آخر أنباء خروج الشركات الأجنبية من روسيا أو إخراجها، كان أمس صدور قانون روسي يعتبر الشركة المالكة لشبكات التواصل الإجتماعي فيسبوك، واتس أب وإنستغرام مؤسسة متطرفة يلزمها بوقف عملها. لكن الخروج الكثيف للشركات الأجنبية من روسيا، أو وقف أعمالها المؤقت، لم يترك، على الأقل قبل حظر شبكات التواصل الإحتماعي، أثراً على الشارع الروسي كالأثر الذي تركه وقف أعمال شركة المأكولات السريعة ماكدونالد. وقد أثارت ردة فعل الشارع هذه حفيظة الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، واستغربت إعتبار العديد من الشخصيات الروسية البارزة الأمر “تراجيديا قومية وضياع الأمل”. وذكرت زاخاروفا هؤلاء بكل ما تسوقه روسيا من إتهامات للغرب والقيادة الأوكرانية بالمجازر الجماعية وحرق البشر أحياءاً وهجمات الإرهابيين وارتكابات المتطرفين، وقالت بأن كل هذا لم يقتل الأمل، بل قتله التهديد بفقدان قطعة لحم مع البطاطا المقلية.
موقع الخدمة الروسية في “الحرة” الأميركية أفرد نصاً خاصاً لتعليقات الروس على خروج ماكدونالد بعنوان “إشتر بيغ ماك للمرة الأخيرة. شبكات التواصل تودع ماكدونالد الروسي”. قال الموقع بأن قائمة الشركات التي تغادر أو توقف أعمالها في السوق الروسية تتزايد بسرعة يصعب اللحاق بها.
ينقل الموقع عن إحدى الناشطات قولها بأن إقفال ماكدونالد في روسيا أمر تافه، بالطبع، لكن فجر الحياة الطبيعية بزغ في الإتحاد السوفياتي مع مجيء ماكدونالد، وينتهي مع مغادرته ويعود الإتحاد السوفياتي.
ناشط آخر قال بأن العد التنازلي للزمن قد انطلق، غدا حين يقفل ماكدونالد سنقفل عائدين إلى مطلع التسعينات. قفزتان كهذه ونعود إلى العام 1937( ذروة الإرهاب الستاليني).
علق ناشط قائلاً بأن العجوز (بوتين) انسجم بالتاريخ لدرجة لم يلاحظ إلى أي حفرة تاريخية يدفع شعبه وبلاده. مع هذه الوتائر يمكن أن نتوقع إستعراض قردة الكاميرون وهم يتخلون عن ذريتهم في … موسكو.
موقع Rosbalt المعارض المدرج على قائمة “عميل أجنبي” نشر نصاً بعنوان ” روسيا بدون الغرب: للمرة الأولى منذ 300 عام”. قال الموقع بأن الإمبراطورية تقوم بأكبر محاولة منذ قرون للتخلص من الناس ذوي التفكير الغربي كشريحة إجتماعية. ويرى أن الأمر يبدو وكأن القضاء على الروس الأوروبيين يتم بجهود مشتركة من السلطة الروسية والعالم الغربي المعادي لها.
ينقل كاتب النص عن صديق قوله منذ سنوات بأن الأشد كارثية في تاريخ السنة الأخيرة، هو التخلي الإستعراضي الواضح عن عن ذلك المنحى في التاريخ الروسي الذي خط له بطرس الأكبر منذ 300 عام. لكن التقاليد الروسية الحقيقية والتاريخ الروسي والثقافة تناهض ذلك بشدة. ويشير إلى أن صديقه هذا كان أحد واضعي الأيديولوجيا الجماهيرية لنظام بوتين في مطلعه، والتي تكونت من خليط من الليبرالية والمحافظة، ومن الأوروبية والوطنية. ويقول بأن صديقه توفي ولم يتسن له أن يشهد بأي شمولية وجذرية يتم الإفتراق عن الغرب.
يقول الكاتب بأن منتقدي التغريب ودعاته كانوا يقفون جنباً إلى جنب مع ذوي النزعة السلافية في القرن التاسع عشر. ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يكون الغربيون والسلافيون في حالة رعب مما يجري الآن.
ويشير الكاتب إلى أن الكثيرين من الروس الأوروبيين وذوي المفاهيم الغربية يتنكرون الآن لمحمولهم الفكري، إما بحكم الوظيفة أو عن بقناعة، ويرددون النكات حول المؤامرة العالمية وطوق الأعداء وفوائد العزلة وحسنات العقوبات الشاملة. أما أولئك الذين يرفضون التأقلم مع كل ذلك فإما يجبروهم على الصمت أو مغادرة البلاد. مثل هذا التخلي الشامل عن الحضارة الأوروبية لم بحدث حتى في عهد ستالين. وكان رأي الإختصاصيين في إمبراطوريته مسموعاً أكثر مما هو الآن. في أربعينات القرن المنصرم، وفي سياق النضال ضد المنحنين أمام الغرب، كانوا ينوون حظر نظرية النسبية وعلم الميكانيكا الكمية. لكن الفيزيائيين الذين كانوا يعملون على القنبلة الذرية أقنعوا القيادة بأنه لا ينبغي الإقدام على ذلك، لأنه لا يمكن صناعة سلاح غير تقليدي بواسطة هذه “النكات”.
