اللغوي الأممي على الخطوط الأمامية هو كارثة محققة في التواصل والتفاعل.
ويرى الكاتب أن البروباغنديين الروس يبدو أنهم قرروا تعميق سقوطهم المهني، حين أعلنوا بأنه سيتم إرسال مقاتلين سوريين إلى أوكرانيا، ومرة أخرى يتم تجميع المقاتلين السوريين لمشاركتهم في المعارك في الدونباس إلى جانب الجيش الأوكراني. أحد البروباغنديين يبث عن “الجهاد الأرثوذوكسي”، وآخر يتحدث عن سوريين وأتراك جاءوا إلى الدونباس “لذبح” الأرثوذوكس، ثالث يدعو إلى ضم جمهوريتي دانتسك ولوغانسك إلى روسيا(لم يكن الكاتب يتصور حينها أن هذا الضم سيقترفه بوتين بعد أقل من سنة). ويرى الكاتب أن العار سبق أن لحق بالبروباغنديين الروس في ناغورني كاراباخ، و”لعله يلحق بهم في الدونباس أيضاً”.
لكن ليس المرتزقة السوريون هم فقط المرشحون للذهاب إلى أوكرانيا. فقد نشر موقع راديو ozodlik الأوزبكي أمس الإثنين بأن المهاجرين الأوزبك ذاهبون كمرتزقة أيضاً إلى أوكرانيا. ويقول بأنه على خلفية الحرب التي أعلنتها روسيا على أوكرانيا، أُدرج مصير المهاجرين من آسيا الوسطى على جدول أعمال هذه الحرب، حيث يتم تداول تحذيرات من إحتمال إشراك المهاجرين في العمليات الحربية. القانون الروسي يسمح للمواطنين الأجانب الإلتحاق بالخدمة العسكرية بموجب عقود، أما القانون الأوكراني فيحظر ذلك.
ويقول الموقع بأن ما يثير القلق بشكل أساسي هو تدهور مداخيل المهاجرين في روسيا تحت ضغط العقوبات التي فرضها عليها الغرب وتشديد ملاحقة هذه العقوبات. وينقل مراسل الموقع عن سائق تاكسي أوزبكي في موسكو قوله بأنه وصل من روسيا إلى لوغانسك على متن شاحنة عسكرية روسية. ولا يخفي السائق بأنه، من أجل الحصول على الجنسية الروسية ومسكن ومرتب شهري جيد ( حوالي 590$)، وافق على هذا العمل.
ينقل الموقع عن مدون أوزبكي مقيم في روسيا، إشترط عدم ذكر إسمه، قوله بأن موقعاً إلكترونياً أوزبكياً في روسيا يعمل حالياً على تجنيد مهاجرين أوزبك بالخدمة العسكرية الروسية بالتعاقد. وبعد إعلان المدون على اليوتوب بأن الخدمة التعاقدية في الجيش الروسي تسمح للمواطن الأجنبي بالحصول على الجنسية الروسية خلال 3 أشهر، أخذت تنتشر وسط المهاجرين الأوزبك أخبار تقول بأن هذه الحملة، إذ توفر للمهاجر الأوزبكي مرتباً شهرياً بين 500 و600$، تجند المهاجرين كسائقين و عاملين في صيانة الاليات العسكرية وسائقين لتوزيع وحدات المساعدات الإنسانية في شرق أوكرانيا.
المرتزقة من كافة الجنسيات، وليس من سوريا فقط، مطلوبون من الأوكران والروس على حد سواء، وإن كان لأسباب ودوافع مختلفة. فإذا كان الأوروبيون وسكان البلطيق يسارعون للمجيء إلى أوكرانيا بدوافع أخلاقية لرفع ظلامة تقع على شعب مهدد بوجوده وضياع وطنه، فإن دوافع المقاتلين من سوريا وأوزبكستان وألبانيا يغلب عليها العوز والفاقة في ظروف تدهور مريع للحالة المعيشية كما في سوريا.
لكن مهما إختلفت أسباب تجنيد المقاتلين الأجانب لدى طرفي الحرب المستعرة الآن، لا تنفي عنهم صفة المرتزقة التي هدد الروس بمحاكمتهم على أساسها في حال وقوعهم في الأسر. وجاء إعلان الأوكرانيين عن دعوتهم لمقاتلين من مختلف أنحاء العالم ( وصل عددهم إلى 22 ألفاً أمس الإثنين حسب موقع أوكراني، أي تخطى رقم 16 ألفاً الذي سبق أن أعلنه الرئيس الأوكراني) ليضيف بيد البروباغندا الروسية ذريعة أخرى غير ” نزع نازية وسلاح النظام الأوكراني”.
موقع ritmeurasiaالذي يصف نفسه بأنه منصة معلومات مهنية للسياسيين والنشطاء الإجتماعيين والصحافيين من بلدان الإتحاد السوفياتي السابق نشر نصاً في 5 من الجاري بعنوان ” نفايات من جميع أنحاء العالم: “الإوز البري” يتجمع في أوكرانيا”.
يضيف إلى هذا العنوان “الإحترافي بإمتياز” موقع Обзор الداغستاني نصاً بعنوان “اوكرانيا ستتحول إلى سوريا: ناشط إجتماعي داغستاني عن مصير سلطة تحتضر”. يقول الموقع بأنه يعرض تعليق ناشط داغستاني على النبأ الصادم من أوكرانيا “النازية الجديدة” بإلغاء تأشيرة الدخول للمرتزقة و”قاطعي الأعناق” المستعدين للقتال ضد “قوات حفظ السلام الروسية”. ويقول الموقع بأن صفوف المحاربين ضد القوات المسلحة الروسية تضم إنفصاليين شيشان سابقين وإرهابيين من داعش.
ما نشره الإعلام الناطق بالروسية هذه الأيام عن دور المرتزقة، ومن بينهم السوريون، في الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تقبض على أنفاس العالم باسره، كثير للغاية. لكن، إذا كان الإعلام الروسي يرى في هؤلاء المرتزقة نفايات وإوزاً برياً جاء ليقاتل “قوات حفظ السلام الروسية” في أوكرانيا، لم يأت الأوكرانيون وإعلامهم على ذكر المقاتلين السوريين الذي أعلنوا عن تلهفهم للوصول إلى أوكرانيا للثأر من روسيا، بل ركزوا على الجنسيات الغربية لهؤلاء “الوافدين لمحاربة المعتدي الروسي”.
“المدن”