منذ فترة قريبة طلب الإقتصاديون والماليون الروس من القيادة أن تقارن بين قرارها وحجم العقوبات التي سترتب عليه، وقدموا تصوراً لمستقبل العزلة المحكمة على الإقتصاد، ومن ثم على القدرة الدفاعية. لكن القيادة لم تنصت إلى هذه الحجة المحترفة، وفضلت الإنصات إلى النكات التي تطرب لها.
يخلص الكاتب للإستنتاج بأن الإمبراطورية على إمتداد 300 عام، وبغض النظر عن التعرجات، إلا أنها لم تكن على هذا البعد من أورويا. ويؤكد أنه منذ سنة كان ليقول بأن هذا الذي يجري مستحيل، ومنذ شهر، إذا كان هذا ممكناً فهو سيسقط بسرعة، أما الآن “فلا أجرؤ على قول شيء”.
كاتب سياسي في وكالة نوفوستي نشر نصاَ خاطب فيه الشركات الأجنبية التي غادرت أو أوقفت عملها في روسيا بالقول “لا طريق إلى الوراء” وتساءل: “هل نسمح للفارين من روسيا بالعودة”. يطنب الكاتب في سرد “النكات” المحببة للسلطة، ويعدد حسنات العقوبات الشاملة على الاقتصاد الروسي، والإستدارة التاريخية لروسيا عن الغرب التي ستسمح بترسيخ التقاليد والقيم الروسية الحقة بعيداً عن أي أثر غربي.
موقع Meduza المعارض والمدرج على قائمة “عميل أجنبي” يقول بأن روسيا هي البلد الرائد في العالم بحجم العقوبات المفروضة عليه. وينقل عن مصادر قريبة من إدارة الرئيس والحكومة بأن حوالي ربع المسؤولين رفيعي المستوى وموظفي شركات الدولة فكروا بالإستقالة بعد إندلاع الحرب. لكنه لم تحدث حتى الآن أية إستقالات، وذلك لأن الإستقالة تعادل الآن الفرار الذي يعاقب عليه بالإعدام.
مدير المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كارتونوف، وبعد أيام على اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، نشر نصاً بعنوان “هل إنتهى وقت الدبلوماسية؟ سبع سمات للمرحلة القادمة”. يرى في السمة الأولى أن روسيا إختطفت من الصين راية “الشرير الدولي الرئيسي” وخصم الغرب. وعلى الرغم من أن الصين لن تتخلى عن طموحاتها الخارجية، إلا أن تغيير أولويات الغرب تتطلب من الصين حل مسألة تايوان عسكرياً، و”هذا قليل الإحتمال حالياً”.
السمة الثانية يرى فيها الكاتب أنه لم يعد لموسكو في الغرب حلفاء أو حتى مراقبون متعاطفون معها. وإذا كانت قد بقيت بعد العام 2014 قوى معتبرة في الغرب تدعو إلى إرفاق الضغط على الكرملين بتنازلات ما، فإن هذه القوى موحدة الآن في إدانة الأعمال الروسية.
ويرى أن روسيا تنتظرها مقاطعة دبلوماسية طويلة، سوف تترافق في حالات ما بوقف عمل الممثليات الدبلوماسية واستدعاء السفراء، بل قطع العلاقات الدبلوماسية كما في حالة أوكرانيا. كما ينتظر روسيا سباق تسلح طويل ومكلف، سوف يستكمله الغرب بتوظيف مميزاته الإقتصادية والتكنولوجية البارزة من أجل تخفيض القدرات العسكرية الروسية في نهاية المطاف. ويرى الكاتب أن روسيا سوف تبقى لفترة طويلة مستهدفة بالعقوبات الغربية، وسوف يزداد ضغط العقوبات عليها تدريجياً وبصورة متواصلة. وسوف يتبع التخلي عن “غاز الشمال 2” تخفيض مشتريات الغاز الروسي، حتى لو كانت البدائل أرفع كلفة. ويرى أن روسيا سوف يتم إبعادها عن الحلقات الجديدة من التطور التكنولوجي المتسارع، والتي ترسم إنتقال الإقتصاد العالمي إلى مستوى تكنولوجي جديد، مما يهدد بتحول روسيا إلى بلد منبوذ. وينهي الكاتب نصه بمجموعة من التساؤلات ما إن كانت روسيا ستتمكن من تحمل هذا الضغط لفترة طويلة، ويترك أسئلته بدون أجوبة.
“المدن”